فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب كتابة العلم

باب كِتَابَةِ الْعِلْمِ
هذا ( باب كتابة العلم) .


[ قــ :110 ... غــ : 111 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ:.

قُلْتُ لِعَلِيِّ هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لاَ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ.
[الحديث 111 - أطرافه في: 1870، 3047، 3172، 3179، 6755، 6903، 6915، 7300] .


وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا ابن سلام) بالتخفيف.
قال في الكمال: وقد يشدده من لا يعرف، وقال الدارقطني: بالتشديد لا بالتخفيف البيكندي ولغير أبي ذر محمد بن سلام ( قال: أخبرنا وكيع) أي ابن الجراح بن مليح الكوفي، المتوفى يوم عاشوراء سنة سبع وسبعين ومائة ( عن سفيان) الثوري أو ابن عيينة، وجزم في فتح الباري بالأوّل لشهرة وكيع بالرواية عنه، ولو كان ابن عيينة لنسبه المؤلف لأن إطلاق الرواية عن متّفقي الاسم يقتضي أن يحمل من أهملت نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه، وتعقبه العيني بأن أبا مسعود الدمشقي قال في الأطراف: إنه ابن عيينة.
( عن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء وكسر الراء المشددة آخره فاء ابن طريف بطاء مهملة مفتوحة الحارثي، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائة ( عن الشعبي) بفتح الشين وسكون العين المهملة واسمه عامر ( عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وبالفاء واسمه وهب بن عبد الله السوائي بضم السين المهملة وتخفيف الواو وبالمد الكوفي من صغار الصحابة، المتوفى سنة اثنتين وسبعين ( قال) :
( قلت لعلي) وللأصيلي زيادة ابن أبي طالب ( هل عندكم) أهل البيت النبوي أو الميم للتعظيم ( كتاب) أي مكتوب خصّكم به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون غيركم من أسرار علم الوحي كما يزعم الشيعة ( قال) علي: ( لا) كتاب عندنا ( إلا كتاب الله) بالرفع بدل من مستثنى منه ( أو فهم) بالرفع ( أعطيه) بصيغة المجهول وفتح الياء ( رجل مسلم) من فحوى الكلام ويدركه من باطن المعاني التي هي غير الظاهر من نصه ومراتب الناس في ذلك متفاوتة، ويفهم منه جواز استخراج العالم من القرآن بفهمه ما لم يكن مقولاً عن المفسرين إذا وافق أصول الشريعة ورفع فهم بالعطف على سابقه، فالاستثناء متصل قطعًا.
وأما قول الحافظ ابن حجر: الظاهر أنه منقطع فمدفوع بأنه لو كان من غير الجنس لكان قوله أو فهم منصوبًا لأنه عطف على المستثنى، والمستثنى إذا كان من غير جنس المستثنى منه

يكون منصوبًا وما عطف عليه كذلك ثم عطف على قوله كتاب الله.
قوله: ( أو ما) أي الذي ( في هذه الصحيفة) وهي الورقة المكتوبة وكانت معلقة بقبضة سيفه إما احتياطًا أو استحضارًا، وإما لكونه منفردًا بسماع ذلك، وللنسائي فأخرج كتابًا من قراب سيفه ( قال) أبو جحيفة ( قلت وما) وفى رواية الكشميهني فما وكلاهما للعطف أي أيّ شيء ( في هذه الصحيفة؟ قال) علي رضي الله عنه، فيها ( العقل) أي حكم العقل وهو الدّية لأنهم كانوا يعقلون فيها الإبل ويربطونها بفناء دار المستحق للعقل، والمراد أحكامها ومقاديرها وأصنافها وأسنانها، ( وفكاك) بفتح الفاء ويجوز كسرها وهو ما يحصل به خلاص ( الأسير ولا يقتل مسلم بكافر) بضم اللام عطف جملة فعلية على جملة اسمية أي
فيها العقل وفيها حرمة قصاص المسلم بالكافر.
وفي رواية الأصيلي والكشميهني: وأن لا يقتل بزيادة أن المصدرية الناصبة وعطفت الجملة على المفرد لأن التقدير فيها أي الصحيفة حكم العقل وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر، فالخبر محذوف.
وحينئذ فهو عطف جملة على جملة، وحرمة قصاص المسلم بالكافر هو مذهب إمامنا الشافعي ومالك وأحمد والأوزاعي والليث وغيرهم من العلماء، خلافًا للحنفية.
ويدل لهم أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل مسلمًا بمعاهد وقال: ( أنا أكرم من وفى بذمته) الحديث.
رواه الدارقطني لكنه ضعيف فلا يحتج به، وتمام البحث في ذلك يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى.

ووقع عند المصنف ومسلم قال: ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة فإذا فيها المدينة حرم، ولمسلم وأخرج صحيفة مكتوبة فيها لعن الله من ذبح لغير الله، وللنسائي فإذا فيها المؤمنون يتكافؤون دماءهم يسعى بذمتهم أدناهم الحديث، ولأحمد فيها فرائض الصدقة.
والجمع بين هذه أنّ الصحيفة كانت واحدة وكان جميع ذلك مكتوبًا فيها فنقل كلٌّ من الرواة عنه ما حفظ.





[ قــ :111 ... غــ : 11 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَخَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ -أَوِ الْفِيلَ.
شَكَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ- وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُؤْمِنِينَ.
أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي.
أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.
أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ: لاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ.
فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ».
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ: «اكْتُبُوا لأَبِي فُلاَنٍ».
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِلاَّ الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِلاَّ الإِذْخِرَ».
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُقَالُ يُقَادُ بِالْقَافِ.
فَقِيلَ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَيُّ شَىْءٍ كَتَبَ لَهُ؟.
قَالَ: كَتَبَ لَهُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ.
[الحديث 11 - طرفاه في: 434، 6880] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين) بضم الدال المهملة وفتح الكاف ( قال: حدّثنا شيبان) بفتح المعجمة وسكون المثناة التحتية ابن عبد الرحمن النحوي المؤدب البصري الثقة، المتوفى

سنة أربع وستين ومائة في خلافة المهدي ( عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي مولاهم العطار أحد الأعلام الثقات العباد، المتوفى سنة تسع وعشرين ومائة.
وقيل: سنة اثنتين وثلاثين ( عن أبي سلمة) بفتح اللام عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
وللمؤلف في الدّيات: حدّثنا أبو سلمة قال: حدّثنا أبو هريرة:
( أن خزاعة) بضم الخاء المعجمة وبالزاي غير منصرف للعلمية والتأنيث وهم حي من الأزد ( قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه) .
في السيرة أن خراش بن أمية الخزاعي قتل جندب بن الأقرع الهذلى بقتيل قتل في الجاهلية يقال له أحمر، وعلى هذا فيكون قوله أنّ خزاعة قتلوا أي واحد منهم فأطلق عليه اسم الحيّ مجازًا ( فأخبر) بضم الهمزة وكسر الموحدة ( بذلك النبيّ) بالرفع نائب الفاعل ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فركب راحلته) الناقة التي تصلح أن يرحل عليها ( فخطب) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال: وإن الله) عز وجل ( حبس) أي منع ( عن مكة القتل) بالقاف المفتوحة والمثناة الفوقية ( أو الفيل) بالفاء المكسورة والمثناة التحتية الحيوان المشهور ( شك أبو عبد الله) أي البخاري وسقط قوله شك أبو عبد الله عند أبي ذر وابن عساكر وللأربعة قال أبو عبد الله كذا قال أبو نعيم هو الفضل بن دكين، وأراد به أن الشك فيه من شيخه واجعلوا بصيغة الأمر، وللأصيلي واجعلوه بضمير النصب أي اجعلوا اللفظ على الشك الفيل بالفاء أو القتل بالقاف وغيره أي غير أبي نعيم ممن رواه عن الشيباني رفيقًا لأبي نعيم وهو عبيد الله بن موسى، ومن رواه عن يحيى رفيقًا لشيبان وهو حرب بن شداد كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الدّيات يقول الفيل بالفاء من غير شك، والمراد بحبس الفيل أهل الفيل الذين غزوا مكة فمنعها الله تعالى منهم كما أشار إليه تعالى في القرآن، وهذا تصريح من المصنف بأن الجمهور على رواية الفيل بالفاء، وفي بعض النسخ مما ليس في اليونينية أن الله حبس عن مكة القتل أو الفيل كذا قال أبو نعيم، واجعلوا على الشك الفيل أو القتل.
وفي رواية قال محمد أي البخاري: وجعلوه أي الرواة على الشك كذا قال أبو نعيم الفيل أو القتل.
وقال البرماوي كالكرماني الفتك بالفاء والكاف أي سفك الدم على غفلة أي بدل القتل، ووجهه ظاهر، لكن لا أعلمه روي كذلك ولا يبعد أن يكون تصحيفًا.


ثم عطف على السابق قوله: ( وسلط عليهم) بضم السين بالبناء للمفعول ( رسول الله) نائب عن الفاعل ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمؤمنون) رفع بالواو عطف عليه كذا في رواية أبي ذر ولغيره وسلّط بفتح السين أي الله رسول الله مفعوله والمؤمنين نصب بالياء عطف عليه ( ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام أن الله قد حبس عنها ( وإنها) ولأبي ذر فإنها بالفاء ( لم تحل) بفتح أوّله وكسر ثانيه ( لأحد قبلي ولا تحل) بضم اللام وفي رواية الكشميهني ولم تحل ( لأحد بعدي) واستشكلت هذه الرواية، فإن لم تقلب المضارع ماضيًا ولفظ بعدي للاستقبال فكيف يجتمعان؟ وأجيب بأن المعنى لم يحكم الله في الماضي بالحال في المستقبل ( ألا) بالتخفيف مع الفتح أيضًا ( وإنها) بالعطف على مقدر كالسابقة ( أحلّت لي ساعة من نهار ألا) بالتخفيف أيضًا ( وإنها) بواو العطف كذلك ( ساعتي) أي في ساعتي ( هذه) التي أتكلم فيها بعد الفتح ( حرام)

بالرفع على الخبرية لقوله إنها أي مكة واستشكل بكون مكة مؤنثة فلا تطابق بين المبتدأ والخبر المذكور.
وأجيب: بأنه مصدر في الأصل يستوي فيه التذكير والتأنيث والإفراد والجمع ( لا يختلى) يضم أوّله وبالمعجمة أي لا يقطع ولا يجز ( شوكها) إلا المؤذي كالعوسج واليابس كالحيوان المؤذي والصيد الميت ( ولا يعضد) بضم أوّله وفتح ثالثه المعجم أي لا يقطع ( شجرها ولا تلتقط) بالبناء للمفعول ( ساقطتها) أي ما سقط فيها بغفلة مالكه ( إلا لمنشد) أي معرف فليس لواجدها غير التعريف ولا يملكها هذا مذهبنا، ( فمن قتل) بضم أوّله وكسر ثانيه أي قتل له قتيل كما في الدّيات عند المصنف ( فهو بخير النظرين) أي أفضلهما، ولغير الكشميهني بخير بالتنوين وإسقاط النظرين.
وفي نسخة الصغاني فمن قتل له قتيل وصحح على قوله له قتيل، كذا قدر المحذوف هنا الحافظ ابن حجر كالخطابي، وتعقبه العيني بأنه يلزم منه حذف الفاعل.
وقال البرماوي: أي المستحق لديته بخير وهو معنى قول البدر الدماميني يمكن جعل الضمير من قوله فهو عائدًا إلى الولي المفهوم من السياق.
وقال العيني: التحقيق أن يقدر فيه مبتدأ محذوف وحذفه سائغ، والتقدير فمن أهله قتل فهو بخير النظرين فمن مبتدأ وأهله قتل جملة من المبتدأ والخبر وقعت صلة للموصول، وقوله: فهو مبتدأ وقوله بخير النظرين خبره، والجملة خبر المبتدأ الأوّل والضمير في قتل يرجع إلى الأهل المقدر.
وقوله: هو يرجع إلى من والباء في بخير النظرين متعلق بمحذوف تقديره فهو مرضي بخير النظرين أو عامل أو مأمور.

( إما أن يعقل وإما أن يقاد) أي يمكن ( أهل القتيل) من القتل يقال أقدت القاتل بالمقتول أي اقتصصته منه، فالنائب عن الفاعل ضمير يعود للمفعول أي يؤخذ له القود أو نحو ذلك، وبهذا يزول الإشكال إذ لولا التقدير كان المعنى وإما أن يقتل أهل القتيل وهو باطل، قال الدماميني: ولعل يقاد يمكن من القود وهو القتل.
أي: وإما أن يمكن أهل القتيل من القود فيستقيم المعنى والفعلان مبنيان للمفعول وهمزة إما التفصيلة مكسورة وأن المصدرية مفتوحة في الأربعة.
( فجاء رجل من أهل اليمن) هو أبو شاه بشين معجمة وهاء منوّنة كما في فتح الباري ( فقال: اكتب لي) أي الخطبة التي سمعتها منك ( يا رسول الله.
فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( اكتبوا لأبي فلان) أي لأبي شاه ( فقال رجل من قريش) هو العباس بن عبد المطلب قل يا رسول الله لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها ( إلا الإذْخر يا رسول الله) بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمتين وهو نبت معروف طيب الرائحة ويجوز فيه الرفع على البدل من السابق والنصب على الاستثناء لكونه واقعًا بعد النفي، ( فإنا نجعله في بيوتنا) للسقف فوق الخشب أو يخلط بالطين لئلا ينشق إذا بني به ( وقبورنا) نسدّ به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : بوحي في الحال أو قبل ذلك أنه إن طلب منه أحد استثناء شيء منه فاستثنه ( إلا الإذْخر) وللأصيلي إلا الإذْخر مرتين فتكون الثانية للتأكيد.
وفي فرع اليونينية هنا زيادة وهي ( قال أبو عبد الله) أي البخاري ( يقال يقاد بالقاف فقيل لأبي عبد الله أي شيء كتب له؟ فقال: كتب له هذه الخطبة) .
وليس هذا التفسير عند أبي ذر والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر.





[ قــ :11 ... غــ : 113 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ.
تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.


- وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني الإمام ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: حدّثنا عمرو) هو ابن دينار المكي الجمحي أحد الأئمة المجتهدين، المتوفى سنة ست وعشرين ومائة ( قال: أخبرني) بالإفراد ( وهب بن منبّه) بضم الميم وفتح النون وكسر الموحدة المشددة ابن كامل بن سيج بفتح السين المهملة، وقيل بكسرها وسكون المثناة التحتية في آخره جيم الصنعاني الأنباري الذماري بالمعجمة، المتوفى سنة أربع عشرة ومائة ( عن أخيه) همام بن منبّه المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة ( قال: سمعت أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه ( يقول) :
( ما من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد) بالرفع اسم ما النافية ( أكثر) بالنصب خبرها ( حديثًا) بالنصب على التمييز ( عنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( مني) وفي رواية أبي أكثر بالرفع صفة أحد كذا أعربه العيني والكرماني والزركشي، وتعقبه البدر الدماميني فقال قوله اسم ما يقتضي أنها عاملة وأحد الشروط متخلف وهو تأخير الخبر واغتفارهم لتقدّم الظرف دائمًا إنما هو إذا كان معمولاً للخبر لا خبرًا، وأما نصب أكثر فيحتمل أن يكون حالاً من الضمير المستكن في الظرف المتقدم على بحث فيه فتأمله.
قال: والذي يظهر أن ( ما) هذه مهملة غير عاملة عمل ليس، وأن أحد مبتدأ وأكثر صفته ومن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبره اهـ.

( إلا ما كان من عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص رضي الله عنهما ( فإنه كان يكتب و) أنا ( لا أكتب) أي لكن الذي كان من عبد الله بن عمرو وهو الكتابة لم يكن مني والخبر محذوف بقرينة ما في الكلام سواء لزم منه كونه أكثر حديثًا لما تقتضيه عادة الملازمة مع الكتابة أم لا.
ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً نظرًا إلى المعنى إذ حديثًا وقع تمييزًا، والتمييز كالمحكوم عليه فكأنه قال: ما أحد حديثه أكثر من حديثي إلا أحاديث حصلت من عبد الله، ويفهم منه جزم أبي هريرة رضي الله عنه بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثًا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه إلا عبد الله بن عمرو مع أن الموجود عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المرويّ عن أبي هريرة بأضعاف لأنه سكن مصر، وكان الواردون إليها قليلاً بخلاف أبي هريرة فإنه استوطن المدينة وهي مقصد المسلمين من كل جهة، وروى عنه فيما قاله المؤلف نحو من ثمانمائة رجل، ورُوِيَ عنه من الحديث خمسة آلاف وثلاثمائة حديث ووجد لعبد الله سبعمائة حديث ( تابعه) أي تابع وهب بن منبّه في روايته لهذا الحديث عن همام ( معمر) هو ابن راشد ( عن همام عن أبي هريرة) كما أخرجها عبد الرزاق عن معمر.




[ قــ :113 ... غــ : 114 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ قَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا.
فَاخْتَلَفُوا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ.
قَالَ: قُومُوا عَنِّي، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ.
فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيئةَ كُلَّ الرَّزِيئةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ كِتَابِهِ.
[الحديث 114 - أطرافه في: 3053، 3168، 4431، 443، 5669، 7366] .

وبه قال ( حدّثنا يحيى بن سليمان) بن يحيى الجعفي المكّي المتوفى بمصر سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ابن وهب) عبد الله المصري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بن عتبة أحد الفقهاء السبعة ( عن ابن عباس) رضي الله عنهما ( قال) :

( لما اشتد) أي حين قوي ( بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه) الذي توفي فيه يوم الخميس قبل موته بأربعة أيام ( قال: ائتوني بكتاب) أي بأدوات الكتاب كالدواة والقلم أو أراد بالكتاب ما من شأنه أن يكتب فيه كالكاغد وعظم الكتف كما صرح به في رواية مسلم ( كتب لكم) بالجزم جوابًا للأمر ويجوز الرفع على الاستئناف أي آمر من يكتب لكم ( كتابًا) فيه النص على الأئمة بعدي أو أبين فيه مهمات الأحكام ( لا تضلوا بعده) بالنصب على الظرفية، وتضلوا بفتح أوّله وكسر ثانيه مجزوم بحذف النون بدلاً من جواب الأمر.
( قال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه لمن حضره من الصحابة: ( إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلبه الوجع و) الحال ( عندنا كتاب الله) هو ( حسبنا) أي كافينا، فلا نكلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يشق عليه في هذه الحالة من إملاء الكتاب ولم يكن الأمر في ائتوني للوجوب، وإنما هو من باب الإرشاد للأصلح للقرينة الصارفة للأمر عن الإيجاب إلى الندب، وإلا فما كان يسوغ لعمر رضي الله عنه الاعتراض على أمر الرسول عليه الصلاة والسلام على أنّ في تركه عليه الصلاة والسلام الإنكار على عمر رضي الله عنه دليلاً على استصوابه، فكان توقف عمر صوابًا، لا سيما والقرآن فيه تبيان لكل شيء، ومن ثم قال عمر: حسبنا كتاب ( فاختلفوا) أي الصحابة عند ذلك فقالت طائفة: بل نكتب لما فيه من امتثال أمره وزيادة الإيضاح، ( وكثر) بضم المثلثة ( اللغط) بتحريك اللام والغين المعجمة أي الصوت والجلبة بسبب ذلك، فلما رأى ذلك عليه الصلاة والسلام ( قال) وفي رواية فقال بفاء العطف وفي أخرى وقال بواوه ( قوموا عني) أي عن جهتي ( ولا ينبغي عندي التنازع) بالضم فاعل ينبغي، ( فخرج ابن عباس) من المكان الذي كان به عندما تحدث بهذا الحديث وهو ( يقول: إن الرزيئة) بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ساكنة ثم همزة وقد تسهل وتشدد الياء ( كل الرزيئة) بالنصب على التوكيد ( ما حال) أي الذي حجز ( بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين كتابه) وقد كان عمر أفقه من ابن عباس حيث اكتفى بالقرآن على أنه يحتمل أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ظهر له حين همّ بالكتاب أنه مصلحة، ثم ظهر له أو أُوحي إليه بعد أنّ المصلحة في تركه ولو كان واجبًا لم يتركه عليه

الصلاة والسلام لاختلافهم لأنه لم يترك التكليف لمخالفة من خالف، وقد عاش بعد ذلك أيامًا ولم يعاود أمرهم بذلك.
ويستفاد من هذا الحديث جواز كتابة الحديث الذي عقد المؤلف الباب له، وكذا من حديث علي وقصة أبي شاه الإذن فيها، لكن يعارض ذلك حديث أبي سعيد الخدري المروي في مسلم مرفوعًا "لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن" وأجيب: بأن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، والإذن في غير ذلك أو الإذن ناسخ للنهي عند الأمن من الالتباس، أو النهي خاص بمن خشي منه الاتّكال على الكتاب دون الحفظ والإذن لمن أمن منه ذلك.
وقد كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظًا كما أخذوا حفظًا، لكن لما قصرت الهمم وخشي الأئمة ضياع العلم دوّنوه وأوّل من دوّن الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف وحصل بذلك خير كثير ولله الحمد والمنّة.