فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب كسب الرجل وعمله بيده

باب كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ
( باب) بيان فضل ( كسب الرجل وعمله بيده) هو من عطف الخاص على العام لأن الكسب أعمّ من أن يكون بعمل اليد أو بغيرها.


[ قــ :1986 ... غــ : 2070 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ".

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ابن وهب) عبد الله ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( قال: حدّثني) ولأبوي ذر والوقت: أخبرني بالإفراد فيهما ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما استخلف أبو بكر الصدّيق) -رضي الله عنه- ( قال: لقد علم قومي) قريش أو المسلمون ( أن حرفتي) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها فاء أي جهة كسبي ( لم تكن تعجز) بكسر الجيم ( عن مؤنة أهلي وشغلت) بضم المعجمة مبنيًّا للمفعول ( بأمر المسلمين) عن الاحترام ( فسيأكل آل أبي بكر من هذا

المال)
لأنه لما اشتغل بالنظر في أمور المسلمين لكونه خليفة احتاج أن يأكل هو وأهله من بيت المال.

وقد روى ابن سعد بإسناد مرسل رجاله ثقات قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غاديًا إلى السوق على رأسه أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجرّاح -رضي الله عنهما- فقالا: كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالوا: نفرض لك ففرضوا له كل يوم شطر شاة.
ففيه أن القدر الذي كان يتناوله فرض له باتفاق من الصحابة.

( ويحترف للمسلمين فيه) أي يتجر في أموالهم بأن يعطي المال لمن يتجر فيه ويجعل ربحه للمسلمين في نظير ما يأخذه، وللمستملي والحموي: واحترف بهمزة بدل الياء وهذا تطوّع منه فإنه لا يجب على الإمام الاتجار في أموال المسلمين بقدر مؤنته لأنها فرض في بيت المال، أو المراد من الاحتراف نظره في أمورهم وتمييز مكاسبهم وأرزاقهم أو المعنى يجازيهم يقال: احترف الرجل إذا جازى على خير أو شر.

ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن فيه ما يدل على أن كسب الرجل بيده أفضل، وذلك أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان يحترف أي يكتسب ما يكفي عياله ثم لما اشتغل بأمر المسلمين حين استخلف لم يكن يفرغ للاحترام بيده فصار يحترف للمسلمين وإنه يعتذر عن تركه الاحترام لأهله، فلولا أن الكسب بيده أفضل لم يكن ليعتذر، وقد صوّب النووي أن أطيب الكسب ما كان بعمل اليد.

وهذا الحديث وإن كان ظاهره أنه موقوف لكنه بما اقتضاه من أنه قبل أن يستخلف كان يحترف لتحصيل مؤنة أهله يصير مرفوعًا لأنه كقول الصحابي: كنا نفعل كذا على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.




[ قــ :1987 ... غــ : 071 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ أَرْوَاحٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ".
رَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد) هو ابن إسماعيل المؤلّف قال: ( حدّثنا عبد الله بن يزيد) هو المقري مولى عمر بن الخطاب القرشي العدوي شيخ المؤلّف قال: ( حدّثنا سعيد) هو ابن أبي أيوب المصري ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أبو الأسود) محمد بن عبد الرحيم يتيم عروة بن الزبير ( عن عروة قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمال أنفسهم) بضم العين وتشديد الميم جمع عامل ( وكان) ولأبي ذر وابن عساكر: فكان بالفاء ( يكون لهم أرواح) جمع ريح وهو أكثر من أرياح خلافًا لا يقتضيه كلام الصحاح وذلك أن فيه والريح واحدة الرياح والأرياح وقد يجمع على أرواح لأن أصلها الواو وأراح اللحم أنتن، وكان الأولى شأنية واسمها ضمير مستتر فيها ويكون لهم أرواح في محل نصب خبر كان وعبر بيكون المضارع استحضارًا للماضي أو إرادة الاستمرار ( فقيل لهم: لو اغتسلتم) لذهبت عنكم تلك الروائح الكريهة.
( رواه) أي الحديث المذكور ( همام) بفتح

المهملة وتشديد الميم ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة) وفي بعض النسخ: وقال همام بدل رواه وقد وصله أبو نعيم في مستخرجه من طريق هدبة عنه بلفظ: كان القوم خدّام أنفسهم فكانوا يروحون إلى الجمعة فأمروا أن يغتسلوا.




[ قــ :1988 ... غــ : 07 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الفرّاء الرازي الصغير قال: ( أخبرنا عيسى بن يونس) الهمداني وسقط لأبوي ذر والوقت وابن عساكر بن يونس ( عن ثور) بالمثلثة ابن يزيد من الزيادة الكلاعي الحمصي اتفقوا على تثبته في الحديث لكنه كان قدريًا فأخرج من حمص فأحرقت داره بها فارتحل منها إلى القدس وقدم المدينة فنهى مالك عن مجالسته.
وقال ابن معين: كان يجالس قومًا ينالون من عليّ لكنه كان لا يسب، وقد احتج به الجماعة وكان الثوري يقول: خذوا عنه ( عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها دال مهملة وبعد الألف نون الكلاعي كان يسبّح في اليوم أربعين ألف تسبيحة ( عن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف ابن معد يكرب الكندي ( -رضي الله عنه- عن رسول الله) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: عن النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( ما أكل أحد طعامًا) وعند الإسماعيلي ما أكل أحد من بني آدم طعامًا ( قطّ خيرًا) بالنصب.

قال في المصابيح: يحتمل أن يكون صفة لمصدر محذوف أي أكلاً خيرًا ( من أن يأكل من عمل يده) فيكون أكله من طعام ليس من كسب يده منفي التفضيل على أكله من كسب يده وهو واضح ويحتمل أن يكون صفة لطعامًا فيحتاج إلى تأويل أيضًا وذلك لأن الطعام في هذا التركيب مفضل على نفس أكل الإنسان من عمل يده بحسب الظاهر، وليس المراد فيقال في تأويله الحرف المصدري وصلته بمعنى مصدر مراد به المفعول أي من مأكوله من عمل يده فتأمله وعند الإسماعيلي خير بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو خير، وقوله: من عمل يده بالإفراد، وعند الإسماعيلي يديه بالتثنية ووجه الخيرية ما فيه من إيصال النفع إلى المكاسب وإلى غيره وللسلامة عن البطالة المؤدّية إلى الفضول ولكسر النفس به وللتعفّف عن ذل السؤال ( وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) في الدروع من الحديد ويبيعه لقوته، وخصّ داود بالذكر لأن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة لأنه كان خليفة في الأرض وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد، وقد كان نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل من سعيه الذي يكسبه من أموال الكفار بالجهاد وهو أشرف المكاسب على الإطلاق لما فيه من إعلاء كلمة الله وخذلان كلمة أعدائه والنفع الأخروي.





[ قــ :1989 ... غــ : 073 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ لاَ يَأْكُلُ إِلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ".
[الحديث 073 - طرفاه في: 3417، 4713] .

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن موسى) بن عبد ربه البلخي المشهور بختّ قال: ( حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني ثقة حافظ شهير عمي في آخر عمره فتغير وكان يتشيع، وقد احتجّ به الشيخان في جملة حديث من سمع منه قبل الاختلاط، وقال ابن معين: كان عبد الرزاق أثبت في حديث معمر وروى له الجماعة قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشدّدة قال: ( حدّثنا أبو هريرة) -رضي الله عنه- ( عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أن داود عليه السلام) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: أن داود النبي عليه السلام ( كان لا يكل إلا من عمل يده) صريح في الحصر بخلاف الذي قبله، وهو طرف من حديث يأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة داود من أحاديث الأنبياء، ووقع في المستدرك عن ابن عباس بسند واهٍ: كان داود زرّادًا، وكان آدم حرّاثًا، وكان نوح نجارًا، وكان إدريس خياطًا، وكان موسى راعيًا وفي أن التكسب لا يقدح في التوكل.




[ قــ :1990 ... غــ : 074 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي: ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن أبي عبيد) بالضم مصغرًا من غير إضافة ( مولى عبد الرحمن بن عوف أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لأن) بفتح اللام.
قال الزركشي: على جواب قسم مقدر.
قال البدر الدماميني: يحتمل كونها لام الابتداء ولا تقدير ( يحتطب أحدكم حزمة) بضم الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة فيحملها ( على ظهره) فيبيعها فيأكل ويتصدّق ( خير من) وللكشميهني وابن عساكر خير له من ( أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه) بنصب الفعلين جوابًا للطلب ولا يخفى ما في ذلك من ذلّ السؤال مع ما ينضاف إلى ذلك من ألم الحرمان.

وهذا الحديث قد مضى في الزكاة في باب قول الله تعالى: { لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: 73] .





[ قــ :1991 ... غــ : 075 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلَهُ ... ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن موسى) المشهور بختّ قال: ( حدّثنا وكيع) هو ابن الجرّاح الرؤاسي بضم الراء وهمزة ثم مهملة الكوفي قال: ( حدّثنا هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام ( عن أبيه) عروة ( عن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لأن) بفتح اللام ( يأخذ أحدكم أحبله) بفتح الهمزة وضم الموحدة جمع حبل كفلس وأفلس أي أخذ الحبل للاحتطاب، ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي: خير له من أن يسأل الناس.

وبه قال: