فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب شراء الدواب والحمر، وإذا اشترى دابة أو جملا وهو عليه، هل يكون ذلك قبضا قبل أن ينزل وقال ابن عمر رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «بعنيه» يعني جملا صعبا

باب شِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالْحَمِيرِ
وَإِذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ جَمَلاً وَهُوَ عَلَيْهِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ؟.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ.
يَعْنِي جَمَلاً صَعْبًا".

(باب شراء الدواب والحمير) من عطف الخاص على العامّ لأن الدواب في الأصل موضوع لكل ما يدب على الأرض، ثم استعمل عرفًا لكل ما يمشي على أربع وهو يتناول الحمير وغيرها قال في الفتح: ووقع في رواية أبي ذر والحمر بضمتين وكلاهما جمع لأن الحمار يجمع على حمير وحمر وحمر وحمران وأحمرة (وإذا اشترى دابة أو جملاً وهو) أي والحال أن البائع (عليه) أي راكب على الجمل (هل يكون ذلك) أي الشراء المذكور (قبضًا) للمشتري (قبل أن ينزل) البائع عن العين المبيعة فيه خلاف، (وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-) فيما وصله في كتاب الهبة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (بعنيه يعني جملاً صعبًا).


[ قــ :2013 ... غــ : 2097 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ

جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا، فَأَتَى عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: جَابِرٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَىَّ جَمَلِي وَأَعْيَا فَتَخَلَّفْتُ.
فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ.
ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُه، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا.
قَالَ: أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ.
قَالَ: أَمَّا إِنَّكَ قَادِمٌ.
فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ.
ثُمَّ قَالَ: أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ.
ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلِي وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، قَالَ: الآنَ قَدِمْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَدَعْ جَمَلَكَ فَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ.
فَأَمَرَ بِلاَلاً أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ لِي بِلاَلٌ فَأَرْجَحَ فِي الْمِيزَانِ.
فَانْطَلَقْتُ حَتَّى وَلَّيْتُ.
فَقَالَ: ادْعُ لِي جَابِرًا.
قُلْتُ: الآنَ يَرُدُّ عَلَىَّ الْجَمَلَ، وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْهُ، قَالَ: خُذْ جَمَلَكَ، وَلَكَ ثَمَنُهُ".

وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة قال (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمرو (عن وهب بن كيسان) بفتح الكاف الأسدي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزاة) قيل هي ذات الرقاع كما في طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام وابن سيد الناس وفي البخاري كانت في غزوة تبوك.

وفي مسلم من حديث جابر قال: أقبلنا من مكة إلى المدينة فيكون في الحديبية أو عمرة القضية أو فى الفتح أو حجة الوداع، لكن حجة الوداع لا تسمى غزوة بل ولا عمرة القضية ولا الحديبية على الأرجح فتعين الفتح وبه قال البلقيني.
(فأبطأ بي جملي وأعيا) أي تعب وكلَّ.
يقال: أعيا الرجل أو البعير في المشي ويستعمل لازمًا ومتعدّيًا.
تقول: أعيا الرجل وأعياه الله (فأتى عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:
(جابر) بالتنوين على تقدير أنت جابر وبلا تنوين منادى سقط منه حرف النداء أي: يا جابر (ففلت: نعم.
قال: ما شأنك) أي ما حالك وما جرى لك حتى تأخرت عن الناس (قلت أبطأ عليّ جملِي وأعيا فتخلفت) عنهم (فنزل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال وكونه (يحجنه) مضارع حجن بالحاء المهملة والجيم والنون أي يجذبه (بمحجنه) بكسر الميم بعصاه المعوجة من رأسها كالصولجان معدّ لأن يلتقط به الراكب ما يسقط منه (ثم قال اركب فركبت فلقد رأيته) أي الجمل، ولابن عساكر: فلقد رأيت (أكفه) أمنعه (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حتى لا يتجاوزه (قال تزوجت)؟ بحذف همزة الاستفهام وهي مقدرة (قلت: نعم) تزوجت (قال) تزوجت (بكرًا أم) تزوجت (ثيبًا) بالمثلثة، وقد تطلق على المبالغة وإن كانت بكرًا مجازًا واتّساعًا والمراد هنا العذراء، ولأبي ذر: أبكرًا بهمزة الاستفهام المقدرة في السابق، وفي بعض الأصول: أبكر أم ثيب بالرفع فيهما خبر مبتدأ محذوف أي أزوجتك بكر أم

ثيب: (قلت: بل) تزوجت (ثيبًا) هي سهيلة بنت مسعود الأوسية (قال) عليه الصلاة والسلام: (أفلا) تزوجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك) وفي رواية قال: أين أنت من العذراء ولعابها؟ وفي أخرى: فهلا تزوجت بكرًا تضاحكك وتضاحكها وتلاعبك وتلاعبها؟ وقوله: ولعابها بكسر اللام وضبطه بعض رواة البخاري بضمها، وقد فسر الجمهور قوله تلاعبها وتلاعبك باللعب المعروف، ويؤيده رواية تضاحكها وتضاحكك وجعله بعضهم من اللعاب وهو الريق وفيه حض على تزويج البكر وفضيلة تزويج الأبكار وملاعبة الرجل أهله (قلت: إن لي أخوات) ولمسلم: إن عبد الله هلك وترك سبع بنات وإني كرهت أن آتيهن أو أجيئهن بمثلهن (فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن) بضم الشين المعجمة أي تسرّح شعرهنّ (وتقوم) وللكشميهني: فتقوم بالفاء (عليهن) زاد في رواية مسلم: وتصلحهن (قال) عليه الصلاة والسلام: (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف تنبيه (إنك) بكسر الهمزة والذي في اليونينية بفتح الهمزة وكسرها وتشديد النون (قادم) على أهلك (فإذا قدمت) عليهم (فالكيس الكيس) بفتح الكاف والنصب على الإغراء والكيس: الجماع.
قال ابن الأعرابي: فيكون قد حضه عليه لما فيه وفي الاغتسال منه من الأجر، لكن فسره المؤلّف في موضع آخر من جامعه هذا بأنه الولد.

واستشكل، وأجيب: بأنه إما أن يكون قد حضه على طلب الولد واستعمال الكيس والرفق فيه إذ كان جابر لا ولد له إذ ذاك أو يكون قد أمره بالتحفظ والتوقّي عند إصابة الأهل مخافة أن تكون حائضًا فيقدم عليها لطول الغيبة وامتداد الغربة، والكيس: شدة المحافظة على الشيء قاله الخطابي وقيل: الولد العقل لما فيه من تكثير جماعة المسلمين ومن الفوائد الكثيرة التي يحافظ على طلبها ذوو العقل.
(ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (أتبيع جملك قلت: نعم.
فاشتراه مني بأوقية) بضم الهمزة اوتشديد لتحتية وكانت في القديم أربعين درهمًا ووزنها أفعولة والألف زائدة والجمع الأواقي مشدّدًا وقد يخفف، ويجوز فيها وقية بغير ألف وهي لغة عامرية، وفي رواية بخمس أواقي وزادني أوقية، وفي أخرى بأوقيتين ودرهم أو درهمين، وفي أخرى بأوقية ذهب، وفي أخرى بأربعة دنانير، وفي أخرى بعشرين دينارًا.
قال المؤلّف وقول الشعبي: بوقية أكثر.
قال القاضي عياض: سبب اختلاف الروايات أنهم رووه بالمعنى، فالمراد أوقية ذهب كما فسره سالم بن أبي الجعد عن جابر، ويحمل عليها رواية من روى أوقية وأطلق ومن روى خمسة أواقي: فالمراد من الفضة فهي قيمة وقية ذهب ذلك الوقت فالأخبار عن وقية الذهب هو إخبار عما وقع به العقد وأواقي الفضة إخبار عما حصل به الوفاء، ويحتمل أن يكون هذا كله زيادة على الأوقية كما جاء في رواية: فما زال يزيدني.

وأما أربعة دنانير: فيحتمل أنها كانت يومئذٍ أوقية ورواية أوقيتين يحتمل أن إحداهما ثمن والأخرى زيادة كما قال: وزادني أوقية.
وقوله: ودرهمًا أو درهمين موافق لقوله في بعض الروايات وزادني قيراطًا، ورواية عشرين دينارًا محمولة على دنانير صغار كانت لهم على أن الجمع بهذا الطريق فيه بعد ففي بعض الروايات ما لا يقبل شيئًا من هذا التأويل.


قال السهيلي: وروي من وجه صحيح أنه كان يزيده درهمًا درهمًا وكلما زاده درهمًا يقول قد أخذته بكذا والله يغفر لك، فكأن جابرًا قصد بذلك كثرة استغفار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية قال: بعنيه فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي، وفي أخرى أفقرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهره إلى المدينة، وفي أخرى لك ظهره إلى المدينة.

قال البخاري: الاشتراط أكثر وأصح عندي واحتج به الإمام أحمد على جواز بيع دابة يشترط البائع لنفسه ركوبها إلى موضع معلوم.
قال المرداوي: وعليه الأصحاب وهو المعمول به في المذهب وهو من المفردات وعنه لا يصح، وقال مالك: يجوز إذا كانت المسافة قريبة، وقال الشافعية والحنفية: لا يصح سواء بعدت المسافة أو قربت لحديث النهي عن بيع وشرط.
وأجابوا عن حديث جابر بأنه واقعة عين يتطرّق إليها الاحتمالات لأنه عليه الصلاة والسلام أراد أن يعطيه الثمن هبة ولم يرد حقيقة البيع بدليل آخر القصة، أو أن الشرط لم يكن في نفس العقد بل سابقًا فلم يؤثر، وفي رواية النسائي أخذته بكذا وأعرتك ظهره إلى المدينة فزال الإشكال.

(ثم قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة (قبلي وقدمت بالغداة فجئنا) أي هو وغيره من الصحابة (إلى المسجد فوجدته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على باب المسجد قال) ولابن عساكر فقال: (الآن قدمت قلت نعم قال: فدع) أي اترك (جملك فادخل) أي المسجد، ولأبي ذر: وادخل بالواو بدل الفاء (فصل ركعتين) فيه (فدخلت) المسجد (فصليت) فيه ركعتين وفيه استحبابهما عند القدوم من سفر (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بلالاً أن يزن له أوقية) بهمزة مضمومة وتشديد المثناة التحتية، ولابن عساكر: وقية وعبر بضمير الغائب في قوله له على طريق الالتفات (فوزن لي بلال فأرجح) زاد أبوا ذر والوقت عن الكشميهني: لي (في الميزان) وهو محمول على إذنه عليه الصلاة والسلام له في الإرجاح له لأن الوكيل لا يرجح إلا بالإذن (فانطلقت حتى وليت) أي أدبرت (فقال ادع لي جابرًا) بصيغة المفرد، ولأبي ذر وابن عساكر: ادعوا بصيغة الجمع (قلت الآن يرد عليّ الجمل ولم يكن شيء أبغض إليّ منه) أي من رد الجمل (قال) عليه الصلاة والسلام، ولابن عساكر: فقال (خذ جملك ولك ثمنه).

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في نحو عشرين موضعًا تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته وبركة نبيّه محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع مباحثها، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي بألفاظ مختلفة وأسانيد متغايرة.