فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الحوالة، وهل يرجع في الحوالة؟

كتاب الحوالات
( بسم الله الرحمن الرحيم) .
( الحوالات) بالجمع وفتح الحاء وقد تكسر وهي نقل دين من ذمة إلى ذمة أخرى وفي رواية أبي ذر عن المستملي كما في الفرع وأصله كتاب الحوالات بسم الله الرحمن الرحيم.
وقال الحافظ ابن حجر: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحوالة كذا للأكثر وزاد النسفيّ والمستملي بعد البسملة كتاب الحوالة.


باب فِي الْحَوَالَةِ.
وَهَلْ يَرْجِعُ فِي الْحَوَالَةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: إِذَا كَانَ يَوْمَ أَحَالَ عَلَيْهِ مَلِيًّا جَازَ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَخَارَجُ الشَّرِيكَانِ وَأَهْلُ الْمِيرَاثِ فَيَأْخُذُ هَذَا عَيْنًا وَهَذَا دَيْنًا، فَإِنْ تَوِيَ لأَحَدِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ.

هذا ( باب) بالتنوين ( في الحوالة وهل يرجع) المحيل ( في الحوالة) أم لا فإن قلنا إنها عقد لازم لا يرجع.

ولها ستة أركان محيل ومحتال ومحال عليه ودين للمحتال على المحيل ودين للمحيل على المحال عليه وصيغة.

وهي بيع دين بدين جوّز للحاجة ولهذا لم يشترط التقابض في المجلس وإن كان الدينان ربويين فهي بيع لأنها إبدال مال بمال فإن كلاًّ من المحيل والمحتال يملك بها ما لم يملكه قبلها لا استيفاء لحق بأن يقدر أن المحتال استوفى ما كان له على المحيل وأقرضه المحال عليه.

وشروطها رضا المحيل والمحتال لأن للمحيل إيفاء الحق من حيث شاء فلا يلزم بجهة وحق المحتال في ذمة المحيل فلا ينتقل إلا برضاه ومعرفة رضاهما بالصيغة ولا يشترط رضا المحال عليه لأنه
محل الحق والتصرف كالعبد المبيع ولأن الحق للمحيل فله أن يستوفيه بغيره كما لو وكل غيره بالاستيفاء والإيجاب والقبول كما في البيع وأن تكون الحوالة بدين لازم فلو أحال على من لا دين عليه لم تصح الحوالة ولو رضي بها لعدم الاعتياض إذ ليس عليه شيء يجعله عوضًا عن حق المحتال فإن تطوّع بأداء دين المحيل كان قاضيًا دين غيره وهو جائز ويشترط أيضًا اتفاق الدينين جنسًا وقدرًا وحلولاً وتأجيلاً وصحة وتكسيرًا وجودة ورداءة وقال المالكية ولا يشترط رضا المحال عليه على المشهور خلافًا لابن شعبان وعلى المشهور فيشترط في ذلك السلامة من العداوة وهو قول مالك، وحقيقتها أن تكون على أصل دين فإن لم تكن على أصل دين انقلبت حمالة ولو كانت بلفظ الحوالة واشتراط الحنفية رضا المحال عليه لتفاوت الناس في الاقتضاء فلعل المحال عليه أعسر وأفلس فيشترط رضاه دفعًا للضرر عنه.
وقال الحنابلة: ولا يعتبر رضا محتال إن كان المحال عليه مليًّا ولو
ميتًا قاله في الرعاية.

( وقال الحسن) البصري ( وقتادة) مما وصله ابن أبي شيبة والأثرم واللفظ له وقد سئلا عن رجل أحال على رجل فأفلس فقالا: ( إذا كان) المحال عليه ( يوم أحال عليه مليًّا) أصله مليئًا بالهمزة بعد الياء الساكنة فأبدلت الهمزة ياء وأدغمت الياء في الياء أي غنيًّا وجواب إذا قوله: ( جاز) أي الفعل وهو الحوالة وليس له أي للمحتال أن يرجع على المحيل ومفهومه: أنه إذا كان مفلسًا يوم الحوالة له الرجوع ومذهب الشافعي أن المحتال لا يرجع بحال حتى لو أفلس المحال عليه ومات أو لم يمت أو جحد وحلف لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل كما لو تعوّض عن الدين ثم تلف الدين في يده وكذا لو بان المحال عليه عبدًا لغير المحيل بل يطالبه بعد العتق.
وقال الحنابلة: يرجع على المحيل إذا شرط ملاءة المحال عليه فتبين مفلسًا، وقال المالكية يرجع عليه فيما إذا حصل منه غرور بأن يكون إفلاس المحال عليه مقترنًا بالحوالة وهو جاهل به مع علم المحيل به، وقال الحنفية: يرجع عليه إذا
توى حقه والتوى عند أبي حنيفة إما أن يجحد الحوالة ويحلف ولا بيّنة عليه أو يموت مفلسًا.
وقال محمد وأبو يوسف يحصل التوي بأمر ثالث وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه في حال حياته.

( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه: ( يتخارج الشريكان) إذا كان لهما دين على إنسان فأفلس أو مات أو جحد وحلف حيث لا بيّنة يخرج هذا الشريك مما وقع في نصيب صاحبه وذلك الآخر كذلك في القسمة بالتراضي بغير قرعة مع استواء الدين ( و) كذا يتخارج ( أهل الميراث فيأخذ هذا عينًا وهذا دينًا فإن توي) بفتح المثناة الفوقية وكسر الواو على وزن قوي من توي المال يتوى من باب علم يعلم إذا هلك أي فإن هلك ( لأحدهما) شيء مما أخذه ( لم يرجع على صاحبه) لأنه رضي بالدين عوضًا فتوي في ضمانه كما لو اشترى عينًا فتلفت في يده وقد ألحق المؤلّف الحوالة بذلك وكذلك الحكم بين الورثة كما أشار إليه بقوله وأهل الميراث.


[ قــ :2194 ... غــ : 2287 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ».
[الحديث 2287 - طرفاه في: 2288، 2400] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( مطل) المديان ( الغني) القادر على وفاء الدين ربه بعد استحقاقه ( ظلم) محرم عليه وخرج بالغني العاجز عن الوفاء، والمطل أصله المدّ تقول مطلت الحديدة أو مطلها إذا مددتها لتطول، والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر ولفظ المطل يشعر بتقدم الطلب فيؤخذ منه أن الغني لو أخّر الدفع مع عدم طلب صاحب الحق له لم يكن ظالمًا، وقد حكى أصحابنا وجهين في وجوب الأداء مع القدرة من غير طلب من رب الدين فقال إمام الحرمين في الوكالة من النهاية وأبو المظفر السمعاني في القواطع في أصول الفقه والشيخ عز الدّين بن عبد السلام في القواعد الكبرى لا يجب الأداء إلا بعد الطلب وهو مفهوم تقييد النووي في التفليس بالطلب، والجمهور على أن قوله "مطل الغني ظلم" من باب إضافة المصدر للفاعل كما سبق تقريره، وقيل هو من إضافة المصدر للمفعول والمعنى أنه يجب وفاء الدين وإن كان مستحقه غنيًّا ولا يكون سببًا لتأخيره عنه، وإذا كان كذلك في حق الغني فهو في حق الفقير أولى.

قال الحافظ زين الدين العراقي: وهذا فيه تعسف وتكلف ولو لم يكن له مال لكنه قادر على التكسب فهل يجب عليه ذلك لوفاء الدين؟ أطلق أكثر أصحابنا ومنهم الرافعي والنووي أنه ليس عليه ذلك، وفصل الفراوي فيما حكاه ابن الصلاح في فوائد الرحلة بين أن يلزمه الدين بسبب هو به عاصٍ فيجب عليه الاكتساب لوفائه أو غير عاصٍ فلا.
قال الأسنوي: وهو واضح لأن التوبة مما فعله واجبة وهي متوقفة في حقوق الآدميين على الردّ انتهى.

قال ابن العراقي: ولو قيل بوجوب التكسُّب مطلقًا لم يبعد كالتكسب لنفقة الزوجة وكما أن القدرة على الكسب كالمال في منع أخذ الزكاة يبقى النظر في أن لفظ هذا الحديث هل يتناوله إن فسّرنا الغنى بالمال فلا وإن فسّرناه بالقدرة على وفاء الدين فنعم وكلامهم فيمن ماله غائب يوافق الثاني، وفي رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند النسائي وابن ماجة المطل ظلم والمعنى أنه من الظلم وأطلق ذلك للمبالغة في التنفير عن المطل.

( فإذا أتبع أحدكم) بضم الهمزة وسكون المثناة الفوقية وكسر الموحدة مبنيًّا للمفعول ( على ملي) بتشديد المثناة التحتية وضبطها الزركشي بالهمزة وقال الغنيّ من الملاءة.

وقال في المصابيح: وظاهره أن الرواية كذلك فينبغي تحريرها ولم أظفر بشيء انتهى.


والذي في الفرع وجميع ما وقفت عليه من الأصول المعتمدة بدون الهمزة وهو الذي رويناه وذكر هذه الجملة عقب ما قبلها يشعر بأن الأمر بقبول الحوالة معلل بكون مطل الغني ظلمًا.

قال ابن دقيق العيد: ولعل السبب فيه أنه إذا تقرر كونه ظلمًا والظاهر من حال المسلم الاحتراز عنه فيكون ذلك سببًا للأمر بقبول الحوالة عليه لأن به يحصل المقصود من غير ضرر المطل، ويحتمل أن يكون ذلك لأن المليّ لا يتعذر استيفاء الحق منه عند الامتناع بل يأخذه الحاكم قهرًا ويوفيه ففي قبول الحوالة عليه يحصل الغرض من غير مفسدة في الحق قال: والمعنى الأول أرجح لما فيه من بقاء معنى التعليل بكون المطل ظلمًا وعلى هذا المعنى الثاني تكون العلة عدم وفاء الحق لا الظلم انتهى.

والمعنى الأول هو الذي اقتصر عليه الرافعي، وقال ابن الرفعة في المطلب وهذا إذا كان الوصف بالغنى يعود إلى من عليه الدين، وقد قيل إنه يعود إلى من له الدّين وعلى هذا لا يحتاج أن يذكر في التقديرين الغني انتهى.

قال البرماوي: وقد يدعى أن في كلٍّ منهما بقاء للتعليل بكون المطل ظلمًا لأنه لا بدّ في كلٍّ منهما من حذف بذكره يحصل الارتباط فيقدر في الأول مطل الغني ظلم والمسلم في الظاهر يجتنبه فمن أتبع على مليّ فينبغي أن يتبعه وفي الثاني مطل الغني ظلم والظلم تزيله الحكام ولا تقره فمن اتبع على مليّ فليتبع ولا يخش من المطل ويشبه كما قال الأذرعي أنه يعتبر في استحباب قبولها على مليّ كونه وفيًّا وكون ماله طيبًا ليخرج المماطل ومن في ماله شبهة ( فليتبع) بفتح التحتية وسكون الفوقية أي إذا أحيل بالدين الذي له على موسر فليحتل ندبًا وقوله ظلم يشعر بكونه كبيرة والجمهور على أن فاعله يفسق لكن هل يثبت فسقه بمرة واحدة أم لا.

قال النووي مقتضى مذهبنا التكرار ورده السبكي في شرح المنهاج بأن مقتضى مذهبنا عدمه واستدلّ بأن منع الحق بعد طلبه وانتفاء العذر عن أدائه كالغصب والغصب كبيرة والكبيرة لا يشترط فيها التكرار لكن لا يحكم عليه بذلك إلا بعد أن يظهر عدم عذره انتهى.

ويدخل في المطل كل من لزمه حق كالزوج لزوجته والسيد لعبده والحاكم لرعيته والعكس، واستدلّ به على اعتبار رضا المحيل والمحتال دون المحال عليه لكونه لم يذكر في الحديث وبه قال الجمهور كما مرّ.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الحوالة ومسلم في البيوع وكذا النسائي والترمذي وابن ماجة.