فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء

باب التِّجَارَةِ فِيمَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
( باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء) إذا كان مما ينتفع به غير من كره له لبسه أما ما لا منفعة فيه شرعية فلا يجوز بيعه أصلاً على الراجح.


[ قــ :2020 ... غــ : 2104 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عُمَرَ -رضي الله عنه- بِحُلَّةِ حَرِيرٍ -أَوْ سِيرَاءَ- فَرَآهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أُرْسِلْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا.
يَعْنِي تَبِيعُهَا".

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( حدّثنا أبو بكر بن حفص) هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري ( عن سالم بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( عن أبيه) عبد الله أنه ( قال: أرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عمر -رضي الله عنه- بحلة حرير) بضم الحاء المهملة واحدة الحلل وهي برود اليمن ولا تكون الحلة إلا من ثوبين من جنس واحد، ويجوز إضافة حلة لحرير فيسقط التنوين وهو أحد الوجهين في الفرع ( أو سيراء) بكسر السين وفتح المثناة التحتية ممدودًا برد فيه خطوط صفر أو حرير محض وهو صفة للحلة أو عطف بيان، لكن قال بعضهم إنما هو حلة سيراء بالإضافة لأن سيبويه قال لم يأت فعلاء صفة لكن اسمًا.
وقال عياض: إنه ضبطه بالإضافة عن متقني شيوخه، وقال النووي: إنه قول المحققين ومتقني العربية وإنه من إضافة الشيء لصفته كما قالوا ثوب خز انتهى.
والأكثرون على تنوين حلة، وجزم القرطبي بأنه الرواية ( فرآها) عليه الصلاة والسلام ( عليه) أي على عمر ( فقال) :
( إني لم أرسل بها) بالحلة ( إليك لتلبسها إنما يلبسها من لا خلاق له) أي من الرجال في الآخرة أو هو عام فيدخل فيه الرجال والنساء، فيطابق الترجمة، لكن النهي عن الحرير خاص بالرجال، فيدل للجزء الأول من الترجمة ( إنما بعثت إليك بها لتستمتع) ولابن عساكر: تستمتع ( بها يعني تبيعها) وفي اللباس من وجه إنما بعثت بها إليك لتبيعها أو لتكسوها.

قال في الفتح: وهو واضح فيما ترجم له هنا من جواز بيع ما يكره لبسه للرجال والتجارة وإن كانت أخص من البيع لكنها جزؤه المستلزم له وأما ما يكره لبسه للنساء فبالقياس عليه.

وهذا الحديث قد سبق بأطول من هذا من وجه آخر في كتاب الجمعة ويأتي في اللباس إن شاء الله تعالى، وأخرجه مسلم أيضًا.





[ قــ :01 ... غــ : 105 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ.
.

     وَقَالَ : إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ".
[الحديث 105 - أطرافه في: 34، 5181، 5957، 5961، 7557] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق ( عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة) بضم النون والراء وبكسرهما بينهما ميم ساكنة وبالقاف المفتوحة، وحكي تثليث النون وسادة صغيرة ( فيها تصاوير) حيوان، ( فلما رآها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام على الباب فلم يدخله) وللكشميهني: فلم يدخل بحذف الضمير ( فعرفت في وجهه) عليه الصلاة والسلام ( الكراهة فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماذا أذنبت؟) فيه جواز التوبة من الذنوب كلها إجمالاً وإن لم يستحضر التائب خصوص الذنب الذي حصلت به مؤاخذته ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ما بال هذه النمرقة؟ قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها) بالنصب عطفًا على سابقه وحذف التاء للتخفيف وأصله وتتوسدها ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن أصحاب هذه الصور) المصوّرين ما له روح وفي نسخة بالفرع وأصله: الصورة بالإفراد ( يوم القيامة يعذبون فيقال لهم) على سبيل التهكم والتعجيز ( أحيوا) بفتح الهمزة ( ما خلقتم) صوّرتم كصورة الحيوان ( وقال) عليه الصلاة والسلام ( إن البيت الذي فيه) زاد المستملي هذه ( الصور لا تدخله الملائكة) عام مخصوص، فالمراد غير الحفظة أما الحفظة فلا يفارقون الإنسان إلا عند الجماع والخلاء كما عند ابن عديّ وضعفه والمراد بالصورة صورة الحيوان فلا بأس بصورة الأشجار والجبال ونحو ذلك مما لا روح له، ويدل قول ابن عباس المروي في مسلم لرجل: إن كنت ولا بدّ فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له.
وأما الصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببها، لكن قال الخطابي: إنه عامّ في كل صورة انتهى.

وإذا حصل الوعيد لصانعها فهو حاصل لمستعملها لأنها لا تصنع إلا لتستعمل فالصانع سبب والمستعمل مباشر فيكون أولى بالوعيد ويستفاد منه أنه لا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون صورة لها ظل أو لا.
ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة خلافًا لمن استثنى النسج وادّعى أنه ليس بتصوير.

ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة من جهة أن الثوب الذي فيه الصورة يشترك في المنع منه الرجال والنساء.
فحديث ابن عمر يدل على بعض الترجمة، وحديث عائشة على جميعها.

وقال الكرماني الاشتراء أعمّ من التجارة فكيف يدل على الخاص الذي هو التجارة التي عقد عليها الباب؟ وأجاب: بأن حرمة الجزء مستلزمة لحرمة الكل فهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء.

وقال ابن المنير: الظاهر أن البخاري أراد الاستشهاد على صحة التجارة في النمارق المصوّرة وإن كان استعمالها مكروهًا لأنه عليه الصلاة والسلام إنما أنكر على عائشة استعمالها ولم يأمرها بفسخ البيع.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في النكاح واللباس وبدء الخلق، ومسلم في اللباس.