فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من لم يدع قول الزور، والعمل به في الصوم

باب مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فِي الصَّوْمِ
( باب من لم يدع قول الزور) أي من لم يترك الكذب والميل عن الحق ( والعمل به) أي بمقتضاه مما نهى الله عنه ( في الصوم) كذا في الفرع زيادة في الصوم، ونسبها الحافظ ابن حجر لنسخة الصغاني.


[ قــ :1819 ... غــ : 1903 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».
[الحديث 1903 - طرفه في: 6057] .

وبالسند قال ( حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني الخراساني الأصل قال ( حدّثنا ابن أبى ذئب) محمد بن عبد الرحمن قال: ( حدّثنا سعيد المقبري عن أبيه) كيسان الليثي ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر: قال النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( من لم يدع) من لم يترك ( قول الزور والعمل به) زاد المؤلّف في الأدب عن أحمد بن يونس عن أبي ذئب والجهل، وفي رواية ابن وهب والجهل في الصوم، ولابن ماجة من طريق ابن المبارك: من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به.
فالضمير في به يعود على الجهل لكونه أقرب مذكور أو على الزور فقط وإن بعد لاتفاق الروايات عليه أو عليهما وإفراد الضمير لاشتراكهما في تنقيص الصوم قاله العراقي، وفي الأولى يعود على الزور فقط والمعنى متقارب، وفي الأوسط للطبراني بسند رجاله ثقات: من لم يدع الخنا والكذب، والجمهور على أن الكذب والغيبة والنميمة لا تفسد الصوم، وعن

الثوري مما في الإحياء أن الغيبة تفسده قال: وروى ليث عن مجاهد خصلتان تفسدان الصوم الغيبة والكذب هذا لفظه، والمعروف عن مجاهد خصلتان من حفظهما سلم له صومه الغيبة والكذب رواه ابن أبي شيبة والصواب الأول.
نعم هذه الأفعال تنقص الصوم.
وقول بعضهم أنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر.

أجاب عنه الشيخ تقي الدين السبكي بأن في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية لذلك لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهي عنه مطلقًا والصوم مأمور به مطلقًا فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة به معنى نفهمه فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين: أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيره، والثاني الحث على سلامة الصوم عنها وأن سلامته منها صفة كمال فيه وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلامة عنها فإذا لم يسلم عنها نقص، ثم قال: ولا شك أن التكاليف قد ترد بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات لأنه يشترط له النية بالإجماع ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله وأمر بالإمساك عن المفطرات ونبه العاقل بذلك على الإمساك عن المخالفات وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده فيكون اجتناب المفطرات واجبًا واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات نقله في فتح الباري.

( فليس لله حاجة في أن يدع) يترك ( طعامه وشرابه) هو مجاز عن عدم الالتفات والقبول فنفى السبب وأراد المسبب وإلا فالله لا يحتاج إلى شيء قاله البيضاوي مما نقله الطيبي في شرح المشكاة، وقول ابن بطال وغيره معناه ليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة فيه إشكال لأنه لو لم يرد الله تركه لطعامه وشرابه لم يقع الترك ضرورة أن كل واقع تعلقت الإرادة بوقوعه ولولا ذلك لم يقع، وليس المراد الأمر بترك صيامه إذا لم يترك الزور وإنما معناه التحذير من قول الزور فهو كقوله عليه الصلاة والسلام "من باع الخمر فليشقص الخنازير" أي يذبحها ولم يأمره بشقصها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم شارب الخمر، وكذلك حذر الصائم من قول الزور والعمل به ليتم له أجر صيامه.

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأدب وأبو داود، وأخرجه الترمذي في الصوم وكذا النسائي وابن ماجة.