فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من باع نخلا قد أبرت، أو أرضا مزروعة أو بإجارة

باب مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً، أَوْ بِإِجَارَةٍ
( باب من) ولأبي ذر: قبض من ( باع نخلاً) اسم جنس يذكّر ويؤنّث والجمع نخيل ( قد أبرت) بضم الهمزة وتشديد الموحدة في الفرع يقال أبرتَ الشيء أؤبره تأبيرًا كعلمته أعلمه تعليمًا، وفي غيره أبرت بالتخفيف يقال أبرت النخل آبره أبرًا بوزن أكلت الشيء آكله أكلاً والجملة صفة لقوله نخلاً والتأبير التلقيح وهو أن يشق طلع الإناث ويؤخذ من طلع الفحول فيذر فيه ليكون ذلك بإذن الله أجود مما لم يؤبر وألحق بالنخل سائر الثمار وبتأبير كلها تأبير بعضها بتبعية غير المؤبر للمؤبر لما في تتبع ذلك من العسر والعادة الاكتفاء بتأبير البعض والباقي يتشقق بنفسه وينبث ريح المذكور إليه وقد لا يؤبر شيء ويتشقق الكل والحكم فيه كالمؤبر اعتبارًا بظهور المقصود وطلع المذكور يتشقق بنفسه ولا يشقق غالبًا ( أو) باع ( أرضًا مزروعة) زرعًا يؤخذ مرة واحدة كالبر والشعير ( أو) أخذ ( بإجارة) فثمرتها للبائع وإن قال بحقوقها لأنه ليس للدوام فأشبه منقولات الدار.


[ قــ :2117 ... غــ : 2203 ]
- قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:.

     وَقَالَ  لِي إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّ أَيُّمَا نَخْلٍ بِيعَتْ قَدْ أُبِّرَتْ لَمْ يُذْكَرِ الثَّمَرُ فَالثَّمَرُ لِلَّذِي أَبَّرَهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحَرْثُ، سَمَّى لَهُ نَافِعٌ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَ".
[الحديث 2203 - أطرافه في: 2204، 2206، 2379، 2716] .

( قال أبو عبد الله) البخاري ( وقال لي إبراهيم) أي على سبيل المذاكرة ( أخبرنا هشام) قال المزي إبراهيم هو ابن المنذر وهشام هو ابن سليمان المخزومي قال لأن ابن المنذر لم يسمع من هشام بن يوسف، وقال الحافظ ابن حجر في المقدمة: ويحتمل أن يكون إبراهيم هو ابن موسى الرازي وهشام هو ابن يوسف الصنعاني وجزم به في الشرح، وقال البرماوي كالكرماني وغيره: هو إبراهيم بن موسى الفراء الرازي الصغير وهشام هو ابن يوسف الصنعاني قال: ( أخبرنا ابن جريح) عبد الملك بن عبد العزيز ( قال: سمعت ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان ويقال اسم أبي مليكة زهير التميمي المدني ( يخبر عن نافع مولى ابن عمر أن) بفتح الهمزة وسقط لفظ أن لأبي ذر وزاد الأصيلي بعد قوله مولى ابن عمر أنه

قال: ( أيما نخل بيعت) بكسر الموحدة من غير ألف مبنيًّا للمفعول حال كونها ( قد أبرت) بتشديد الموحدة وتخفيف كما مر مبنيًّا للمفعول والجملة التي قبلها صفة ( لم يذكر الثمر) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول أيضًا والثمر نائب عن الفاعل والجملة حالية أيضًا أي والحال أنهم لم يتعرضوا للثمر بأن أطلقوا إذ لو اشترطوه للمشتري كان له لا للبائع وقوله أيما للشرط نحو { أيًّا ما تدعو فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 115] أي أيّ نخل من النخيل بيعت فلذلك دخلت الفاء في جوابها في قوله ( فالثمر للذي أبرها) لا للمشتري وذكر النخيل ليس بقيد وإنما ذكر لأن سبب ورود الحديث كان في النخل وفي معناه كل ثمر بارز كالعنب والتفاح إذا بيع أصله لم تدخل الثمرة إلا إن اشترطت.

وهذا الحديث رواه ابن جريح عن نافع موقوفًا، لكن قال البيهقي ونافع: ويروى حديث النخل عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( وكذلك العبد) إذا بيع وله مال على مذهب من يقول إنه يملك فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع أو إذا بيعت الأمة الحامل ولها ولد رقيق منفصل فهو للبائع وإن كان جنينًا لم يظهر بعد فهو للمشتري وهذا هو المناسب لما في الحديث من الثمرة، وهذا أيضًا موقوف على نافع.
وقال البيهقي: وحديث العبد يرويه نافع عن ابن عمر عن عمر موقوفًا.

( و) كذلك ( الحرث) بسكون الراء آخرهُ مثلثة أي الزرع فإنه للبائع إذا باع الأرض المزروعة ( سمى له) أي لابن جريج ( نافع هذه الثلاثة) الثمر والعبد والحرث وذلك موقوت على نافع كما ترى.




[ قــ :118 ... غــ : 04 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من باع نخلاً قد أبرت) بضم الهمزة وتشديد الموحدة ( فثمرتها للبائع) لا للمشتري وتترك في النخل إلى الجداد وعلى البائع السقي لحاجة الثمرة لأنها ملكه ويجبر عليه، ويمكن من الدخول للبستان لسقي ثمارها وتعهدها إن كان أمينًا وإلا نصب الحاكم أمينًا للسقي ومؤونته على البائع وتسقى بالماء المعد لسقي تلك الأشجار وإن كان للمشتري فيه حق كما نقله في المطلب عن ظاهر كلام الأصحاب، وقد جعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الثمر ما دام مستكنًا في الطلع كالولد في بطن الحامل إذا بيعت كان الحمل تابعًا لها فإذا ظهر تميز حكمه، ومعنى ذلك أن كل ثمر بارز يرى في شجره إذا بيعت أصول الشجر لم تدخل هذه الثمار في البيع ( إلا أن يشترط المبتاع) أي المشتري أن الثمرة تكون له ويوافقه البائع على ذلك فتكون للمشتري.

فإن قلت: اللفظ مطلق فمن أين يفهم أن المشتري اشترط الثمرة لنفسه؟ أجيب بأن تحقيق الاستثناء يبين المراد، وبأن لفظ الافتعال يدل أيضًا عليه يقال كسب لعياله واكتسب لنفسه، واستدل

بهذا الإطلاق على أنه يصح اشتراط بعض الثمرة كما يصح اشتراط كلها وكأنه قال: إلا أن يشترط المبتاع شيئًا من ذلك وهذه هي النكتة في حذف المفعول.

وقال ابن القاسم: لا يجوز له شرط بعضها.
ومفهوم الحديث أنها إذا لم تؤبر تكون الثمرة للمشتري إلا أن يشترطها البائع وكونها في الأول للبائع صادق بأن يشترط له أو يسكت عن ذلك وكونها في الثاني للمشتري صادق بذلك.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: سواء أبرت أم لم تؤبر هي للبائع وللمشتري أن يطالبه بقلعها عن النخل في الحال ولا يلزمه أن يصبر إلى الجداد، فإذا اشترط البائع في البيع ترك الثمرة إلى الجداد فالبيع فاسد لأنه شرط لا يقتضيه العقد.
قال أبو حنيفة: وتعليق الحكم بالإبار إما للتنبيه به على ما لم يؤبر أو لغير ذلك ولم يقصد به نفي الحكم عما سوى المذكور ولو اشترط المشتري الثمرة فهي له، وقال مالك: لا يجوز شرطها للبائع.

والحاصل أن مالكًا والشافعي استعملا الحديث لفظًا ودليلاً وأبا حنيفة استعمله لفظًا ومعقولاً لكن الشافعي يستعمل دلالته من غير تخصيص ويستعملها مالك مخصصة وبيان ذلك أن أبا حنيفة جعل الثمرة للبائع في الحالين وكأنه رأى أن ذكر الإبار تنبيه على ما قبل الإبار وهذا المعنى يسمى في الأصول معقول الخطاب، واستعمله مالك والشافعي على أن المسكوت عنه حكمه حكم المنطوق وهذا يسميه أهل الأصول دليل الخطاب قاله صاحب عمدة القاري ودلالة الحديث على القبض المذكور في الترجمة عن أبي ذر من حيث أن قبض المشتري للنخل صحيح، وإن كان ثمر البائع عليه ومعناه أن للبائع أن يقبض ثمر النخل إذا كان مؤبرًا.

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الشروط وكذا مسلم وأبو داود وأخرجه النسائي في الشروط وابن ماجة في التجارات.