فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي

باب إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَرَضِيَ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا اشترى) أحد ( شيئًا لغيره بغير إذنه) يعني بطريق الفضول ( فرضي) ذلك الغير بذلك الشراء بعد وقوعه.


[ قــ :2129 ... غــ : 2215 ]
- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَرَجَ ثَلاَثَةٌ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ الْمَطَرُ، فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ.
قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ.
فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ، فَأَجِيءُ بِالْحِلاَبِ فَآتِي بِهِ أَبَوَىَّ فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي.
فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ، فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ، قَالَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبِيْةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَىَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ.
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ.
قَالَ: فَفُرِجَ عَنْهُمْ.
.

     وَقَالَ  الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ لاَ تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتِ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً.
قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ.
.

     وَقَالَ  الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ، فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ.
فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنَّهَا لَكَ.
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا.
فَكُشِفَ عَنْهُمْ».
[الحديث 2215 - أطرافه في: 2272، 2333، 3465، 5974] .

وبه قال: ( حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي قال: ( حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد قال: ( أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( قال: أخبرني) بالإفراد ( موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أنه ( قال: خرج ثلاثة يمشون) ولأبي ذر عن الكشميهني ثلاثة نفر يمشون أي حال كونهم يمشون ( فأصابهم المطر) عطفه بالفاء على خرج ثلاثة وفي باب المزارعة أصابهم بإسقاط الفاء لأنه جزاء بينهما ( فدخلوا في غار) كهف وهو بيت منقور كائن ( في جبل فانحطّت عليهم صخرة) على باب غارهم وفي باب المزارعة فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل ( قال) عليه الصلاة والسلام.

( فقال بعضهم لبعض ادعوا الله) عز وجل ( بأفضل عمل عملتموه) في المزارعة فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله تعالى فادعوا الله بها لعله يفرّجها عنكم ( فقال أحدهم اللهمَّ) هو كقوله لمن قال أزيد هنا اللهم نعم أو اللهم لا كأنه ينادي الله تعالى مستشهدًا على ما قال من الجواب ( إني كان لي أبوان) أب وأم فغلب في التثنية وفي المزارعة اللهم إنه كان لي والدان ( شيخان كبيران) زاد في المزارعة ولي صبية صغار ( فكنت أخرج) إلى الرعى ( فأرعى) غنمي ( ثم أجيء) من الرعى ( فأحلب) ما يحلب من الغنم ( فأجيء بالحلاب) بكسر الحاء وتخفيف اللام الإناء الذي يحلب فيه ومراده هنا اللبن المحلوب فيه ( فأُتي به) أي بالحلاب ( أبويّ) أصله أبوان لي فلما أضافه إلى ياء المتكلم سقطت النون وانتصب على المفعولية قلبت ألف التثنية ياء وأدغمت الياء فأناولهما إياه ( فيشربان ثم أسقي الصبية) بكسر الصاد المهملة وإسكان الموحدة جمع صبي وفي المزارعة فبدأت بوالدي أسقيهما قبل بنيّ ( وأهلي وامرأتي) والمراد بالأهل هنا الأقارب كالأخ والأخت فلا يكون عطف امرأتي على أهلي من عطف الشيء على نفسه ( فاحتبست) أي تأخرت ( ليلة) من الليالي بسبب عارض عرض لي ( فجئت) لهما ( فإذا هما نائمان) مبتدأ وخبر فإذا للمفاجأة ( قال فكرهت أن أوقظهما) وفي المزارعة فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما وأكره أن أسقي الصبية ( والصبية يتضاغون) بالضاد والغين المعجمتين بوزن يتفاعلون أي يضجّون بالبكاء من الجوع ( عند رجليّ) بالتثنية وفي المزارعة عند قدمي ( فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما) أي شأني وشأنهما مرفوع اسم يزل وذلك خبر أو منصوب وهو الذي في اليونينية على أنه الخبر وذلك الاسم كما في قوله تعالى: { فما زالت تلك دعواهم} [الأنبياء: 15] ( حتى طلع الفجر) واستشكل تقديم الأبوين على الأولاد مع أن نفقة الأولاد مقدمة وأجيب باحتمال أن يكون في شرعهم تقديم نفقة الأصول على غيرهم ( اللهمَّ إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك) أي طلبًا لمرضاتك وانتصاب ابتغاء على أنه مفعول له أي لأجل ابتغاء وجهك أي ذاتك ( فافرج) بضم الراء فعل طلب ومعناه الدعاء من فرج يفرج من باب نصر ينصر ( عنا فرجة) بضم الفاء وسكون الراء ( نرى منها السماء قال ففرج عنهم) بقدر ما دعا فرجة ترى منها السماء وقوله ففرج بضم الفاء الثانية وكسر الراء.

- ( وقال) بالواو ولأبي الوقت فقال ( الآخر اللهمَّ إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء) الكاف زائدة أو أراد تشبيه محبته بأشد المحبات فأردتها على نفسها ( فقالت لا تنال ذلك) باللام قبل الكاف ولأبي ذر ذاك بالألف بدل اللام ( منها حتى تعطيها

مائة دينار)
كان مقتضى السياق أن يقال لا تنال ذلك مني حتى تعطيني لكنه من باب الالتفات ( فسعيت فيها) أي في المائة دينار ( حتى جمعتها) وفي الفرع حتى جئتها من المجيء وعزي الأول لأبي الوقت ( فلما) أعطيتها الدنانير وأمكنتني من نفسها ( قعدت بين رجليها) لأطأها ( قالت اتق الله) يا عبد الله ( ولا تفض الخاتم) بفتح المثناة الفوقية وفتح الضاد المعجمة ويجوز كسرها وهو كناية عن إزالة بكارتها ( إلا بحقه) أي لا تزل البكارة إلا بالنكاح الصحيح الحلال ( فقمت) من بين رجليها ( وتركتها) من غير فعل ( فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك) الترك ( ابتغاء وجهك) أي لأجل ذاتك ( فافرج عنّا) بضم الراء ( فرجة قال) ولأبي الوقت فقال ( ففرج) بفتحات أي ففرج الله ( عنهم الثلثين) من الموضع الذي عليه الصخرة.

( وقال الأخر) : وهو الثالث ( اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرًا) بلفظ الإفراد أي على عمل ( بفرق) بفتح الفاء والراء مكيال يسع ثلاثة آصع ( من ذرة) بضم الذال المعجمة وفتح الراء المخففة حب معروف ( فأعطيته) الفرق الذرة ( وأبى) أي امتنع ( ذلك) الأجير ( أن يأخذ) الفرق وفي المزارعة فلما قضى عمله قال أعطني حقي فعرضت عليه فرغب عنه وفي باب الإجارة استأجرت أُجَراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب ( فعمدت) بفتح الميم أي قصدت ( إلى ذلك الفرق فزرعته) وفي المزارعة فلم أزل أزرعه ( حتى اشتريت منه بقرًا وراعيها) بالنصب عطفًا على المفعول السابق ولغير أبي ذر وراعيها بالسكون ( ثم جاء) الأجير المذكور ( فقال) لي ( يا عبد الله أعطني حقي) بهمزة قطع ( فقلت) له ( انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك) وسقط لأبي ذر فإنها لك ( فقال) لي ( أتستهزئ بي قال فقلت) له وفي بعض الأصول قلت ( ما أستهزئ بك ولكنها لك) وفي
أحاديث الأنبياء فساقها وفي المزارعة فخذه فأخذه وفي الإجارة فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئًا ( اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك) الإعطاء ( ابتغاء وجهك) ذاتك المقدّسة ( فافرج عنّا) بضم الراء ( فكشف عنهم) بضم الكاف وكسر المعجمة أي كشف الله عنهم باب الغار زاد في الإجارة فخرجوا يمشون.

وموضع الترجمة من هذا الحديث قوله إني استأجرت الخ فإن فيه تصرف الرجل في مال الأجير بغير إذنه فاستدلّ به المؤلّف -رحمه الله تعالى- على جواز بيع الفضولي وشرائه وطريق الاستدلال به ينبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا والجمهور على خلافه لكن تقرر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساقه سياق المدح والثناء على فاعله وأقره على ذلك ولو كان لا يجوز لبينه فبهذا التقرير يصح الاستدلال به لا بمجرد كونه شرع من قبلنا والقول بصحة بيع الفضولي هو مذهب المالكية وهو القول القديم للشافعي -رضي الله عنه- فينعقد موقوفًا على إجازة المالك إن أجازه نفذ وإلاّ لغا والقول الجديد بطلانه لأنه ليس بمالك ولا وكيل ولا وليّ ويجري القولان فيما لو اشترى لغيره بلا إذن بعين ماله أو في ذمته وفيما لو زوّج أمة غيره أو ابنته أو طلّق منكوحته أو أعتق عبده أو آجر دابّته بغير إذنه وقد أجيب عمّا وقع هنا بأن الظاهر أن الرجل الأجير لم يملك الفرق لأن الستأجر لم يستأجره بفرق معين وإنما استأجره بفرق في

الذمة فلما عرض عليه قبضه امتنع لرداءته فلم يدخل في ملكه بل بقي في حقه متعلقًا بذمّة المستأجر لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح فالنتاج الذي حصل على ملك المستأجر تبرع به للأجير بتراضيهما وغاية ذلك أنه أحسّ القضاء فأعطاه القضاء حقه وزيادات كثيرة ولو كان الفرق تعين للأجير لكان تصرف المستأجر فيه تعديًّا ولا يتوسل إلى الله بالتعدي وإن كان مصلحة في حق صاحب الحق وليس أحد في حجر غيره حتى يبيع أملاكه ويطلق زوجاته ويزعم أن ذلك أحظى لصاحب الحق وإن كان أحظى فكل أحد أحق بنفسه وماله من الناس أجمعين.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الإجارة والمزارعة وأحاديث الأنبياء ومسلم في التوبة والنسائي في الرقائق.