فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا نوى بالنهار صوما

باب إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا
.

     وَقَالَتْ  أُمُّ الدَّرْدَاءِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا لاَ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا.

وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةُ - رضي الله عنهم-.

هذا ( باب) بالتنوين ( إذا نوى) الإنسان ( بالنهار صومًا) فرضًا أو نفلاً هل يصح أو لا ( وقالت أم الدرداء) : خيرة مما وصله ابن أبي شيبة ( كان أبو الدرداء) عويمر الأنصاري ( يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا لا، قال: فإني صائم يومي هذا وفعله) أي ما فعل أبو الدرداء ( أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري مما وصله عبد الرزاق ( و) كذا فعله ( أبو هريرة) مما وصله البيهقي ( و) كذا ( ابن عباس) مما وصله الطحاوي ( و) كذا ( حذيفة -رضي الله عنهم-) مما وصله عبد الرزاق وهذا كله في النفل قبل الزوال ويدل له قوله في أثر أم الدرداء عند ابن أبي شيبة كان أبو الدرداء يغدو أحيانًا فيسأل الغداء، وفي أثر أبي طلحة عند عبد الرزاق كان يأتي أهله فيقول هل من غداء، وقول ابن عباس لقد أصبحت وما أريد الصوم وما أكلت من طعام ولا شراب ولأصومن يومي هذا إذ الغداء بفتح الغين اسم لما يؤكل قبل الزوال وهذا مذهب الشافعية، واستدل له أيضًا بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لعائشة يومًا: "هل عندكم من غداء؟ " قالت: لا.
قال: "فإني أصوم" رواه الدارقطني وصحح إسناده ويحكم بالصوم في ذلك من أول النهار فيثاب على جميعه.

وفي أثر حذيفة عند عبد الرزاق أنه قال: من بدا له الصيام بعدما تزول الشمس فليصم، وإليه ذهب جماعة سواء كان قبل الزوال أو بعده وهو مذهب الحنابلة.
وعبارة المرداوي في تنقيحه: ويصح صوم نفل بنية من النهار مطلقًا نصًّا ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية نصًّا.
وقال مالك: لا يصوم في النافلة إلا أن يبيت لقوله عليه الصلاة والسلام "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" ولحديث "الأعمال بالنيات" فالإمساك أول النهار عمل بلا نيّة وقياسًا على الصلاة إذ نفلها وفرضها في النية سواء.


[ قــ :1841 ... غــ : 1924 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلاً يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: أَنْ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلاَ يَأْكُلْ".
[الحديث 1924 - طرفاه في: 2007، 7265] .

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل ( عن يزيد بن أبي عبيد) يزيد من الزيادة وعبيد مصغرًا مولى سلمة بن الأكوع ( عن سلمة بن الأكوع) واسم الأكوع سنان بن عبد الله ( -رضي الله عنه-) ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث رجلاً) هو هند بن أسماء بن حارثة الأسلمي كما عند أحمد وابن أبي خيثمة ( ينادي في الناس يوم عاشوراء، أن) بفتح الهمزة وفي اليونينية بسكون النون مع فتح

الهمزة ولأبي ذر أن بكسرها مع تشديد النون ( من أكل فليتم) بسكون اللام ويجوز كسرها بلفظ الأمر للغائب والميم مفتوحة تخفيفًا أي ليمسك بقية يومه حرمة للوقت كما يمسك لو أصبح يوم الشك مفطرًا ثم ثبت أنه من رمضان - ( أو) قال ( فليصم) ، شك من الراوي ( ومن لم يأكل فلا يأكل) .

واستدلّ به أبو حنيفة على أن الفرض يجوز بنية من النهار لأن صوم عاشوراء كان فرضًا، وردّ بأنه إمساك لا صوم وبأن عاشوراء لم يكن فرضًا عند الجمهور وبأنه ليس منه أنه لا قضاء عليهم بل في أبي داود أنهم أتموا بقية اليوم وقضوه.

واستدلّ الجمهور لاشتراط النية في صوم الفرض من الليل بحديث حفصة عند أصحاب السنن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له" وهذا لفظ النسائي، ولأبي داود والترمذي: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له، واختلف في رفعه ووقفه، ورجح الترمذي والنسائي الموقوف وعمل بظاهر الإسناد جماعة فصححوا الحديث المذكور منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وروى له الدارقطني طريقًا أخرى وقال: رجالها ثقات وظاهره العموم في الصوم نفلاً أو فرضًا وهو محمول على الفرض بقرينة حديث عائشة السابق وهو قوله عليه الصلاة والسلام لها يومًا: هل عندكم من غداء؟ قالت: لا.
قال: فإني إذن أصوم.
قالت: وقال لي يومًا آخر: أعندكم شيء قلت: نعم.
قال: إذن أفطر وإن كنت فرضت الصوم رواه الدارقطني وصحح إسناده فلا تجزئ النية مع طلوع الفجر لظاهر الحديث ولا تختص بالنصف الأخير من الليل لإطلاقه ولو شك في تقدمها الفجر لم يصح صومه لأن الأصل عدم التقدم ولا بد من التبييت لكل يوم لظاهر الحديث ولأن صوم كل يوم عبادة لتخلل اليومين ما يناقض الصوم كالصلاتين يتخللهما السلام.

وقال المالكية: المشهور الاكتفاء بنية واحدة في أوّل ليلة من رمضان لجميعه في حق الحاضر الصحيح وأما المسافر والمريض فلا بدّ لكل منهما من التبييت في كل ليلة ولا بد عند الشافعية من كونها جازمة معينة كالصلاة بخلاف الحنفية فلم يشترطوا التعيين.

وهذا الحديث من الثلاثيات، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصيام وفي خبر الواحد ومسلم والنسائي في الصوم

باب الصَّائِمِ يُصْبِحُ جُنُبًا
( باب الصائم) حال كونه ( يصبح جنبًا) هل يصح صومه أم لا.

195، 196 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: "كُنْتُ أَنَا وَأَبِي حِينَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ح.


[ قــ :1841 ... غــ : 196 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ.
.

     وَقَالَ  مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ -وَكَانَتْ لأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ- فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا، وَلَوْلاَ مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَىَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ.
فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَهُنَّ أَعْلَمُ"،.

     وَقَالَ  هَمَّامٌ وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ" وَالأَوَّلُ أَسْنَدُ.
[الحديث 195 - طرفاه في: 1930، 1931] .
[الحديث 196 - طرفه في: 193] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) الإمام ( عن سمي) بضم السين وفتح الميم وتشديد التحتية ( مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام بن المغيرة) القرشي ( أنه سمع) مولاه ( أبا بكر بن عبد الرحمن) راهب قريش ( قال: كنت أنا وأبي) عبد الرحمن بن الحرث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم القرشي المخزومي ابن عم عكرمة بن أبي جهل بن هشام ( حين) ولأبي ذر: حتى ( دخلنا على عائشة وأم سلمة) هند بنت أبي أمية ( ح) للتحويل.

( حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا ( أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب،) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن قصي الأموي القرشي ولد بعد الهجرة بسنتين ولم يصح له سماع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولي الخلافة تسعة أشهر وتوفي في رمضان سنة خمس وستين ( أن عائشة وأم سلمة أخبرتاه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدركه الفجر وهو) أي والحال أنه ( جنب من) جماع ( أهله) ، وفي رواية يونس عن ابن شهاب عن عروة وأبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: كان يدركه الفجر في رمضان من غير حلم، وللنسائي عنها من غير احتلام وفي لفظ له: كان يصبح جنبًا مني ( ثم يغتسل ويصوم) .
بيانًا للجواز، وإلاّ فالأفضل الغسل قبل الفجر والاحتلام يطلق على الإنزال وقد يقع الإنزال من غير رؤية شيء في المنام وأرادت بالتقييد بالجماع من غير احتلام المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدًا مفطر.

( وقال) ولابن عساكر فقال ( مروان) بن الحكم ( لعبد الرحمن بن الحارث أقسم بالله لتقرعن) بفتح القاف وتشديد الراء من التقريع وهو التعنيف ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لتفزعن بالفاء الساكنة والزاي المكسورة من الإفزاع أي لتخوفن ( بها) أبي بالمقالة المذكورة ( أبا هريرة) ، وذلك لأن

أبا هريرة كان يرى أن من أصبح جنبًا من جماع لا يصح صومه لحديث الفضل بن عباس في مسلم، وحديث أسامة في النسائي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أدركه الفجر جنبًا فلا يصم، وفي النسائي عن أبي هريرة أنه قال: لا ورب هذا البيت ما أنا قلت من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصوم محمد ورب الكعبة قاله ( ومروان يومئذٍ) حاكم ( على المدينة) ، من قبل معاوية بن أبي سفيان ( فقال أبو بكر: فكره ذلك) أي فعل ما قاله مروان من تقريع أبي هريرة وتعنيفه مما كان يراه أبي ( عبد الرحمن.
ثم)
بعد ذلك ( قدّرنا أن نجتمع) بأبي هريرة ( بذي الحليفة) .
ميقات أهل المدينة ( وكانت لأبي هريرة هنالك أرض فقال عبد الرحمن لأبي هريرة: إني ذاكر لك أمرًا) ، وللكشميهني كما قاله الحافظ ابن حجر: إني أذكر بصيغة المضارع ( ولولا مروان أقسم عليّ فيه لم أذكره لك) .
وللكشميهني كما في الفتح: لم أذكر ذلك ( فذكر) عبد الرحمن له ( قول عائشة وأم سلمة) وفي رواية معمر عن ابن شهاب فتلوّن وجه أبي هريرة ( فقال: كذلك) أي الذي رأيته من كون من أدركه الفجر جنبًا لا يصوم ( حدثني) بالإفراد ( الفضل بن عباس وهو أعلم) .
بما روى والعهدة في ذلك عليه لا عليّ.

وفي رواية النسفيّ عن البخاري كما قاله الحافظ ابن حجر وهن أعلم أي أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكذا في رواية معمر، وفي رواية ابن جريج فقال أبو هريرة: أهما قالتاه؟ قال: نعم.
قال: هما أعلم، وهذا يرجح رواية النسفيّ.
وزاد ابن جريج في روايته فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك وترك حديث الفضل وأسامة ورآه منسوخًا وفي قوله تعالى: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] دلالة وإشارة إليه وحديث عائشة وأم سلمة يرجح على غيرهما لأنهما ترويان ذلك عن مشاهدة بخلاف غيرهما.

وفي هذا الحديث أربعة من التابعين أبو بكر وأبوه والزهري ومروان.

( وقال همام) هو ابن منبه مما وصله أحمد وابن حبان ( وابن عبد الله بن عمر) قيل هو سالم، وقيل عبد الله، وقيل عبيد الله بالتكبير والتصغير مما وصله عبد الرزاق ( عن أبي هريرة) ( كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمر بالفطر) ولابن عساكر: يأمرنا بالفطر.
قال المؤلّف ( والأول) أي حديث عائشة وأم سلمة ( أسند) أي أظهر اتصالاً.
وقال في الفتح يقوى إسنادًا من حيث الرجحان لأنه جاء عنهما من طرق كثيرة جدًّا بمعنى واحد حتى قال ابن عبد البر أنه صح وتواتر، وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي به ولم يسمع ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما سمعه عنه بواسطة الفضل وأسامة، وأما حلفه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله، كما مرّ فكأنه لشدة وثوقه بخبرهما يحلف على ذلك وقد رجع عن ذلك.