فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا

باب "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا"
وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ.

( باب) بالتنوين ( البيعان بالخيار) في المجلس ( ما لم يتفرقا، وبه) أي بخيار المجلس ( قال ابن عمر) بن الخطاب وورد من فعله كما مر أنه إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه، وعند الترمذي أنه كان إذا ابتاع بيعًا وهو قاعد قام ليجب له وعند ابن أبي شيبة إذا باع انصرف ليجب البيع، ( و) به قال ( شريح) أيضًا بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية آخره حاء مهملة ابن الحرث الكندي الكوفي أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يلقه وأقام قاضيًا على الكوفة ستين سنة فيما وصله سعيد بن منصور، ( و) به قال ( الشعبي) عامر بن شراحيل مما وصله ابن أبي شيبة، ( و) كذا ( طاوس) هو ابن كيسان مما وصله الشافعي في الأم، ( و) كذا ( عطاء) هو ابن أبي رباح المكي ( وابن أبي مليكة) عبد الله مما وصله عنهما ابن أبي شيبة بلفظ البيعان بالخيار حتى يتفرقا عن رضا.


[ قــ :2026 ... غــ : 2110 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ بنُ هلالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: قَتَادَةُ أَخْبَرَنِي عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر: حدّثنا ( إسحاق) غير منسوب قال أبو علي الجياني: لم أجده منسوبًا عن أحد من رواة الكتاب ولعله ابن منصور فإن مسلمًا قد روى في صحيحه عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال.
قال الحافظ ابن حجر: وقد رأيته في رواية أبي علي الشبوي في هذا الباب ولفظه: حدّثنا إسحاق بن منصور حدّثنا حبان فهذه قرينة تقوّي ما ظنه الجياني قال: ( أخبرنا حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة زاد أبو ذر هو ابن هلال ( قال: حدّثنا

شعبة)
بن الحجاج ( قال: قتادة) بن دعامة ( أخبرني) بالإفراد ( عن صالح أبي الخليل) بن أبي مريم ( عن عبد الله بن الحرث) بن نوفل الهاشمي أنه ( قال: سمعت حكيم بن حزام -رضي الله عنه-) يقول ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( البيعان بالخيار) في المجلس ( ما لم يتفرفا) ببدنهما عن مكان التعاقد فلو أقاما فيه مدة أو تماشيا مراحل فهما على خيارهما وإن زادت المدة على ثلاثة أيام فلو اختلفا في التفرق فالقول قول منكره بيمينه وإن طال الزمن لموافقته الأصل ( فإن صدقا) البائع في صفة المبيع والمشتري فيما يعطي في عوض المبيع ( وبينا) ما بالمبيع والثمن من عيب ونقص ( بورك لهما في بيعهما وإن كذبا) في وصف المبيع والثمن ( وكتما) ما فيهما من عيب ونقص ( محقت بركة بيعهما) التي كانت تحصل على تقدير خلوّه من الكذب والكتمان لوجودهما فيه، وليس المراد أن البركة كانت فيه ثم محقت أو المراد أن هذا البيع وإن حصل فيه ربح فإنه يمحق بركة ربحه، ويؤيده الحديث الآتي إن شاء الله تعالى بلفظ وإن كذبا وكتما فعسى أن يربحا ربحًا ويمحقا بركة بيعهما.




[ قــ :07 ... غــ : 111 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام الأعظم ( عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه) بالخيار خبر لكل واحد أي كل واحد محكوم له بالخيار والجملة خبر لقوله المتبايعان ( ما لم يتفرقا) ببدنهما فيثبت لهما خيال المجلس، والمعنى أن الخيار ممتد زمن عدم تفرقهما وذلك لأن ( ما) مصدرية ظرفية.
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عند البيهقي والدارقطني "ما لم يتفرقا عن مكانهما" وذلك صريح في المقصود وسماهما المتبايعين وهما المتعاقدان لأن البيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين وهي لا تقع في الحقيقة إلا بعد حصول الفعل وليس بعد العقد تفرق إلا بالأبدان، وقيل المراد التفرق بالأقوال وهو الفراغ من العقد فإذا تعاقدا صح البيع ولا خيار لهما إلا أن يشترطا وتسميتهما بالمتبايعين يصح أن يكون بمعنى المتساومين من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه أو يقرب منه، وتعقبه ابن حزم بأن خيار المجلس ثابت بهذا الحديث سواء قلنا التفرق بالكلام أو بالأبدان، أما حيث قلنا بالأبدان فواضح وحيث قلنا بالكلام فواضح أيضًا لأن قول أحد المتبايعين مثلاً بعتكه بعشرة وقول المشتري بل بعشرين مثلاً افتراق في الكلام بلا شك، بخلاف ما لو قال اشتريته بعشرة فإنهما حينئذ متوافقان فيتعين ثبوت الخيار لهما حين يتفقان لا حين يفترقان وهو المدعى.
وأما قوله: المراد بالمتبايعين المتساومان فمردود لأنه مجاوز والحمل على الحقيقة أو ما يقرب منها أولى.
قال

البيضاوي: ومن نفى خيار المجلس ارتكب مجازين بحمله التفرق على الأقوال وحمله المتبايعين على المتساومين ( إلا بيع الخيار) استثناء من أصل الحكم أي إلا في بيع إسقاط الخيار فإن العقد يلزم وإن لم يتفرقا بعد فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وقد ذكر النووي اتفاق الأصحاب على ترجيح هذا التأويل وإن كثيرًا منهم أبطل ما سواه وغلطوا قائله انتهى.

وهو قول الجمهور وبه جزم الشافعي.
وممن رجحه من المحدثين البيهقي والترمذي وعبارته معناه أن يخير البائع المشتري بعد إيجاب البيع فإذا خيّره فاختار البيع فليس له بعد ذلك خيار في فسخ البيع وإن لم يتفرقا انتهى.

وقيل: الاستثناء من مفهوم الغاية أي إلا بيعًا شرط فيه خيار مدة فإن الخيار بعد التفرق يبقى إلى مضي المدة المشروطة، ورجح الأول بأنه أقل في الإضمار، وقيل هو استثناء من إثبات خيار المجلس أي إلا البيع الذي فيه أن لا خيار لهما في المجلس فيلزم البيع نفس العقد ولا يكون فيه خيار أصلاً وهذا أضعف هذه الاحتمالات.