فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا اشترى متاعا أو دابة، فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض

باب إِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا أَوْ دَابَّةً فَوَضَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: مَا أَدْرَكَتِ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنَ الْمُبْتَاعِ.

هذا ( باب) بالتنوين ( إذا اشترى) شخص ( متاعًا أو دابةً فوضعه) أي ترك المبيع ( عند البائع) فتلف أو تعيب ( أو مات) الحيوان ( قبل أن يقبض) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول بآفة سماوية انفسخ البيع في التالف والميت وسقط الثمن عن المشتري لتعذر القبض المستحق سواء عرضه البائع عليه فلم يقبله أو لا قاله الشيخ أبو حامد وغيره.

قال السبكي وينبغي أن يكون مرادهم إذا كان مستمرًا بيد البائع فإن أحضره ووضعه بين يدي المشتري فلم يقبله، فالأصح عند الرافعي وغيره أنه يحصل القبض ويخرج من ضمان البائع، وإذا أبرأه المشتري عن ضمان المبيع لو تلف أو أتلفه لم يبرأ لأنه إبراء عمّا لا يجب وانفساخه بتلف المبيع مقدّر به انتقال الملك إلى البائع قبيل التلف لا من العقد كالفسخ بالعيب فتجهيزه على البائع لانتقال الملك فيه إليه وزوائده المنفصلة الحادثة عنده كثمرة ولبن وبيض وصوف وكسب للمشتري لأنها

حدثت في ملكه وهي أمانة في يد البائع، وإتلاف المشتري للمبيع قبل قبضه ولو جاهلاً به قبض له ولا ينفسخ البيع بإتلاف الأجنبي لقيام بدله مقامه بل يتخير المشتري بين الفسخ والرجوع عليه بالقيمة أو المثل، وإذا اختار الفسخ رجع البائع على الأجنبي بالبدل، ولو تعيب المبيع قبل القبض بآفة كحمى وشلل ثبت للمشتري الخيار من غير أرش له لقدرته على الفسخ، ومذهب الحنفية كالشافعية في أن المبيع قبل قبضه من ضمان البائع وهو مذهب الحنابلة أيضًا، وعبارة المرداوي في الإنصاف: إذا تلف المبيع كله بآفة سماوية انفسخ العقد وكان من ضمان بائعه وكذا إن تلف بعضه، لكن هل يخير المشتري في باقيه أو يفسخ؟ فيه روايتا تفريق الصفقة إلا أن يتلفه آدمي فيخير المشتري بين فسخ العقد وبين إمضائه ومطالبة متلفه بالقيمة هذا المذهب مطلقًا نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.

( وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-) مما وصله الطحاوي والدارقطني من طريق الأوزاعي عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه: ( ما أدركت الصفقة حيًّا) أي ما كان عند العقد غير ميت أي موجودًا ( مجموعًا) صفة لحيًّا وغير منفصل عن المبيع فهلك بعد ذلك عند البائع ( فهو من المبتاع) أي من ضمان المشتري وليس عندهما لفظ مجموعًا وإسناد الإدراك إلى العقد مجاز وما شرطية فلذا دخلت الفاء في جوابها، واستدلّ به الطحاوي على أن ابن عمر كان يتم بالأقوال قبل التفرق بالأبدان وليس ذلك بلازم وكيف يحتج بأمر محتمل في معارضة أمر مصرّح به، فقد تقدم عن ابن عمر التصريح بأنه كان يرى الفرقة بالأبدان ونقل عنه هنا ما يحتمل التفرق بالأبدان قبل وبعد فحمله على ما بعده أولى جمعًا بين حديثيه.


[ قــ :2054 ... غــ : 2138 ]
- حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَىِ النَّهَارِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَرُعْنَا إِلاَّ وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا، فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ لأَمْرٍ حَدَثَ.
فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ.
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَاىَ، يَعْنِي عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ.
قَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ؟ قَالَ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: الصُّحْبَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ إِحْدَاهُمَا.
قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ".

وبه قال ( حدّثنا فروة بن أبي المغراء) فروة بفتح الفاء وسكون الراء المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء والمد واسمه معد يكرب قال: ( أخبرنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء قاضي الموصل ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: لقلّ يوم كان يأتي) أي والله لقل ما يأتي يوم ( على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا يأتي فيه بيت أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- ( أحد طرفي النهار) فاللام جواب قسم محذوف والاستثناء مفرغ واقع بعد نفي

مؤوّل لأن قل في معنى النفي والجملة الواقعة بعد أداة الاستثناء في محل نصب على أنها خبر كان وبيت نصب على المفعولية وأحد ظرف بتقدير في ( فلما أذن له) عليه السلام بضم الهمزة وكسر المعجمة ( في الخروج إلى المدينة لم يرعنا) بفتح التحتية وضم الراء وسكون العين المهملة من الروع وهو الفزع ( إلا وقد أتانا ظهرًا) يعني فاجأنا بغتة في غير الوقت الذي اعتدنا مجيئه فيه فأفزعنا ذلك وقت الظهر، ( فخبر) بضم الخاء المعجمة وكسر الموحدة المشددة ( به) عليه الصلاة والسلام ( أبو بكر) الصديق ( فقال ما جاءنا النبي) ولأبي ذر عن الكشميهني: ما جاءنا بالنبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الساعة إلا لأمر حدث) بفتحات، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: إلا من حدث أي من حادثة حدثت له، ( فلما دخل) عليه الصلاة والسلام ( عليه قال لأبي بكر) :
( أخرج من عندك) بفتح الهمزة وكسر الراء أمر من الإخراج ومن بفتح الميم مفعول أخرج، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ما عندك.
وقوله في التنقيح: والوجه من أي بالنون وتعقبه في المصابيح بأن ما قد تقع ويراد بها من يعقل نحو: { لما خلقت بيدي} [ص: 75] وسبحان ما سخركنّ لنا.
قال أبو حيان: هذا قول أبي عبيدة وابن درستويه وابن خروف ومكّي بن أبي طالب، ونسبه ابن خروف لسيبويه، ومن أدلتهم أيضًا: سبحان ما سبح الرعد بحمده، { ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 5] { والسماء وما بناها} [الشمس: 5] الآيات.

( قال: يا رسول الله إنما هما ابنتاي يعني عائشة وأسماء) -رضي الله عنهما- ( قال: أشعرت أنه قد أذن) بضم الهمزة وكسر المعجمة أي: أذن الله ( لي في الخروج) إلى المدينة ( قال) أبو بكر أريد ( الصحبة) معك عند الخروج ( يا رسول الله.
قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أنا أريد أو ألتمس ( الصحبة) أيضًا أو نلتها ويجوز الرفع فيهما خبر مبتدأ محذوف يقدر في كل ما يليق به ففي الأول مرادي الصحبة أو مسألتي الصحبة وفي الثاني مبذولة أو حاصلة لك أو نحوه ( قال) أبو بكر: ( يا رسول الله إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج) معك إلى المدينة قال في اللامع والمصابيح وغيرهما: ويروى عددتهما بغير همزة قال ابن التين: وصوابه بالهمزة لأنه رباعي، وتعقبه العيني بأن قوله رباعي إنما هو بالنسبة إلى عدد حروفه ولا يقال في مصطلح الصرفيين إلا ثلاثي مزيد فيه ( فخذ) يا رسول الله ( إحداهما.
قال)
عليه الصلاة والسلام.
( قد أخذتها) أي إحدى الناقتين.
قال ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام: هي الجدعاء ( بالثمن) .

قال المهلب: لم يكن آخذًا باليد ولا بالحيازة بل بالابتياع بالثمن وإخراجها عن ملك أبي بكر، لأن قوله قد أخذتها يوجب أخذًا صحيحًا وقبضًا من الصديق بالثمن الذي هو عوض، وتعقبه في فتح الباري: بأن ما قاله ليس بواضح لأن القصة ما سيقت لبيان ذلك فلذلك اختصر فيها قدر الثمن وصفة العقد فيحمل كل ذلك على أن الراوي اختصره لأنه ليس من غرضه، وكذلك اختصر صفة القبض فلا يكون فيه حجة في عدم اشتراط القبض.

ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة من حيث أن لها جزأين فدلالته على الأول ظاهرة لأنه لم يقبض الناقة بعد الأخذ بالثمن الذي هو كناية عن البيع وتركها عند أبي بكر، وأما الثاني وهو قوله أو مات قبل أن يقبض إما للإشعار بأنه لم يجد حديثًا على شرطه فيما يتعلق به وإما للإعلام بأن حكم الموت قبل القبض حكم الوضع عنده قياسًا عليه قاله الكرماني وغيره وأخذ ابن المنير منه جواز بيع الغائب، لأن قول أبي بكر: إن عندي ناقتين بالتنكير يدل على غيبتهما وعلى عدم سبق العهد بهما وهذا معارض بقوله في هذا الحديث في رواية ابن شهاب عن عروة.
قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين.

وهذا الحديث من أفراده، وأخرجه أيضًا في أول الهجرة مطوّلاً.