فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الإجارة من العصر إلى الليل

باب الإِجَارَةِ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ
( باب الإجارة من العصر) من أول وقته ( إلى) أول دخول ( الليل) .


[ قــ :2178 ... غــ : 2271 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلاً يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا لَهُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ.
فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَفْعَلُوا، أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلاً، فَأَبَوْا وَتَرَكُوا، وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ فَقَالَ: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَ هَذَا وَلَكُمَا الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ فَعَمِلُوا، حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَالوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ

الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ.
فَقَالَ لَهُم: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ عَمَلِكُمَا فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَىْءٌ يَسِيرٌ، فَأَبَوا، وَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن العلاء) بفتح العين والمد أبو كريب الهمداني الكوفي قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية ( عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر ( عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا) هم اليهود وهو من باب القلب أي كمثل قوم استأجرهم رجل أو هو من باب تشبيه المركب بالمركب لا تشبيه المفرد بالمفرد فلا اعتبار إلا بالمجموعين إذ التقدير مثل الشارع معكم كمثل رجل مع آخر ( يعملون له عملاً يومًا إلى الليل على أجر معلوم) أي على قيراطين ( فعملوا له إلى نصف النهار فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا) إشارة إلى أنهم كفروا وتولوا واستغنى الله عنهم وهذا من إطلاق القول وإرادة لازمه ترك العمل المعبر به عن ترك الإيمان ( وما عملنا باطل) إشارة إلى إحباط عملهم بكفرهم بعيسى إذ لا ينفعهم الإيمان بموسى وحده بعد بعثة عيسى ( فقال لهم: لا تفعلوا) إبطال وترك الأجر المشروط ( أكملوا) وللأبوين فقال أكملوا ( بقية عملكم وخذوا أجركم كاملاً فأبوا وتركوا واستأجروا آخرين) بخاء معجمة فراء مكسورة وهم النصارى ( بعدهم فقال) لهم ( أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت لهم) أي لليهود ( من الأجر) وهو القيراطان ( فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر) بنصب حين على أنه خبر كان الناقصة واسمها ضمير مستتر فيها يعود على انتهاء عملهم المفهوم من السياق وبالرفع على أنه فاعل كان التامة ( قالوا: لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه) فكفروا وتولوا وحبط عملهم كاليهود ( فقال لهم: أكملوا بقية عملكم فإن ما بقي من النهار شيء يسير) بالنسبة لما مضى منه، والمراد ما بقي من الدنيا ( فأبوا) أن يعملوا وتركوا أجرهم، وفي رواية غير أبوي ذر والوقت: واستأجر أجيرين بجيم مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فراء مفتوحة على التثنية فقال لهما أكملا بقية يومكما هذا ولكما الذي شرطت لهم من الأجر فعملا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالا لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه فقال لهما أكملا بقية عملكما فإن ما بقي من النهار شيء يسير فأبيا.

وفي حديث ابن عمر السابق أنه استأجر اليهود من أول النهار إلى نصفه والنصارى منه إلى العصر فبين الحديثين مغايرة.


وأجيب: بأن ذلك بالنسبة إلى من عجز عن الإيمان بالموت قبل ظهور دين آخر، وهذا بالنسبة إلى من أدرك دين الإسلام ولم يؤمن به والظاهر أنهما قضيتان، وقد قال ابن رشيد ما حاصله: إن حديث ابن عمر سيق مثالاً لأهل الأعذار لقوله فعجزوا فأشار إلى أن من عجز عن استيفاء العمل من غير أن يكون له صنيع في ذلك أن الأجر يحصل له تامًّا بفضل الله قال: وذكر حديث أبي موسى مثالاً لمن أخّر لغير عذر وإلى ذلك الإشارة بقوله عنهم لا حاجة لنا إلى أجرك فأشار بذلك إلى أن من أخّر عامدًا لا يحصل له ما حصل لأهل الأعذار انتهى.

ووقع في رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه الماضية في باب من أدرك ركعة من العصر الآتية إن شاء الله تعالى في التوحيد ما يوافق رواية أبي موسى ولفظها: فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا، وقال في أهل الإنجيل؛ فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا فهو يدل على أن مبلغ الأجرة لليهود لعمل النهار كله قيراطان، وأجر النصارى للنصف الباقي قيراطان فلما عجزوا عن العمل قبل تمامه لم يصيبوا إلا قدر عملهم وهو قيراط.

( واستأجر) بالواو ولأبي ذر: فاستأجر بالفاء ( قومًا) هم المسلمون ( أن يعملوا له بقية يومهم فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين) اليهود والنصارى ( كليهما) بإيمانهم بالأنبياء الثلاثة محمد وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم وحكى السفاقسي أن في روايته كلاهما بالألف وهو على لغة من يجعل المثنى في الأحوال الثلاثة بالألف ( فذلك مثلهم) أي المسلمين ( ومثل ما قبلوا من هذا النور) المحمدي وللإسماعيلي فذلك مثل المسلمين الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسوله ومثل اليهود والنصارى تركوا ما أمرهم الله به، واستدلّ به على أن بقاء هذه الأمة يزيد على الألف لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين، وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى البعثة المحمدية كانت أكثر من ألفي سنة ومدة النصارى من ذلك ستمائة سنة وقيل أقل فتكون مدة المسلمين أكثر من ألف سنة قطعًا قاله في الفتح.