فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب فضل من قام رمضان

كتاب صلاة التراويح
( بسم الله الرحمن الرحيم) .
( كتاب صلاة التراويح) أي في ليالي رمضان جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة وهي في الأصل اسم للجلسة، وسميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح لأنهم كانوا أول ما اجتمعوا عليها يستريحون بين كل تسليمتين، وسقطت البسملة وما بعدها في رواية غير المستملى كما نبه عليه الحافظ ابن حجر وهو على هامش الفرع كأصله ومرقوم عليه علامة السقوط لابن عساكر.


باب فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ
( باب فضل من قام) في ليالي ( رمضان) مصليًا ما يحصل به مطلق القيام.


[ قــ :1925 ... غــ : 2008 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لِرَمَضَانَ: مَنْ قَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

وبالسند قال ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري ونسبه إلى جده لشهرته به ثقة في الليث وتكلموا في سماعه من مالك قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل ( أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول) :
( لرمضان) أي لفضل رمضان أو لأجله أو اللام بمعنى عن أي يقول عن رمضان نحو: { قال الذين كفروا للذين آمنوا} [مريم: 73] أو بمعنى في نحو: { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}

[الأنبياء: 47] أي يقول في رمضان ( من قامه) بصلاة التراوي أو بالطاعة في لياليه حال كون قيامه ( إيمانًا) أي تصديقًا بأنه حق معتقدًا فضيلته ( و) حال كونه ( احتسابًا) طالبًا للأجر لا لقصد رياء ونحوه ( غفر له ما تقدم من ذنبه) من الصغائر لا الكبائر كما قطع به إمام الحرمين، وقطع ابن المنذر بأنه يتناولهما والمعروف الأول ومذهب أهل السنة وزاد النسائي في السنن الكبرى من طريق قتيبة بن سعيد ( وما تأخر) وقد تابع قتيبة على هذه الزيادة جماعة.
واستشكل بأن المغفرة تستدعي سبق ذنب والمتأخر من الذنوب لم يأت بعد فكيف يغفر.

وأجيب: بأن ذنوبهم تقع مغفورة، وقيل هو كناية عن حفظ الله إياهم في المستقبل كما قيل في قوله عليه الصلاة والسلام في أهل بدر "إن الله اطلع عليهم فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وعورض الأخير بورود النقل بخلافه فقد شهد مسطح بدرًا ووقع منه ما وقع في حق عائشة -رضي الله عنها- كما في الصحيح وقصة نعيمان أيضًا مشهورة.




[ قــ :196 ... غــ : 009 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ "فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف القرشي المدني ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( من قام رمضان) جميع لياليه أو بعضها عند عجزه ونيته القيام لولا المانع حال كون قيامه ( إيمانًا و) حال كونه ( احتسابًا) أي مؤمنًا محتسبًا بأن يكون مصدقًا به راغبًا في ثوابه طيب النفس به غير مستثقل لقيامه ولا مستطيل له ( غفر له ما تقدم من ذنبه) الصغائر فإن الكبائر لا يكفرها غير التوبة.

( قال ابن شهاب) الزهري ( فتوفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأمر على ذلك) أي على ترك الجماعة في التراويح ولغير الكشميهني كما في الفتح والناس على ذلك، ( ثم كان الأمر على ذلك) أيضًا ( في خلافة أبي بكر) الصديق ( وصدرًا من خلافة عمر -رضي الله عنهما-) .




[ قــ :196 ... غــ : 01010 ]
- وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ

جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ.
ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ.
ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ -يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ- وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ".

( وعن ابن شهاب) الزهري بالإسناد السابق ( عن عروة بن الزبير) بن العوام ( عن عبد الرحمن بن عبد القاري) بتنوين عبد والقاري بتشديد المثناة التحتية نسبة إلى قارة بن ديش بن محلم بن غالب المدني وكان عامل عمر على بيت مال المسلمين ( إنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليلة في رمضان إلى المسجد) النبوي ( فإذا الناس أوزاع متفرقون) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها زاي وبعد الألف عين مهملة جماعات متفرقون لا واحد له من لفظه، فقوله متفرقون في الحديث نعت لأوزاع على جهة التأكيد اللفظي مثل نعجة واحدة لأن الأوزاع الجماعات المتفرقة.
وقال ابن فارس الجماعات، وكذا في القاموس والصحاح لم يقولوا متفرقون، فعلى هذا يكون النعت للتخصيص أراد أنهم كانوا يتنفلون في المسجد بعد صلاة العشاء متفرقين ( يصلّي الرجل لنفسه، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط) .
ما بين الثلاثة إلى العشرة وهذا بيان لما أجمل في قوله: فإذا
الناس أوزاع متفرقون، ( فقال عمر) : -رضي الله عنه- ( إني أرى) من الري ( لو جمعت هؤلاء) الذين يصلون ( على قارئ واحد لكان) ذلك ( أمثل) .
أي أفضل من تفرقهم لأنه أنشط لكثير من المصلين، واستنبط ذلك من تقرير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من صلّى معه في تلك الليالي وإن كرهه لهم فإنما كرهه خشية افتراضه عليهم ( ثم عزم) عمر على ذلك ( فجمعهم) سنة أربع عشرة من الهجرة ( على أبي بن كعب) يصلّي بهم إمامًا لكونه أقرأهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام "يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله" وعند سعيد بن منصور من طريق عروة: أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلّي بالرجال وكان تميم الداري يصلّي بالنساء، وعند البيهقي: وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة وهو محمول على التعدد.
قال عبد الرحمن بن عبد: ( ثم خرجت معه) أي مع عمر ( ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم) إمامهم فيه إشعار بأن عمر كان لا يواظب على الصلاة معهم ولعله كان يرى أن فعلها في بيته ولا سيما في آخر الليل أفضل.
( قال عمر) : لا رآهم ( نعم البدعة هذه) ، سماها بدعة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يسن لهم الاجتماع لها ولا كانت في زمن الصديق ولا أول الليل ولا كل ليلة ولا هذا العدد.

وهي خمسة واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة.
وحديث "كل بدعة ضلالة" من العام المخصوص، وقد رغب فيها عمر بقوله: نعم البدعة وهي كلمة تجمع المحاسن كلها كما أن بئس تجمع المساوئ كلها وقيام رمضان ليس بدعة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" وإذا أجمع الصحابة مع عمر على ذلك زال عنه اسم البدعة.

( و) الفرقة ( التي ينامون عنها) عن صلاة التراويح ( أفضل من) الفرقة ( التي يقومون- يريد آخر الليل) - هذا تصريح منه بأفضلية صلاتها في أول الليل على آخره لكن ليس فيه أن فعلها فرادى
أفضل من التجميع ( وكان الناس يقومون أوله) ولم يذكر في هذا الحديث عدد الركعات التي كان يصلّي بها أبي، والمعروف وهو الذي عليه الجمهور أنه عشرون ركعة بعشر تسليمات وذلك خمس ترويحات كل ترويحة أربع ركعات بتسليمتين غير الوتر وهو ثلاث ركعات.

وفي سنن البيهقي بإسناد صحيح كما قال ابن العراقي في شرح التقريب عن السائب بن يزيد -رضي الله عنه- قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في شهر رمضان بعشرين ركعة.

وروى مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمن عمر -رضي الله عنه- بثلاث وعشرين، وفي رواية بإحدى عشرة، وجمع البيهقي بينها بأنهم كانوا يقومون بإحدى عشرة ثم قاموا بعشرين وأوتروا بثلاث، وقد عدوا ما وقع في زمن عمر -رضي الله عنه- كالإجماع.

وفي مصنف ابن أبي شيبة وسنن البيهقي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في رمضان في غير جماعة بعشرين ركعة والوتر، لكن ضعفه البيهقي وغيره برواية أبى شيبة جد ابن أبي شيبة.

وأما قول عائشة الآتي في هذا الباب إن شاء الله تعالى ما كان أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة فحمله أصحابنا على الوتر قال الحليمي والسرفي كونها عشرين أن الرواتب في غير رمضان عشر ركعات فضوعفت لأنه وقت جدّ وتشمير، وفهم مما سبق من أنها بعشر تسليمات أنه لو صلاها أربعًا بتسليمة لم يصح، وبه صرح في الروضة لشبهها بالفرض في طلب الجماعة فلا تغير عما ورد بخلاف نظيره في سنة الظهر والعصر، واختار مالك -رحمه الله- أن تصلّى ستًا وثلاثين ركعة غير الوتر وقال: إن عليه العمل بالمدينة وقد قال المالكية كانت ثلاثًا وعشرين ثم جعلت تسعًا وثلاثين أي بالشفع والوتر فيهما، وذكر في النوادر عن ابن حبيب أنها كانت أولاً إحدى عشرة ركعة إلا أنهم كانوا يطيلون القراءة فثقل عليهم ذلك فزادوا في أعداد الركعات وخففوا القراءة وكانوا يصلون عشرين ركعة غير الشفع والوتر بقراءة متوسطة ثم خففوا القراءة وجعلوا عدد ركعاتها ستًا وثلاثين غير الشفع والوتر قال ومضى الأمر على ذلك اهـ.

وفي مصنف ابن أبي شيبة عن داود بن قيس قال: أدركت الناس بالمدينة في زمن عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون ستًا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث، وإنما فعل أهل المدينة هذا لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة فإنهم كانوا يطوفون سبعًا بين كل ترويحتين فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات، وقد حكى الولي بن العراقي أن والده الحافظ لما ولي إمامة مسجد المدينة أحيا سنتهم القديمة في ذلك مع مراعاة ما عليه الأكثر فكان يصلّي التراويح أول الليل بعشرين ركعة على المعتاد ثم يقوم آخر الليل في المسجد بست عشرة ركعة فيختم في الجماعة في شهر رمضان ختمتين

واستمر على ذلك عمل أهل المدينة فهم عليه إلى الآن، فنسأل الله الكريم المنان، أن يبلغنا صلاتها كذلك في ذاك المكان، في عافية وأمان، استودعه تعالى ذلك ونعمة الإسلام.

وقد قال النووي قال الشافعي والأصحاب ولا يجوز ذلك أي صلاتها ستًا وثلاثين ركعة لغير أهل المدينة لأن لأهلها شرفًا بهجرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذا يخالفه قول الشافعي المروي عنه في المعرفة للبيهقي وليس في شيء من هذا ضيق ولا حدّ ينتهي إليه لأنه نافلة فإن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن وهذا أحب إليّ وإن أكثروا الرجوع والسجود فحسن، وقول الحليمي: ومن اقتدى بأهل المدينة فقام بست وثلاين فحسن أيضًا لأنهم إنما أرادوا بما صنعوا الاقتداء بأهل مكة في الاستكثار من الفضل لا المنافسة كما ظن بعضهم، قال: والاقتصار على عشرين مع القراءة فيها بما يقرؤه غيره في ست وثلاثين ركعة أفضل لفضل طول القيام على كثرة الركوع والسجود.
وعن الشافعي أيضًا فيما رواه عنه الزعفراني: رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين وليس في شيء من ذلك ضيق اهـ.

وقال الحنابلة: والتراويح عشرون ولا بأس بالزيادة نصًّا أي عن الإمام أحمد.




[ قــ :198 ... غــ : 011 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ".

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس عبد الله بن أويس الأصبحي وهو ابن أخت الإمام مالك ( قال: حدثني) بالإفراد ( مالك) الأصبحي الإمام الأعظم ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عروة بن الزبير) بن العوام ( عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي) ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى، وذلك في رمضان) .
هذا الحديث ساقه هنا مختصرًا جدًّا فذكر كلمة من أوله وشيئًا من آخره كما ترى، وقد ساقه تامًّا في باب تحريض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قيام الليل والنوافل من غير إيجاب من أبواب التهجد ولفظه: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى ذات ليلة في المسجد فصلّى بصلاته ناس، ثم صلّى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم فلما أصبح قال "قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان.
وقوله: قد رأيت الذي صنعتم أي من حرصكم على صلاة التراويح، وقوله: وذلك في رمضان هو من قول عائشة -رضي الله عنها-.

واستدلّ به على الأفضل في قيام شهر رمضان أن يفعل في المسجد في جماعة لكونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى معه ناس في تلك الليالي وأقرهم على ذلك وإنما تركه لمعنى قد أمن بوفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو خشية الافتراض، وبهذا قال الشافعي: وجمهور أصحابه أبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية، وقد روى ابن أبي شيبة فعله عن عليّ وابن مسعود وأبي بن كعب وسويد بن غفلة وغيرهم وأمر به عمر بن الخطاب واستمر عليه عمل الصحابة -رضي الله عنهم- وسائر المسلمين وصار من الشعائر الظاهرة كصلاة

العيد، وذهب آخرون إلى أن فعلها فرادى في البيت أفضل لكونه عليه الصلاة والسلام واظب على ذلك، وتوفي والأمر على ذلك حتى مضى صدر من خلافة عمر، وقد اعترف عمر -رضي الله عنه- بأنها مفضولة كما مرّ وبهذا قال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية.

وأجيب: بأن ترك المواظبة على الجماعة فيها إنما كان لمعنى وقد زال وبأن عمر -رضي الله عنه- لم يعترف بأنها مفضولة، وقوله: والتي ينامون عنها أفضل ليس فيه ترجيح الانفراد ولا ترجيح فعلها في البيت وإنما فيه ترجيح آخر الليل على أوله كما صرح به الراوي بقوله يريد آخر الليل، فرق بعضهم بين من يثق بانتباهه وبين من لا يثق به.




[ قــ :199 ... غــ : 01 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فصلى فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا.
فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: وحدثني بواو العطف والإفراد ( يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا المخزومي المصري قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم أوله وفتح ثانيه ابن خالد ( عن ابن شهاب) الزهريّ أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( عروة) بن الزبير بن العوّام ( أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج) من حجرته إلى المسجد ( ليلة) من ليالي رمضان ( من جوف الليل فصلّى في المسجد وصلّى رجال بصلاته) ، مقتدين به، وقوله فصلّى الأولى بالفاء والثانية بالواو ( فأصبح الناس فتحدثوا) ، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في المسجد من جوف الليل ( فاجتمع) في الليلة الثانية ( أكثر منهم) برفع أكثر فاعل اجتمع ( فصلوا معه) عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر: فصلّى فصلوا معه ( فأصبح الناس فتحدثوا) بذلك ( فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج) إليهم ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى فصلوا بصلاته) ، ولابن عساكر: فصلّى بصلاته فأسقط لفظ فصلوا، ولا ذر: فصلّى صلاته بضم الصاد مبنيًا للمفعول وأسقط فصلوا أيضًا ( فلما كانت الليلة الرابعة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد عن أهله) أي ضاق ( حتى خرج) عليه الصلاة والسلام ( لصلاة الصبح فلما قضى الفجر) أي صلاته ( أقبل على الناس) بوجهه الكريم ( فتشهد) في صدر الخطبة ( ثم قال) :
( أما بعد فإنه لم يخف عليّ مكانكم ولكني خشيت أن تفرض) أي صلاة التراويح في جماعة ( عليكم فتعجزوا عنها) بكسر الجيم مضارع عجز بفتحها أي فتتركوها مع القدرة، وظاهر قوله:

خشيت أن تكتب عليكم أنه عليه الصلاة والسلام توقع ترتب افتراض قيام رمضان في جماعة على مواظبتهم عليه وفي ارتباط افتراض العبادة بالواظبة عليها إشكال.

قال أبو العباس القرطبي: معناه تظنونه فرضًا للمداومة فيجب على من يظنه كذلك كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو تحريمه وجب عليه العمل بذلك، وقيل: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان حكمه أنه إذا ثبت على شيء من أعمال القرب واقتدى الناس به في ذلك العمل فرض عليهم ولذا قال: خشيت أن تفرض عليكم اهـ.

واستبعد ذلك في شرح التقريب وأجاب: بأن الظاهر أن المانع له عليه الصلاة والسلام أن الناس يستحلون متابعته ويستعذبونها ويستسهلون الصعب منها فإذا فعل أمرًا سهل عليهم فعله لمتابعته فقد يوجبه الله عليهم لعدم المشقّة عليهم فيه في ذلك الوقت، فإذا توفي عليه الصلاة والسلام زال عنهم ذلك النشاط وحصل لهم الفتور فشق عليهم ما كانوا استسهلوه لا أنه يفرض عليهم ولا بدّ كما قال القرطبي وغايته أن يصير ذلك الأمر مرتقبًا متوقعًا قد يقع وقد لا يقع، واحتمال وقوعه هو الذي منعه عليه الصلاة والسلام من ذلك قال: ومع هذا فالمسألة مشكلة ولم أر من كشف الغطاء في ذلك.

وأجاب في الفتح: بأن المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطًا في صحة التنفل في الليل ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت: حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فمنعهم من التجمع في المسجد إشفاقًا عليهم من اشتراطه وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم.

قال الزهري: ( فتوفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأمر على ذلك) أن كل أحد يصلّي قيام رمضان في بيته منفردًا حتى جمع عمر -رضي الله عنه- الناس على أبي بن كعب فصلّى بهم جماعة واستمر العمل على ذلك.

وهذا الحديث سبق في باب: من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد من كتاب الجمعة.




[ قــ :1930 ... غــ : 013 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ: "سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهَا عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَىَّ تَنَامَانِ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي".

وبه قال ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ( قال: حدثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن سعيد) هو ابن أبي سعيد كيسان المدني ( المقبري) كان جازًا للمقبرة فنسب إليها وثقه أحمد وابن المديني وأبو

زرعة والنسائي وغيرهم، وذكر الواقدي أنه اختلط قبل موته بأربع سنين ولم يتابع الواقدي على ذلك.
نعم قال شعبة: حدّثناه سعيد بعدما كبر وعن يحيى بن معين أثبت الناس فيه ابن أبي ذئب وعن ابن خراش أثبت الناس فيه الليث بن سعد.
قال ابن حجر: أكثر ما خرج له البخاري من حديث هذين عنه، وأخرج له أيضًا من حديث مالك وإسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر العمري وغيرهم من الكبار وروى له الباقون لكن لم يخرجوا من حديث شعبة عنه شيئًا ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري أحد الأعلام اختلف في اسمه قال مالك اسمه كنيته ( أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- كيف كانت صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) ليالي ( رمضان؟ فقالت: ما كان) عليه الصلاة والسلام ( يزيد في رمضان ولا في غيرها) من ليالي غيره، ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: ولا في غيره أي في غير رمضان ( على إحدى عشرة ركعة) وحديثها أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا دخل العشر يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره يحمل على التطويل في الركعات دون الزيادة في العدد نعم في رواية هشام بن عروة عن أبيه كان يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة، لكن أجيب بأن منها ركعتي الفجر كما صرح بذلك في رواية القاسم عنها ( يصلّي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) أي هن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات لظهور حسنهن وطولهن عن الوصف ( ثم يصلّي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلّي ثلاثًا) قالت ( فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال) :
( يا عائشة إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي) وإنما كان قلبه الشريف لا ينام لأن القلب إذا قويت فيه الحياة لا ينام إذا نام البدن فافهم.

وهذا الحديث قد سبق قيام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالليل في رمضان وغيره من أبواب التهجد.