فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان

باب أَجْوَدُ مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَكُونُ فِي رَمَضَانَ
هذا ( باب) بالتنوين ( أجود ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكون في رمضان) .

قال ابن الحاجب في أمالي المسائل المتفرقة: الرفع في أجود هو الوجه لأنك إن جعلت في كان ضميرًا يعود إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن أجود بمجرده خبرًا لأنه مضاف إلى ما يكون فهو كون ولا يستقيم الخبر بالكون عما ليس بكون.
ألا ترى إنك لا تقول زيد أجود ما يكون فيجب أن يكون إما مبتدأ خبره قوله في رمضان من باب قولهم أخطب ما يكون الأمير قائمًا وأكثر شربي السويق في يوم الجمعة فيكون الخبر الجملة بكمالها كقولك كان زيد أحسن ما يكون في يوم الجمعة، وإما بدلاً من الضمير في كان فيكون من بدل الاشتمال كما تقول كان زيد علمه حسنًا، وإن جعلته ضمير الشأن تعين رفع أجود على الابتداء والخبر وإن لم تجعل في كان ضميرًا تعين الرفع على أنه اسمها والخبر محذوف وقامت الحال مقامه على ما تقرر في باب أخطب ما يكون الأمير قائمًا وإن شئت جعلت في رمضان هو الخبر كقولهم: ضربي في الدار لأن المعنى الكون الذي هو أجود الأكوان حاصل في هذا الوقت فلا يتعين أن يكون من باب أخطب ما يكون الأمير قائمًا اهـ.


[ قــ :1818 ... غــ : 1902 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".

وبالسند قال ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني نزيل بغداد قال: ( أخبرنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بضم عين الأول مصغرًا والثالث مع سكون الفوقية ابن مسعود الهذلي المدني ( أن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال) :
( كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس) ، أسخاهم ( بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان) لأنه شهر يتضاعف فيه ثواب الصدقة وما مصدرية أي أجود أكوانه يكون في رمضان ( حين يلقاه جبريل) عليه الصلاة والسلام وهو أفضل الملائكة وأكرمهم ( وكان جبريل عليه الصلاة والسلام يلقاه كل ليلة) ولابن عساكر: في كل ليلة ( في رمضان) منذ أنزل عليه أو من فترة الوحي إلى آخر رمضان الذي توفي بعده رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حتى ينسلخ.
يعرض عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن)
بعضه أو معظمه ( فإذا لقيه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( جبريل عليه الصلاة والسلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة) يحتمل أن يكون زيادة الجود بمجرد لقاء جبريل ومجالسته، ويحتمل أن يكون بمدارسته إياه القرآن وهو يحث على مكارم

الأخلاق، وقد كان القرآن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلقًا بحيث يرضى لرضاه ويسخط لسخطه ويسارع إلى ما حث عليه ويمتنع مما زجر عنه، فلهذا كان يتضاعف جوده وإفضاله في هذا الشهر لقرب عهده بمخالطة جبريل وكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم ولا شك أن المخالطة تؤثر وتورث أخلاقًا من المخالط، لكن إضافة آثار ذلك إلى القرآن كما قال ابن المنير آكد من إضافتها إلى جبريل عليه الصلاة والسلام بل جبريل إنما تميز بنزوله بالوحي فالإضافة إلى الحق أولى من الإضافة إلى الخلق لا سيما والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المذهب الحق أفضل من جبريل فما جالس الأفضل إلا المفضول فلا يقاس على مجالسة الآحاد للعلماء.

وفي هذا الحديث تعظيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن ثم معارضة ما نزل منه فيه وأن ليله أفضل من نهاره وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض، وأن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة وأن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير واستحباب تكثير العبادة في أواخر العمر.

وهذا الحديث قد سبق في كتاب الوحي.