فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الخروج في طلب العلم

باب الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ
هذا ( باب الخروج في طلب العلم) أي السفر لأجل طلب العلم.
( ورحل جابر بن عبد الله) الأنصاري الصحابي رضي الله عنه ( مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس) بضم الهمزة مصغر الجهني، المتوفى بالشام سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية رضي الله عنه ( في) أي لأجل ( حديث واحد) ذكره المؤلف في المظالم آخر هذا الصحيح بلفظ: ويذكر عن جابر عن عبد الله بن أنيس، سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت" الحديث.
رواه أيضًا في الأدب المفرد موصولاً، وفيه: أن جابرًا بلغه عنه حديث سمعه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاشترى بعيرًا ثم شدّ رحله وسار إليه شهرًا حتى قدم عليه وسمعه منه فذكره، ورواه كذلك أحمد وأبو يعلى.
لا يقال إن المؤلف نقض قاعدته حيث عبر هنا بقوله: ورحل بصيغة الجزم القتضية للتصحيح.
وفي باب المظالم بقوله: ويذكر بصيغة التمريض كما ذكره الزركشي، وحكاه عنه صاحب المصابيح من غير تعرض له، لأن المجزوم به هو الرحلة لا الحديث.
قال في فتح الباري: جزم بالارتحال لأن الإسناد حسن، واعتضد ولم يجزم بما ذكره من المتن لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب، ويحتاج إلى تأويل فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طرق مختلف فيها ولو اعتضدت انتهى.


[ قــ :78 ... غــ : 78 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ خَالِدُ بْنُ خَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ فَقَالَ أُبَىٌّ نَعَمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ شَأْنَهُ يَقُولُ: «بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَتَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لاَ.
فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ مُوسَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ.
فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ.
قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي.
فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا.
فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ».


وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا أبو القاسم خالد بن خلّي) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الخفيفة بعدها مثناة تحتية مشددة لا بلام مشدّدة كما وقع للزركشي كما في فتح الباري وهو سبق قلم أو خطأ من الناسخ انتهى.
الكلاعي.
وفي رواية أبي ذر قاضي حمص ( قال: حدّثنا محمد بن حرب) الخولاني الحمصي ( قال: قال الأوزاعي) وللأصيلي قال: حدّثنا الأوزاعي بفتح الهمزة نسبة إلى الأوزاع قرية بقرب دمشق خارج باب الفراديس، أو لبطن من حمير أو همدان بسكون الميم أو الأوزاع القبائل التي فرقها أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد أحد الأعلام من أتباع التابعين، المتوفى سنة سبع وخمسين ومائة ( أخبرنا الزهري) محمد بن مسلم ( عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير العبد الأوّل ( ابن عتبة) بضم العين ( ابن مسعود عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما ( أنه تمارى) من التماري وهو التجادل والتنازع ( هو والحرّ بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى) بن عمران عليه السلام هل هو خضر أم لا، وأتى بضمير الفصل لأنه لا يعطف على الضمير المرفوع المتصل إلا إذا أكد بالمنفصل وسقطت لفظة هو من رواية ابن عساكر فعطفه على المرفوع المتصل بغير تأكيد ولا فصل وهو جائز عند الكوفيين، وزاد في الرواية السابقة قال ابن عباس: هو خضر ( فمر بهما أُبيّ بن كعب) الأنصاري أقرأ هذه الأمة المقول فيه من عمر سيد المسلمين ( فدعاه ابن عباس) هلمّ إلينا ( فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل) موسى ( السبيل إلى لقيه) بضم اللام وكسر القاف وتشديد الياء مصدر بمعنى اللقاء.
يقال: لقيته لقاء بالمد ولقا بالقصر ولقيّا بالتشديد ( هل سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر شأنه) قصته؟ ( فقال أُبيّ: نعم سمعت النبي) وفي رواية أبي ذر رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر شأنه يقول) :
( بينما موسى) عليه السلام ( في ملأ من بني إسرائيل) من ذرية يعقوب بن إسحاق بن الخليل عليهم الصلاة والسلام، وعند مسلم بينما موسى في قومه يذكرهم أيام الله ( إذ جاءه رجل) لم يسم ( فقال) وفي رواية قال: ( أتعلم) بهمزة الاستفهام وفي رواية الأربعة تعلم بحذفها، وللكشميهني هل تعلم ( أحدًا أعلم) بنصبهما مفعولاً وصفة، وفي رواية الحموي أن أحدًا أعلم ( منك.
قال موسى: لا)
إنما نفى الأعلمية بالنظر لما في اعتقاده ( فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى) وللكشميهني والحموي بل ( عبدنا خضر) أعلم منك أي في شيء خاص، ( فسأل) موسى ( السبيل إلى لقيه) وفي السابقة إليه بدل لقيه وزيادة موسى ( فجعل الله) تعالى ( له الحوت آية) علامة دالّة على مكانه ( وقيل له: إذا فقدت الحوت) بفتح القاف ( فارجع فإنك ستلقاه، فكان موسى يتبع) بتشديد المثناة الفوقية ( أثر الحوت في البحر) ، وللكشميهني والحموي في الماء ( فقال فتى موسى) يوشع ( لموسى: أرأيت إذ أوينا) أي حين نزلنا { إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشيطان أن أذكره} وفي حرف عبد الله: وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان، وكانا تزوّدا حوتًا وخبزًا فكانا يصيبان منه عند الغداء والعشاء، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر فانسرب الحوت فيه، وكان قد قيل لموسى تزوّد حوتًا، فإذا فقدته وجدت الخضر فاتخذ سبيله في البحر مسلكًا ومذهبًا ( قال موسى: ذلك ما كنا نبغي) من الآية الدالّة

على لقي الخضر عليه اسلام { فارتدّا على آثارهما} يقصان { قصصًا فوجدا خضرًا} على طنفسة على وجه الماء أو نائمًا مسجى بثوب أو غير ذلك ( فكان من شأنهما) أي من شأن موسى والخضر ( ما قصّ الله في كتابه) بسورة الكهف مما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى بعون الله.