فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب رفع العلم وظهور الجهل

باب رَفْعِ الْعِلْمِ، وَظُهُورِ الْجَهْلِ.

وَقَالَ رَبِيعَةُ: لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَىْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ
( باب رفع العلم وظهور الجهل) الأوّل مستلزم للثاني وأتى به للإيضاح ( وقال ربيعة) الرأي بالهمزة الساكنة ابن أبي عبد الرحمن المدني التابعي شيخ إمام الأئمة مالك، المتوفى بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة، وإنما قيل له الرأي لكثرة اشتغاله بالرأي والاجتهاد، ومقول قوله الموصول عند الخطيب في جامعه والبيهقي في مدخله ( لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم) أي الفهم ( أن يضيع نفسه) بترك الاشتغال أو بعدم إفادته لأهله لئلا يموت العلم فيؤدي ذلك إلى رفع العلم المستلزم لظهور الجهل، وفي رواية الأربعة يضيع نفسه بحذف أن.


[ قــ :80 ... غــ : 80 ]
- حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا».
[الحديث 80 - أطرافه في: 81، 5231، 5577، 6808] .

وبالسند السابق إلى المؤلف قال: ( حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة المنقري البصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين ( قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي البصري ( عن أبي التيّاح) بفتح المثناة الفوقية وتشديد التحتية آخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي، المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائة ( عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن من أشراط الساعة) بفتح الهمزة أي علاماتها ( أن يرفع العلم) بموت حملته وقبض نقلته لا بمحوه من صدورهم، ويرفع بضم أوّله، وعند النسائي من أشراط الساعة بحذف إن، وحينئذ فيكون محل أن يرفع العلم رفعًا على الابتداء وخبره مقدّم ( و) أن ( يثبت الجهل) بفتح المثناة التحتية من الثبوت بالمثلثة وهو ضد النفي، وعند مسلم ويبث من البث بموحدة فمثلثة وهو الظهور والفشوّ.
( و) أن ( يشرب) بضم المثناة التحتية ( الخمر) أي يكثر شربه.
وفي النكاح من طريق هشام

عن قتادة ويكثر شرب الخمر فالمطلق محمول على المقيد خلافًا لمن ذهب إلى أنه لا يجب حمله عليه، والاحتياط بالحمل هاهنا أولى لأن حمل كلام النبوّة على أقوى محامله أقرب، فإن السياق يفهم أن المراد بأشراط الساعة وقوع أشياء لم تكن معهودة حين المقالة، فإذا ذكر شيئًا كان موجودًا عند المقالة فحمله على أن المراد بجعله علامة أن يتصف بصفة زائدة على ما كان موجودًا كالكثرة والشهرة أقرب، ( و) أن ( يظهر) أي يفشو ( الزنا) بالقصر على لغة أهل الحجاز وبها جاء التنزيل وبالمد لأهل نجد والنسبة إلى الأوّل زنوي وإلى الآخر زناوي، فوجود الأربع هو العلامة لوقوع الساعة.




[ قــ :81 ... غــ : 81 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لاَ يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح السين والدال المهملتين ابن مسرهد ( قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن قتادة) بفتح القاف ابن دعامة ( عن أنس) وللأصيلي ابن مالك ( قال: لأحدثنكم) بفتح اللام أي والله لأحدّثنكم ولذا أكد بالنون وبه صرح أبو عوانة عن هشام عن قتادة ( حديثًا لا يحدّثكم أحد بعدي) ولمسلم لا يحدّث أحد بعدي بحذف المفعول، وللمؤلف من طريق هشام لا يحدّثكم غيري وحمل على أنه قاله لأهل البصرة وقد كان هو آخر من مات بها من الصحابة ( سمعت رسول الله) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي كلامه حال كونه ( يقول) :

( من) وللأصيلي وأبي ذر أن من ( أشراط الساعة أن يقل العلم) بكسر القاف من القلة وله في الحدود والنكاح أن يرفع العلم وكذا لمسلم ولا تنافي بينهما إما لأن القلّة فيه معبّر بها عن العدم.
قال في الفتح: وهذا أليق لاتحاد المخرج أو ذلك باعتبار زمانين مبدأ الاشتراط وانتهائه ( و) أن ( يظهر الجهل و) أن ( يظهر الزنا و) أن ( تكثر النساء و) أن ( يقل الرجال) لكثرة القتل بسبب الفتن وبقلتهم مع كثرة النساء يظهر الجهل والزنا ويرفع العلم لأن النساء حبائل الشيطان ( حتى) أي إلى أن ( يكون لخمسين امرأة القيم الواحد) بالرفع صفة القيم وهو من يقوم بأمرهن، وقال أبو عبد الله القرطبي في التذكرة: يحتمل أن يراد بالقيم من يقوم عليهنّ سواء كنّ موطوءات أم لا، ويحتمل أن يكون ذلك في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول: الله الله فيتزوّج الواحد بغير عدد جهلاً بالحكم الشرعي، وقال القيم: بأل إشعارًا بما هو معهود من كون الرجال قوّامين على النساء، وهل المراد من قوله خمسين امرأة حقيقة العدد أو المجاز عن الكثرة؟ ويؤيد الثاني ما في حديث أبي موسى ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة.