فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الصوم في السفر والإفطار

باب الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِفْطَارِ
( باب) حكم ( الصوم في السفر و) حكم ( الإفطار) فيه.


[ قــ :1858 ... غــ : 1941 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَقَالَ لِرَجُلٍ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هَا هُنَا ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ".

تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ".
[الحديث 1941 - أطرافه في: 1955، 1956، 1958، 5297] .

وبالسند قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن أبي إسحاق) سلمان بن أبي سليمان فيروز ( الشيباني) أنه ( سمع ابن أبي أوفى) عبد الله ( -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولابن عساكر مع النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي وهو صائم ( في سفر) ، في شهر رمضان كما في مسلم في غزوة الفتح لا في بدر لأن ابن أبي أوفى لم يشهدها ( فقال لرجل) : هو بلال كما في رواية أبي داود وابن بشكوال، ولمسلم فلما غابت الشمس وللبخاري فلما غربت الشمس قال: ( أنزل فاجدح لي) ، بهمزة وصل بعد الفاء وسكون الجيم وفتح الدال وبعدها حاء مهملتين أمر من الجدح وهو الخلط أي اخلط السويق بالماء أو اللبن بالماء وحركه لأفطر عليه وقول الداودي أن معناه أحلب ردّه عياض ( قال) : بلال ( يا رسول الله الشمس) ، باقية أي نورها أو الشمس رفع خبر مبتدأ محذوف أي هذه الشمس، ولغير أبي ذر: الشمس بالنصب أي انظر الشمس ظن أن بقاء النور وإن غاب القرص مانع من الإفطار ( قال) عليه الصلاة والسلام.

( أنزل فاجدح لي) ، لأفطر قال بلال ( يا رسول الله الشمس) بالرفع والنصب ( قال) : عليه الصلاة والسلام ( انزل فاجدح لي) ( فنزل فجدح له) عليه الصلاة والسلام ( فشرب) ، وكرر انزل فاجدح لي ثلاث مرات وتكرير المراجعة من بلال للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لغلبة اعتقاده أن ذلك نهار يحرم فيه الأكل مع تجويزه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرًا تامًّا، فقصد زيادة الإعلام فأجابه عليه الصلاة والسلام بأن ذلك لا يضر وأعرض عن الضوء واعتبر غيبوبة الجرم ثم بين ما يعتبره من لم يتمكن من رؤية جرم الشمس كما حكاه الراوي عنه بقوله:
( ثم رمى) أي أشار عليه الصلاة والسلام ( بيده هاهنا) أي إلى الشرق وإنما أشار إليه لأن أول الظلمة لا تقبل منه إلا وقد سقط القرص ( ثم قال) : عليه الصلاة والسلام: ( إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا) أي من جهة المشرق ( فقد أفطر الصائم) أي دخل وقت إفطاره.

واستنبط من هذا الحديث أن صوم رمضان في السفر أفضل من الإفطار لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان صائمًا في شهر رمضان في السفر ولقوله تعالى: { وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 184] ولبراءة الذمة وفضيلة الوقت، وفارق ذلك أفضلية القصر في السفر بأن في القصر براءة الذمة

ومحافظة على فضيلة الوقت بخلاف الفطر وبأن فيه خروجًا من الخلاف وليس هنا خلاف يعتدّ به في إيجاب الفطر فكان الصوم أفضل.
نعم إن خاف من الصوم ضررًا في الحال أو الاستقبال فالفطر أفضل، وعليه يحمل الحديث الآتي إن شاء الله تعالى بعد باب بلفظ: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر فرأى زحامًا ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم.
فقال: ليس من البر الصوم في السفر.

وقال المالكية يجوز الفطر في سفر القصر إذا شرع في السفر قبل الفجر ولم ينو الصيام في السفر وقد خرج بقولهم شرع فيه قبل الفجر ما إذا سافر بعده فإن فطره ذلك اليوم لا يجوز عندهم إذا نوى الصوم قبل خروجه وبقولهم: ولم ينو الصيام في السفر ما إذا نوى الصوم في السفر فإن فطره لا يجوز فإن خالف في الوجهين فأفطر لزمه القضاء، ولو كان صومه تطوّعًا ولا كفارة عليه في المسالة الأولى بخلاف الثانية.

وقال الحنابلة: يستحب له الفطر.
قال المرداوي: وهذا هو المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه وهو من المفردات سواء وجد مشقة أم لا.
وفي وجه إن الصوم أفضل.

وهذا الحديث من الرباعيات وأخرجه أيضًا في الصوم والطلاق ومسلم في الصوم وكذا أبو داود والنسائي.

( تابعه) أي تابع سفيان بن عيينة في أصل الحديث ( جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد مما وصله في الطلاق ( و) تابعه أيضًا ( أبو بكر بن عياش) بالشين المعجمة ابن سالم الأسدي الكوفي المقري مما وصله في تعجيل الإفطار كلاهما ( عن الشيباني) أي أبي إسحاق المذكور ( عن ابن أبي أوفى قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع في سفر) .




[ قــ :1859 ... غــ : 194 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ".
[الحديث 194 - طرفه في: 1943] .

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن هشام قال: حدثني) بالإفراد ( أبي) عروة بن الزبير بن العوام ( عن عائشة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- ( أن حمزة بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ( الأسلمي قال: يا رسول الله إني أسرد الصوم) أي أتابعه ففيه أن صوم الدهر لا يكره لمن لا يتضرر به، وإنما أنكر على عبد الله بن عمرو بن العاص صوم الدهر لعلمه أنه سيضعف عن ذلك بخلاف حمزة هذا فإنه وجد فيه القوة.

ومطابقته للترجمة من حيث إن سرد الصوم يتناول الصوم في السفر أيضًا كما هو الأصل في الحضر، وقد أخرج الحديث من طريقين هذه والتالية لها.





[ قــ :1860 ... غــ : 1943 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ -وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ- فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن حمزة بن عمرو الأسلمي) -رضي الله عنه- ( قال للنبي: -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أأصوم في السفر) ؟ بهمزتين الأولى همزة الاستفهام والأخرى همزة المتكلم ( وكان) حمزة ( -كثير الصيام- فقال) : عليه الصلاة والسلام له:
( إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر) بهمزة قطع وعند مسلم من رواية أبي مراوح أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه، وهذا مشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة لأن الرخصة إنما تطلق في مقابلة الواجب.

وأصرح من ذلك ما رواه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه أنه قال يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه وإنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون عليّ من أن أؤخره فيكون دينًا عليّ؟ فقال أي ذلك شئت يا حمزة.