فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل، والبقر والغنم وكل محفلة


[ قــ :2064 ... غــ : 2148 ]
- حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَين أَنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ».
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ وَمُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَاعَ تَمْرٍ».
.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: "صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَهْوَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا".
.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: "صَاعًا مِنْ تَمْرٍ".
وَلَمْ يَذْكُرْ "ثَلاَثًا"، وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ.

وبه قال: ( حدّثنا ابن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف يحيى قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة المصري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز أنه قال: ( قال أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تصروا الإبل والغنم) بضم التاء وفتح الصاد وتشديد الراء بوزن تزكوا من صرى يصري تصرية كزكى يزكي تزكية وأصله تصريوا فاستثقلت الضمة على الياء فسكنت فالتقى ساكنان فحذف أْولهما وضم ما قبل الواو للمناسبة، والإبل على هذا نصب على المفعولية وما بعده عطف عليه وهذه الرواية الصحيحة.
وقال عياض: رويناه في غير مسلم عن بعضهم بفتح التاء وضم الصاد من صرّ يصرّ إذا ربط.
قال: وعن بعضهم بضم التاء وفتح الصاد بغير واو بصيغة الإفراد على البناء للمجهول وهو من الصر أيضًا، والإبل مرفوع به، والغنم عطف عليه والمشهور الأوّل.
قال أبو عبيد: لو كان من الصر لكانت مصرورة لم مصررة لا مصراة.


وأجيب: بأنه يحتمل أنها مصررة فأبدلت إحدى الراءين ألفًا نحو { دسّاها} [الشمس: 10] أصله دسسها فكرهوا اجتماع ثلاثة أحرف من جنس، وعلى هذا فلا مباينة بين تفسير الشافعي وبين رواية لا تصروا على ما صححوه على أنه قد سمع الأمران في كلام العرب، وذكر المؤلّف البقر في الترجمة ولم يقع له ذكر في الحديث إشارة إلى أنها في معنى الإبل والغنم في الحكم خلافًا لداود، وإنما اقتصر عليهما لغلبتهما عندهم.

( فمن ابتاعها) أي فمن اشترى المصراة ( بعد) بضم الدال أي بعد التصريح، وقيل بعد العلم بهذا النهي، وقال الحافظ الشرف الدمياطي فيما نقله الزركشي: أي بعد أن يحلبها كذا رواه ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج وبه يصح المعنى.
قال الزركشي: والبخاري رواه من جهة الليث عن جعفر بإسقاطها يعني بإسقاط زيادة بعد أن يحتلبها فأشكل المعنى، لكن رواه آخر الباب عن أبي الزناد عن الأعرج بلفظ: فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها فلا معنى لاستدراك الحافظ له من جهة ابن لهيعة وهو ليس من شرط الصحيح مع الاستغناء عنه بوجوده في الصحيح، وتعقب بأن قوله: إن إسقاط هذه الزيادة أوجب إشكال هذا المعنى فيه نظر وذلك أن نص حديث الليث كحديث أبي الزناد ولفظه.

( فإنه بخير النظرين) أي الرأيين ( بين أن يحتلبها) كذا في الفرع بفتح همزة أن وإثبات الفوقية بعد الحاء وبين مرقوم عليها علامة الحموي مصحح عليها وتحت العلامة علامة السقوط.
وفي الهامش مكتوب صوابه بعد أن يحتلبها أي وقت أن يحتلبها أي فالمشتري متلبس بخير النظرين في وقت حلبه لها.
وقال العيني كالحافظ ابن حجر: أن يحتلبها كذا في الأصل بكسر إن على أنها شرطية وجزم يحتلبها لأنه فعل الشرط، ولابن خزيمة والإسماعيلي من طريق أسد بن موسى عن الليث بعد أن يحتلبها بفتح أن ونصب يحتلبها اهـ.

والذي رأيته في فرعين لليونينية وسائر ما وقفت عليه من الأصول بفتح الهمزة والنصب، وزاد عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد فهو بالخيار ثلاثة أيام أخرجه الطحاوي، وظاهر قوله: بعد أن يحتلبها أن الخيار لا يثبت إلا بعد الحلب، والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور من الاطّلاع عليها لكن لما كانت التصرية لا تعلم غالبًا إلا بعد الحلب ذكره قيدًا في ثبوت الخيار فلو ظهرت التصرية بعد الحلب فالخيار ثابت.

( إن شاء أمسك) المصراة على ملكه ( وإن شاء ردّها وصاع تمر) بالنصب على أن الواو بمعنى مع أو لمطلق الجمع ولا يكون مفعولاً معه لأن جمهور النحاة على أن شرط المفعول معه أن يكون فاعلاً نحو جئت أنا وزيدًا.
وقوله: إن شاء أمسك الخ.
جملتان شرطيتان عطفت الثانية على الأولى ولا محل لهما من الإعراب إذ هما تفسيريتان أُتي بهما لبيان المراد بالنظرين ما هو.

وهذا الحديث أخرجه بقية الأئمة الستة.


( ويذكر) بضم أوّله مبنيًا للمفعول ( عن أبي صالح) ذكوان الزيات مما وصله مسلم ( ومجاهد) مما وصله البزار والطبراني في الأوسط ( والوليد بن رباح) بفتح الراء وتخفيف الموحدة وبعد الألف مهملة مما وصله أحمد بن منيع في مسنده ( وموسى بن يسار) بالتحتية وتخفيف السين المهملة مما وصله مسلم والأربعة ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صاع تمر) وقيل يكفي صاع قوت لحديث أبي داود: صاعًا من طعام، وهل يتخير بين الأقوات أو يتعين غالب قوت البلد؟ وجهان أصحهما الثاني، وعلى تعيين التمر وهو الصحيح عند الشافعية لو تراضيا على غيره من قوت أو غيره جاز ولو فقد التمر ردّ قيمته بالمدينة ذكره الماوردي وأقره الرافعي والنووي، ويتعين الصاع ولو قل اللبن فلا يختلف قدر التمر بقلّة اللبن وكثرته كما لا تختلف غرة الجنين باختلاف ذكورته وأُنوثته ولا أرش الموضحة باختلافها صغرًا أو كبرًا.

( وقال بعضهم) وصله مسلم عن قرّة ( عن ابن سيرين) عن أبي هريرة مرفوعًا ( صاعًا من طعام وهو بالخيار ثلاثًا) وهو وجه ضعيف عند الشافعية.

وأجيب عنه: بأنه محمول على الغالب وهو أن التصرية لا تظهر إلا بثلاثة أيام لا حالة نقص اللبن قبل تمامها على اختلاف العلف أو المأوى أو تبدل الأيدي أو غير ذلك وابتداء الثلاثة على القول بها من العقد وقيل من التفرق.

( وقال بعضهم) مما وصله مسلم أيضًا عن أيوب ( عن ابن سيرين) عن أبي هريرة مرفوعًا أيضًا: ( صاعًا من تمر ولم يذكر ثلاثًا والتمر أكثر) يعني أن الروايات الناصّة على التمر أكثر عددًا من الروايات التي لم تنص عليه أو أبدلته بذكر الطعام.




[ قــ :065 ... غــ : 149 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا من تمر.
وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُلَقَّى الْبُيُوعُ".
[الحديث 149 - طرفه في: 164] .

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا معتمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية ( قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان حال كونه ( يقول: حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن بن مل بتشديد اللام النهدي بالنون أسلم في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأدّى إليه الصدقات ( عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه) أنه ( قال) :
( من اشترى شاة محفلة) بفتح الفاء المشددة مصراة ( فردّها) أي فأراد ردّها ( فليردّ معها) إن كانت مأكولة وتلف لبنها ( صاعًا) زاد أبو ذر: ( من تمر) أي بدل اللبن الذي حلبه وإن زادت قيمته على قيمته ولو علم بها قبل الحلب ردّ ولا شيء عليه.

وهذا الحديث رواه الأكثرون عن معتمر بن سليمان موقوفًا، وأخرجه الإسماعيلي من طريق

عبيد الله بن معاذ عن معتمر بن سليمان مرفوعًا وذكر أن رفعه غلط.
قال ابن مسعود بالسند السابق:
( ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تُلقى البيوع) بضم التاء وفتح اللام والقاف المشددة مبنيًّا للمفعول والبيوع رفع نائب عن الفاعل وأصله تتلقى فحذفت إحدى التاءين والمعنى تستقبل أصحاب البيوع، ولأبي ذر: أن تلقى البيوع بفتح التاء والعين كما في فرع اليونينية.
وقال العيني: ويروى بالتخفيف.

ورجال الحديث كلهم بصريون إلا ابن مسعود، وفيه رواية الابن عن الأب والتابعي عن الصحابي، وأخرجه المؤلّف مفرقًا، وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة.




[ قــ :067 ... غــ : 150 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلاَ تُصَرُّوا الْغَنَمَ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ».

وبه قال: ( حدّثنا: عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لا تلقوا الركبان) بفتح التاء واللام والقاف وأصله لا تتلقوا فحذفت إحدى التاءين أي لا تستقبلوا الذين يحملون المتاع إلى البلد للاشتراء منهم قبل أن يقدموا الأسواق ويعرفوا الأسعار ( ولا يبيع) بالرفع على أن لا نافية، ولأبي ذر: ولا يبع بالجزم على النهي ( بعضكم على بيع بعض) في زمن الخيار ( ولا تناجشوا) أصله تتناجشوا حذفت إحدى التاءين، وقد مرّ أنه الزيادة في الثمن بلا رغبة ليغرّ غيره ( ولا يبيع) بالرفع، ولأبي ذر: ولا يبع بالجزم ( حاضر لبادٍ) هو أن يقول الحاضر لمن يقدم من البادية بمتاع ليبيعه بسعر يومه اتركه عندي لأبيعه لك بأغلى ( ولا تضروا الغنم) بضم أوّله وفتح ثانيه بوزن تزكوا والغنم نصب به وضبطه بعضهم بفتح أوّله وضم ثانيه من صرّ يصرّ إذا ربط وضبط آخر بضم أوّله وفتح ثانيه لكن بغير واو بصيغة الإفراد على البناء للمجهول وهو من الصر أيضًا، وعلى هذا فالغنم رفع والمشهور الأول كما مرّ.

وزاد في الرواية السابقة "الإبل" ( ومن ابتاعها) أي المصراة ( فهو) وفي السابقة فإنه ( بخير النظرين بعد أن يحتلبها) بفوقية بعد الحاء المهملة وكسر اللام، ولأبي ذر: يحلبها: بإسقاط الفوقية وضم اللام ( إن رضيها) أي المصراة ( أمسكها وإن سخطها ردّها صاعًا من تمر) ولو اشترى مصراة بصاع من تمر ردّها وصاع تمر إن شاء واستردّ صاعه.
قال القاضي وغيره: لأن الربا لا يؤثر في الفسوخ.
قال الأذرعي: واسترداد الصاع من البائع إن كان باقيًا بيده فلو تلف وكان من نوع ما لزم

المشتري ردّه فيخرج من كلام الأئمة أنهما يقعان في التقاص إن جوّزناه في المثليات كما هو الأصح المنصوص خلافًا للرافعي وغيره، ولو ردّ غير المصراة بعد الحلب بعيب فهل يردّ بدل اللبن وجهان.
أحدهما وبه جزم البغوي وصححه ابن أبي هريرة والقاضي وابن الرفعة نعم كالمصراة فيردّ صاع تمر.

وقال الماوردي: بل فيه اللبن لأن الصاع عوض لبن المصراة وهذا لبن غيرها.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضًا وكذا أبو داود والنسائي.