فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب كراهية السخب في السوق

باب كَرَاهِيَةِ السَّخَبِ فِي الأسواقِ
( باب كراهية السخب) بفتح السين المهملة والخاء المعجمة آخره موحدة ويجوز إبدال السين بالصاد المهملة لتقاربهما مخرجًا وهو رفع الصوت بالخصام ونحوه ( في الأسواق) .


[ قــ :2041 ... غــ : 2125 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّوْرَاةِ، قَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا".
تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ هِلاَلٍ.

     وَقَالَ  سَعِيدٌ عَنْ هِلاَلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ سَلاَمٍ: غُلْفٌ: كُلُّ شَىْءٍ فِي غِلاَفٍ، سَيْفٌ أَغْلَفُ، وَقَوْسٌ غَلْفَاءُ، وَرَجُلٌ أَغْلَفُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا قَالَهُ أَبُو عَبْدُ الله.
[الحديث 2125 - طرفه في: 4838] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وبنونين بينهما ألف العوقي بفتح الواو وبالقاف كان ينزل العوقة بطن من عبد القيس فنسب إليهم وهو باهلي بصري قال: ( حدّثنا فليح) هو ابن سليمان أبو يحيى الحراني واسمه عبد الملك وفليح لقبه قال: ( حدّثنا هلال) هو ابن عليّ على الأصح القرشي المدني ( عن عطاء بن يسار) بفتح التحتية والمهملة المخففة وبعد الألف راء أنه ( قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاصي -رضي الله عنهما- قلت) له ( أخبرني عن صفة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التوراة) لأنه كان قد قرأها ( قال) عبد الله ( أجل) بفتح الهمزة والجيم وباللام حرف جواب مثل نعم فيكون تصديقًا للمخبر وإعلامًا للمستخبر ووعد للطالب فيقع بعد نحو قام ونحو أقام زيد ونحو اضرب زيد أي فيكون بعد الخبر وبعد الاستفهام والطلب وقيل يختص بالخبر وهو قول الزمخشري وابن مالك وقيد المالقي الخبر بالمثبت والطلب بغير النهي.


وقال في القاموس: هي جواب كنعم إلا أنه أحسن منه في التصديق ونعم أحسن منه في الاستفهام انتهى.

وهذا قاله الأخفش كما في المغني لابن هشام.

قال الطيبي: وفي الحديث جاء جوابًا للأمر على تأويل قرأت التوراة هل وجدت صفة رسول الله يلى فيها فأخبرني.
قال: أجل ( والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن) أكد كلامه بمؤكدات الحلف بالله والجمل الاسمية ودخول أن عليها ودخول لام التأكيد على الخبر: ( { يا أيها النبي إنّا أرسلناك شاهدًا} ) لأمتك المؤمنين بتصديقهم وعلى الكافرين بتكذيبهم وانتصاب شاهدًا على الحال المقدرة من الكاف أو من الفاعل أي مقدرًا أو مقدرين شهادتك على من بعثت إليهم وعلى تكذيبهم وتصديقهم أي مقبولاً عند الله لهم وعليهم كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم ( { ومبشرًا} ) للمؤمنين ( { ونذيرًا} ) [الأحزاب: 45] للكافرين أو مبشرًا لللمطيعين بالجنة والعصاة بالنار أو شاهدًا للرسل قبله بالبلاغ وهذا كله في القرآن في سورة الأحزاب ( وحرزًا) بكسر الحاء المهملة وبعد الراء الساكنة زاي أي حصنًا ( للأميين) للعرب يتحصنون به من غوائل الشيطان أو من سطوة العجم وتغلبهم وسموا أميين لأن أغلبهم لا يقرؤون ولا يكتبون ( أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل) أي على الله لقناعته باليسير من الرزق واعتماده على الله في النصر والصبر على انتظار الفرج والأخذ بمحاسن الأخلاق واليقين بتمام وعد الله فتوكل عليه فسماه المتوكل ( ليس بفظّ) سيئ الخلق جافيًا ( ولا غليظ) قاسي القلب، وهذا موافق لقوله تعالى: { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159] ولا يعارض قوله تعالى: { واغلظ عليهم} [التوبة: 73، والتحريم: 9] لأن النفي محمول على طبعه الذي جبل عليه والأمر محمول على المعالجة أو النفي بالنسبة للمؤمنين والأمر بالنسبة للكفار والمنافقين كما هو مصرّح به في نفس الآية.
ويحتمل أن تكون هذه آية أخرى في التوراة لبيان صفته وأن تكون حالاً أما من المتوكل أو من الكاف في سميتك وعلى هذا يكون فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة ولو جرى على النسق الأول لقال: لست بفظ ( ولا سخّاب) بتشديد الخاء المعجمة بعد السين المهملة وهي لغة أثبتها الفرّاء وغيره، والصخاب بالصاد أشهر أي لا يرفع صوته على الناس لسوء خلقه ولا يكثر الصياح عليهم ( في الأسواق) بل يلين جانبه لهم ويبرفق بهم، وفيه ذم أهل السوق الذين يكونون بالصفة المذمومة من الصخب واللغط والزيادة في المدحة والذم لما يتبايعونه والإيمان الحانثة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "شر البقاع الأسواق لما يغلب على أهلها من هذه الأحوال المذمومة" ( ولا يدفع بالسيئة السيئة) هو كقوله تعالى: { ادفع بالتي هي أحسن السيئة} [المؤمنون: 96] ( ولكن يعفو ويغفر) ما لم تنتهك حرمات الله تعالى ( ولن يقبضه الله) يميته ( حتى يقيم به الملة العوجاء) ملة إبراهيم فإنها قد اعوجّت في أيام الفترة فزيدت ونقصت وغيرت عن استقامتها وأميلت بعد قوامها وما زالت كذلك حتى قام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقامها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كان عليه العرب من الشرك إثبات التوحيد ( بأن

يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح بها)
أي بكلمة التوحيد ( أعينًا عميًا) بضم العين وسكون الميم صفة لأعين، ولا تنافي بين هذا وبين قوله تعالى: { وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} [النمل: 81] لأنه دل إيلاء الفاعل المعنوي حرف النفي على أن الكلام في الفاعل، وذلك أنه تعالى نزله لحرصه على إيمان القوم منزلة من يدّعي استقلاله بالهداية فقال له: أنت لست بمستقل فيه بل إنك لتهدي إلى صراط مستقيم بإذن الله تعالى وتيسيره، وعلى هذا فيفتح معطوف على قوله يقيم أي يقيم الله تعالى بواسطته الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح بواسطة هذه الكلمة أعينًا عميًا ( وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا) بضم الغين وسكون اللام صفة لقلوبًا وصمًّا لآذانًا، ولأبي ذر: ويفتح بضم أوله مبنيًّا للمفعول بها أعين عمي وآذان صم وقلوب غلف بالرفع على ما لا يخفى.

( تابعه) أي تابع فليحًا ( عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال) هو ابن علي وهذه المتابعة وصلها في سورة الفتح، ( وقال سعيد) هو ابن أبي هلال مما وصله الدارمي في مسنده ويعقوب بن سفيان في تاريخه والطبراني جميعًا بإسناد واحد عن هلال المذكور في سند الحديث ( عن عطاء) هو ابن يسار ( عن ابن سلام) بتخفيف اللام عبد الله الصحابي وقد خالف سعيد هذا عبد العزيز وفليحًا في تعيين الصحابيّ.

قال الحافظ ابن حجر: ولا مانع أن يكون عطاء بن يسار حمله عن كلٍّ منهما فقد أخرجه ابن سعد من طريق زيد بن أسلم قال: بلغنا أن عبد الله بن سلام كان يقول فذكره، وسأذكر لرواية عبد الله بن سلام متابعات في تفسير سورة الفتح انتهى.

قلت: ولم أجد ما وعد به -رحمه الله- من التابعات في سورة الفتح، ولعله سها عن ذكر ذلك كغيره في كثير من الحوالات.
نعم وجد بخطه في تفسير سورة الفتح تنظر الفرجة ولم توجد غير فرجة ليس فيها كتابة فلعله أراد أن يكتب فيها ما وعد به أو غيره.

( غلف) بضم الغين وسكون اللام ( كل شيء في غلاف و) يقال ( سيف أغلف) إذا كان في غلاف، ( و) كذا يقال ( قوس غلفاء) إذا كانت في غلاف كالجعبة ونحوها، ( و) كذا ( رجل أغلف إذا لم يكن مختونًا قاله أبو عبد الله) أي البخاري وهو كلام أبي عبيدة في المجاز وهذا كلام وقع في رواية النسفيّ والمستملي كما قاله في الفتح، لكن قال: إنه قبل قوله تابعه والذي في الفرع تأخيره كما ترى وسقوطه في رواية ابن عساكر وزيادة.
قال أبو عبد الله لأبي ذر عن المستملي بدون هاء الضمير في قال.