فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا جامع في رمضان

باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ "مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَلاَ مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ

الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ".
وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ.
.

     وَقَالَ  سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ: يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ.

هذا ( باب) بالتنوين ( إذا جامع) الصائم ( في) نهار شهر ( رمضان) عامدًا وجبت عليه الكفارة ( ويذكر) مبنيًا للمفعول ( عن أبي هريرة) حال كونه ( رفعه) أي الحديث الآتي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ( من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر) ولأبي ذر من غير علة ( ولا مرض لم يقضه صيام الدهر) .
قال المظهري: يعني لم يجد فضيلة الصوم المفروض بصوم النافلة وليس معناه أن صيام الدهر بنية قضاء يوم من رمضان لا يسقط عنه قضاء ذلك اليوم بل يجزئه قضاء يوم بدلاً عن يوم، وقال شارح المشكاة: هو من باب التشديد والمبالغة ولذلك أكده بقوله؛ ( وإن صامه) حق الصيام ولم يقصر فيه وبذل جهده وزاد في المبالغة حيث أسند القضاء إلى الصوم إسنادًا مجازيًا، وأضاف الصوم إلى الدهر إجراء للظروف مجرى المفعول به إذ الأصل لم يقض هو في الدهر كله إذا صامه.
وقال ابن المنير: يعني أن القضاء لا يقوم مقام الإداء، ولو صام عوض اليوم دهرًا، ويقال بموجبه فإن الإثم لا يسقط بالقضاء ولا سبيل إلى اشتراك القضاء والأداء في كمال الفضيلة فقوله: لم يقضه صيام الدهر أي في وصفه الخاص به وهو الكمال وإن كان يقضي عنه في وصفه العام المنحط عن كمال الأداء هذا هو اللائق بمعنى الحديث ولا يحمل على نفي القضاء بالكلية ولا تعهد عبادة واجبة مؤقتة لا تقبل القضاء إلا الجمعة لأنها لا تجتمع بشروطها إلا في يومها وقد فات أو في مثله وقد اشتغلت الذمة بالحاضرة فلا تسع الماضية اهـ.

قال في فتح الباري: ولا يخفى تكلفه وسياق أثر ابن مسعود الآتي إن شاء الله تعالى يردّ هذا التأويل، وهذا الحديث قد وصله أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن خزيمة من طريق سفيان الثوري وشعبة كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوّس بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الواو المفتوحة عن أبيه عن أبي هريرة نحوه.
قال الترمذي: سألت محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال أبو المطوّس: اسمه يزيد بن المطوّس لا أعرف له غير هذا الحديث، وقال في التاريخ أيضًا تفرد أبو المطوّس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا اهـ.

واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافًا كثيرًا فحصلت فيه ثلاث علل الاضطراب والجهل بحال أبي المطوّس والشك في سماع أبيه من أبي هريرة ( وبه) أي بما دل عليه حديث أبي هريرة ( قال ابن مسعود) -رضي الله عنه- مما وصله البيهقي من طريق المغيرة بن عبد الله اليشكري قال: حدثت أن عبد الله بن مسعود قال من أفطر يومًا من رمضان من غير علة لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله فإن شاء غفر له وإن شاء عذبه وذكر ابن حزم من طريق ابن المبارك بإسناد له فيه انقطاع أن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب فيما أوصاه به من صام شهر رمضان من غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع ( وقال سعيد بن المسيب) التابعي فيما وصله مسدد وغيره عنه في قصة

المجامع ( والشعبي) عامر بن شراحيل مما وصله ابن أبي شيبة ( وابن جبير) سعيد مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا ( وإبراهيم) النخعي مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا ( وقتادة) بن دعامة مما وصله عبد الرزاق ( وحماد) : هو ابن أبي سليمان مما وصله عبد الرزاق عن أبي حنيفة عنه ( يفضي يومًا مكانه) .


[ قــ :1852 ... غــ : 1935 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: "إِنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ إِنَّهُ احْتَرَقَ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ.
فَأُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِكْتَلٍ يُدْعَى الْعَرَقَ.
فَقَالَ: أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ؟ قَالَ: أَنَا.
قَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا".
[الحديث 1935 - طرفه في: 6822] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون الزاهد أنه ( سمع يزيد بن هارون) من الزيادة أبا خالد يقول ( حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا ( يحيى هو ابن سعيد) أي الأنصاري ( أن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ( أخبره عن محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام بن خويلد عن عباد بن عبد الله بن الزبير) أنه ( أخبره أنه سمع عائشة -رضي الله عنها- تقول: أن رجلاً أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قيل الرجل هو سلمة بن صخر رواه ابن أبي شيبة وابن الجارود وبه جزم عبد الغني وانتقد بأن ذلك هو المظاهر في رمضان أتى أهله في الليل رأى خلخالاً لها في القمر وفي تمهيد ابن عبد البر عن ابن المسيب أن المجامع في رمضان سلمان بن صخر أحد بني بياضة قال: وأظنه وهمًا أتى من الرواة أي لأن ذلك إنما هو في المظاهر وأما المجامع فأعرابي فهما واقعتان فإن في قصة المجامع في حديث الباب أنه كان صائمًا وفي قصة سلمة بن صخر أن ذلك كان ليلاً كما عند الترمذي فافترقا واجتماعهما في كونهما من بني بياضة وفي صفة الكفارة وكونها مرتبة وفي كون كل منهما كان لا يقدر على شيء من خصالها كما سيأتي إن شاء الله تعالى لا يقتضي اتحاد القصتين ( فقال) : أي الرجل له عليه الصلاة والسلام ( إنه احترق) ، أطلق على نفسه أنه احترق لاعتقاده أن مرتكب الإثم يعذب بالنار فهو مجاز عن العصيان أو المراد أنه يحترق يوم القيامة فجعل المتوقع كالواقع وعبر عنه بالماضي ورواية الاحتراق هذه تفسر رواية الهلاك الآتية إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق وفي رواية البيهقي جاء رجل وهو ينتف شعره ويدق صدره ويقول هلك الأبعد ( قال) : له عليه الصلاة والسلام ( ما لك) : بفثح اللام أي ما شأنك ( قال: أصبت أهلي) أي جامعت زوجتي ( في رمضان) .
ولابن عساكر في نهار رمضان ( فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر التاء مبنيًا للمفعول ( بمكتل) بكسر الميم وفتح المثناة الفوقية شبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعًا ( يدعى العرق) ، بفتح الراء وقد تسكن وهو ما نسخ من الخوض فيه تمر ( فقال) : عليه الصلاة والسلام ( أين المحترق) ؟ أثبت له عليه الصلاة والسلام وصف الاحتراق إشارة إلى أنه لو أصر
على ذلك لاستحق ذلك ( قال) : الرجل ( أنا.
قال:)
عليه الصلاة والسلام ( تصدّق بهذا) المكتل على ستين مسكينًا كما في باقي الروايات لكل مسكين مدّ وهو ربع صاع وهذا إنما هو بعد العجز عن العتق وصيام الشهرين فقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن الحرث عن محمد بن جعفر بن الزبير بهذا الإسناد ولفظه كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالسًا في ظل فارع بالفاء والمهملة فجاءه رجل من بني بياضة فقال: احترقت وقعت بأمرأتي في رمضان فقال: أعتق رقبة قال لا أجدها قال أطعم ستين مسكينًا قال ليس عندي الحديث أخرجه أبو داود ووقع هنا مختصرًا وفيه وجوب الكفارة على المجامع عمدًا لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال أين المحترق وقد خرج بالعمد من جامع ناسيًا أو مكرهًا أو جاهلاً وبقوله في رمضان غيره كقضاء ونذر وتطوّع لورود النص في رمضان وهو مختص بفضائل لا يشاركه فيها غيره وبالجماع غيره كالاستمناء والأكل لورود النص في الجماع، وهو أغلظ من غيره، وأوجب بعض المالكية والحنابلة الكفارة على الناسي متمسكين بترك استفساره عليه الصلاة والسلام عن جماعه هل كان عن عمد أو عن نسيان وتركه الاستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم في المقال.

وأجيب: بأنه قد تبين الحال من قوله احترقت وهلكت فدلّ على أنه كان عامدًا عالمًا بالتحريم، واستدلّ أيضًا بحديث الباب لمالك حيث جزم في كفارة الجماع في رمضان بالإطعام دون غيره ولا حجة فيه لأن الحديث مختصر من المطوّل والقصة واحدة وقد حفظها أبو هريرة وقصها على وجهها وأوردها بعض الرواة مختصرة عن عائشة، وقد رواها عبد الرحمن بن الحرث بتمامها كما تقدم ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.

وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والسماع وأربعة من التابعين يحيى وعبد الرحمن ومحمد بن جعفر وعباد، وأخرجه أيضًا في المحاربين ومسلم في الصوم وكذا أبو داود والنسائي.