فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا اشترى شيئا، فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا، ولم ينكر البائع على المشتري، أو اشترى عبدا فأعتقه

باب إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَوَهَبَ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يُنْكِرِ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ
وَقَالَ طَاوُسٌ فِيمَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ عَلَى الرِّضَا ثُمَّ بَاعَهَا وَجَبَتْ لَهُ وَالرِّبْحُ لَهُ.

هذا ( باب) بالتنوين ( إذا اشترى) شخص ( شيئًا فوهب) ذلك الشيء ( من ساعته) أي على الفور ( قبل أن يتفرقا ولم ينكر البائع) أي والحال أن البائع لم ينكر ( على المشتري) حتى ينقطع خياره بذلك ( أو اشترى) شخص ( عبدًا فأعتقه) من ساعته قبل أن يتفرقا.

( وقال طاوس) هو ابن كيسان اليماني الحميري فيما وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق من طريق ابن طاوس عن أبيه نحوه ( فيمن يشتري السلعة على الرضا) أي على شرط أنه لو رضي به أجاز العقد ( ثم باعها وجبت له) المبايعة أو السلعة قاله البرماوي كالكرماني.
قال العيني: رجوع الضمير الذي في وجب إلى السلعة ظاهر وأما إلى المبايعة فبالقرينة الدالّة عليه، وفي نسخة الصاعاني وجب له البيع ( والربح له) وأيضًا وسقط والربح له لغير ابن عساكر.



[ قــ :2031 ... غــ : 2115 ]
- وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ.
قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: بِعْنِيهِ، فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ".
[الحديث 2115 - طرفاه في: 2610، 2611] .

( وقال الحميدي) بضم الحاء المهملة وفتح الميم عبد الله بن الزبير، ولابن عساكر وقال لنا الحميدي فأسنده إلى المؤلّف، وقد جزم الإسماعيلي وأبو نعيم بأنه علقه ووصله المؤلّف من وجه آخر في الهبة عن سفيان وكذا هو موصول أيضًا في مسند الحميدي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا عمرو) بفتح العين ابن دينار ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيينه ( فكنت على بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ولد الناقة أوّل ما يركب ( صعب) صفة لبكر أي نفور لكونه لم يذلل كان ( لعمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويردّه ثم يتقدم فيزجره عمر وبرده) ذكر ذلك بيانًا لصعوبة هذا البكر فلذا ذكره بالفاء ( فقال النبي--صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر) :
( بعنيه قال) عمر -رضي الله عنه- ( هو لك بل رسول الله قال بعنيه) ولأبي ذر: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بعنيه" ( فباعه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الهبة فاشتراه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو) أي الجمل ( لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت) من أنواع التصرفات.
وهذا موضع الترجمة فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهب ما ابتاعه من ساعته ولم ينكر البائع فكان قاطعًا لخياره لأن سكوته منزل منزلة قوله أمضيت البيع، وقول ابن التين: هذا تعسف من البخاري ولا يظن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهب ما فيه لأحد خيار ولا إنكار لأنه إنما بعث مبينًا.

أجيب عنه: بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد بين ذلك بالأحاديث السابقة المصرحة بخيار المجلس والجمع بين الحديثين ممكن بأن يكون بعد العقد فارق عمر بأن تقدمه أو تأخر عنه مثلاً ثم وهب وليس في الحديث ما يثبت ذلك ولا ينفيه فلا معنى للاحتجاج بهذه الواقعة العينية في إبطال ما دلّت عليه الأحاديث الصريحة من إثبات خيار المجلس، فإنها إن كانت متقدمة على حديث البيعان بالخيار فحديث البيعان قاضٍ عليها، وإن كانت متأخرة عنه حمل على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكتفى بالبيان السابق قاله في الفتح.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الهبة.




[ قــ :03 ... غــ : 116 ]
- قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:.

     وَقَالَ  اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بِعْتُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ

عُثْمَانَ مَالاً بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي الْبَيْعَ، وَكَانَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا وَجَبَ بَيْعِي وَبَيْعُهُ رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ غَبَنْتُهُ بِأَنِّي سُقْتُهُ إِلَى أَرْضِ ثَمُودٍ بِثَلاَثِ لَيَالٍ، وَسَاقَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاَثِ لَيَالٍ".

( قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله تعالى- ( وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الإسماعيلي وسقط قوله قال أبو عبد الله لابن عساكر: ( حدّثني) بالإفراد ( عبد الرحمن بن خالد) هو ابن مسافر الفهمي المصري ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن سالم بن عبد الله عن) أبيه ( عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: بعت من أمير المؤمنين عثمان) ولأبي ذر زيادة ابن عفان -رضي الله عنهما- ( مالاً) أرضًا أو عقارًا ( بالوادي) واد معهود عندهم أو وادي القرى وهو من أعمال المدينة ( بمال) بأرض أو عقار ( له بخيبر) حصن بلغة اليهود على نحو ست مراحل من المدينة من جهة الشمال والشرق ( فلما تبايعنا رجعت على عقبي) بكسر الموحدة بلفظ الإفراد ( حتى خرجت من بيته خشية أن يرادّني) بضم الياء وتشديد الدال المفتوحة يفاعلني وأصله يراددني ( البيع) أي يطلب استرداده مني وخشية منصوب على أنه مفعول له، ( وكانت السُّنّة) أي طريقة الشرع ( أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا) أي أن هذا هو السبب في خروجه من بيت عثمان وأنه فعل ذلك ليجب البيع ولا يبقى لعثمان -رضي الله عنه- خيار في فسخه.
( قال عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- ( فلما وجب بيعي وبيعه) أي لزم من الجانبين بالتفرق بالبدن ( رأيت أني قد غبنته) خدعته ( بأني سقته إلى أرض ثمود) يصرف ولا يصرف وهم قوم صالح وأرضهم قرب تبوك ( بثلاث ليالٍ) أي زدت المسافة التي بينه وبين أرضه التي صارت إليه على المسافة التي كانت بينه وبين أرضه التي باعها ثلاث ليال ( وساقني إلى المدينة بثلاث ليال) يعني أنه نقص المسافة التي بيني وبين أرضي التي أخذتها عن المسافة التي كانت بيني وبين أرضي التي بعتها ثلاث ليالٍ وإنما قال إلى المدينة لأنهما جميعًا كانا بها فرأى ابن عمر الغبطة في القرب من المدينة فلذا قال: رأيت أني قد غبنته.

وفيه أن الغبن لا يردّ به البيع وجواز بيع الأرض بالأرض وبيع العين الغائبة على الصفة، ومطابقته للترجمة من جهة أن للمتبايعين التفرق على حسب إرادتهما إجازة وفسخًا قاله الكرماني.