فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب السلم في كيل معلوم

كتاب السلم
( بسم الله الرحمن الرحيم) .
( كتاب السلم) بفتح السين واللام السلف.
قال النووي: وذكروا في حد السلم عبارات أحسنها أنه عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلاً بمجلس البيع سمي سلمًا لتسليم رأس المال في المجلس وسلفًا لتقديم رأس المال، وأورد عليه أن اعتبار التعجيل شرط لصحة السلم لا ركن فيه.
وأجيب: بأن ذلك رسم لا يقدح فيه ما ذكر وأجمع المسلمون على جواز السلم انتهى.
وفي التلويح: وكرهت طائفة السلم، وروي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنه كان يكرهه والأصل في جوازه قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] قال ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحلّه الله في كتابه ثم تلا الآية، وفيه ما يدل على ذلك وهو قوله تعالى: { إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} [البقرة: 282] وهذا في البيع الناجز فدلّ على أن ما قبله في الموصوف غير الناجز، واختلف في بعض شروطه مع الاتفاق على أنه يشترط له ما يشترط للبيع وعلى تسليم رأس المال في المجلس قاله في فتح الباري وهذا فيه نظر فإن مذهب المالكية يجوز تأخيره كله أو بعضه إلى ثلاثة أيام على المشهور لخفة الأمر في ذلك، وقيل لا يجوز للدين بالدين وعلى القول باشتراط تسليم رأس المال في المجلس لو تفرقا بعد قبض البعض صحّ فيه بقسطه ويشترط أيضًا في السلم كون المسلم فيه دينًا لأنه الذي وضع له لفظ المسلم.
فإن قال: أسلمت إليك ألفًا في هذا العبد مثلاً أو أسلمت إليك هذا العبد في هذا الثوب فليس بسلم لانتفاء شرطه ولا بيعًا لاختلال لفظه لأن لفظ السلم يقتضي الدينية ويشترط أيضًا القدرة على التسليم للمسلم إليه وقت الوجوب، فإن أسلم فيما يعدم وقت الحلول كالرطب في الشتاء أو فيما يعز وجوده لقلته كاللآلي الكبار فلا يصح وكذا يشترط بيان محل تسليم المسلم فيه المؤجل، وإنما يشترط بيانه فيما لحمله مؤونة وأن يقدر بالكيل أو الوزن أو الذرع أو العد كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وأن يصفه بما ينضبط به على وجه لا يعز وجوده فلا يصح في المختلطات المقصودة الأركان التي لا تنضبط قدرًا وصفة كالهريسة والحلوى والعجونات فهذه ستة شروط للسلم زائدة على البيع.


باب السَّلَمِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ
( باب السلم في كيل معلوم) أي فيما يكال.

وقد وقعت البسملة متوسطة بين كتاب وباب وقدّمها على الكتاب في رواية المستملي، وأخّرها النسفيّ عن الباب وحذف كتاب السلم كذا قاله الحافظ ابن حجر.


[ قــ :2151 ... غــ : 2239 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ -أَوْ قَالَ عَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، شَكَّ إِسْمَاعِيلُ- فَقَالَ: مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ".

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ بِهَذَا.
"فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ".

[الحديث 2239 - أطرافه في: 2240، 2241، 2253] .

وبه قال: ( حدّثنا) وبالإفراد لأبي ذر ( عمرو بن زرارة) بفتح العين وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف أبو محمد بن واقد قال: ( أخبرنا إسماعيل ابن علية) بضم العين وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أمه واسم أبيه إبراهيم بن سهم الأسدي قال ( أخبرنا ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة اسمه عبد الله واسم أبيه يسار ( عن عبد الله بن كثير) بالمثلثة أحد القراء السبعة المشهور فيما جزم به المزي والقابسي وعبد الغني أو هو ابن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي فيما جزم به ابن طاهر والكلاباذي والدمياطي وكلاهما ثقة ( عن أبي المنهال) عبد الرحمن بن مطعم الكوفي وليس هو بأبي المنهال سيار البصري ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة والناس) أي والحال أن الناس ( يسلفون) بضم أوله من أسلف ( في الثمر) بالمثلثة وفتح الميم ( العام والعامين) بالنصب على الظرفية ( أو قال عامين أو ثلاثة شك إسماعيل) أي ابن علية ولم يشك سفيان فقال وهم يسلفون في الثمر السنتين والثلاثة ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( من سلف) بتشديد اللام ( في ثمر) بالمثناة وسكون الميم وفي رواية ابن عيينة من أسلف في شيء وهو أشمل.
وقال البرماوي والعيني كالكرماني وفي بعضها أي نسخ البخاري أو رواياته ثمر

بالمثلثة، والظاهر أنهم تبعوا في ذلك قول النووي في شرح مسلم وفي بعضها بالمثلثة وهو أعم لكن الكلام في رواية البخاري هل فيها بالمثلثة فالله أعلم ولغير أبي ذر زيادة كيل ( فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم) .

قال في المصابيح: انظر قوله عليه الصلاة والسلام في جواب هذا فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم مع أن المعيار الشرعي في التمر بالمثناة الكيل لا الوزن انتهى.

وهذا قد أجابوا عنه بأن الواو بمعنى أو والمراد اعتبار الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن.

وقال النووى في شرح مسلم: معناه إن أسلم كيلاً أو وزنًا فليكن معلومًا وفيه دليل لجواز
السلم في المكيل وزنًا وهو جائز بلا خلاف، وفي جواز السلم في الموزون كيلاً وجهان لأصحابنا أصحهما جوازه كعكسه انتهى.

وهذا بخلاف الربويات لأن المقصود هنا معرفة القدر وهناك المماثلة بعادة عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحمل الإمام إطلاق الأصحاب جواز كيل الموزون على ما يعد الكيل في مثله ضابطًا حتى لو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلاً لم يصح لأن للقدر اليسير منه مالية كثيرة والكيل لا يعدّ ضابطًا فيه.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في السلم ومسلم في البيوع وكذا أبو داود والترمذي، وأخرجه النسائي فيه وفي الشروط وابن ماجة في التجارات.

وبه قال: ( حدّثنا) وبالإفراد لأبي ذر ( محمد) غير منسوب قال الجياني هو ابن سلام وبه جزم الكلاباذي قال: ( أخبرنا إسماعيل) بن علية ( عن ابن أبي نجيح) عبد الله بن يسار ( بهذا) الحديث المذكور ( في كيل معلوم ووزن معلوم) الواو بمعنى أو لأنّا لو أخذناه على ظاهرها من معنى الجمع لزم أن يجمع في الشيء الواحد بين المسلم فيه كيلاً ووزنًا وذلك يفضي إلى عزة الوجود وهو مانع من صحة السلم فتعين الحمل على التفصيل.