فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها


[ قــ :2197 ... غــ : 2291 ]
- قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:.

     وَقَالَ  اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا.
قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً.
قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.
فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلاً فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً، فَرَضِيَ بِكَ.
وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ.
وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا.
فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهْوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ.
قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَىَّ بِشَىْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ

مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ.
قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا".

( قال أبو عبد الله) البخاري، ( وقال الليث) بن سعد وسبق في باب التجارة في البحر أن أبا ذر عن المستملي وصله فقال حدّثني عبد الله بن صالح قال حدّثني الليث وعبد الله هذا هو كاتب الليث وكذا وصله أبو الوقت فيما قاله في الفتح كذلك وسقط في رواية أبي ذر قوله أبو عبد الله وكذا في رواية أبي الوقت واقتصرا على قوله وقال الليث، ( حدّثني) بالإفراد ( جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة القرشي المصري ( عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أنه ذكر رجلاً من بني اسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم) على ذلك ( فقال كفى بالله شهيدًا.
قال فائتني بالكفيل قال كفى بالله كفيلاً قال: صدقت)
وفي رواية أبي سلمة فقال سبحان الله نعم ( فدفعها) أي الألف دينار ( إليه) وفي رواية أبي سلمة فعدّ له ستمائة دينار.
قال ابن حجر رحمه الله: والأول أرجح لموافقته حديث عبد الله بن عمرو ( إلى أجل مسمى فخرج) الذي استلف ( في البحر فقضى حاجته) وفي رواية أبي سلمة فركب البحر بالمال يتجر فيه ( ثم التمس مركبًا) بفتح الكاف أي سفينة ( يركبها) حال كونه ( يقدم عليه) أي على الذي أسلفه ودال يقدم مفتوحة ( للأجل الذي أجله فلم يجد مركبًا) زاد في رواية أبي سلمة وغدا ربّ المال إلى الساحل يسأل عنه ويقول اللهم اخلفني وإنما أعطيت لك ( فأخذ) الذي استلف ( خشبة فنقرها) أي حفرها ( فأدخل فيها) في الخشبة وللكشميهني فيه أي في المكان المنقور من الخشبة ( ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه) الذي استلف منه ولأبي الوقت وصحيفة فيه، وفي رواية لأبي سلمة وكتب إليه صحيفة من فلان إلى فلان إني دفعت مالك إلى وكيل توكل بي ( ثم زجج موضعها) بزاي وجيمين.
قال القاضي عياض: سمرها بمسامير كالزج أو حشا شقوق لصاقها بشيء ورقعه بالزج، وقال الخطابي: سوّى موضع النقر وأصلحه وهو من تزجيج الحواحب وهو حذف زوائد الشعر، ويحتمل أن يكون مأخوذًا من الزج وهو النصل كأن يكون النقر في طرف الخشبة فشد عليه زجًّا يمسكه ويحفظ ما فيه، وقال السفاقسي: أصلح موضع النقر، ( ثم أتى بها) أي بالخشبة ( إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانًا ألف دينار) .

قال ابن حجر كالزركشي كذا وقع فيه هنا تسلفت فلانًا والمعروف تعديته بحرف الجرّ، وزاد ابن حجر كما وقع في رواية الإسماعيلي استسلفت من فلان، وتعقبه العيني بأن تنظيره باستسلفت غير موجه لأن تسلفت من باب التفعّل واستسلفت من باب الاستفعال وتفعل يأتي للمتعدي بلا حرف الجرّ كتوسدت التراب واستسلفت معناه طلبت منه السلف ولا بدّ من حرف الجرّ انتهى.

وسقط قوله: كنت في رواية أبي ذر ( فسألني كفيلاً فقلت كفى بالله كفيلاً فرضي بك وسألني

شهيدًا فقلت كفى بالله شهيدًا فرضي بك)
ولأبي ذر عن الكشميهني: فرضي بذلك.
وقال العيني كالحافظ ابن حجر قوله فرضي بذلك للكشميهني ولغيره فرضي به أي بالهاء، وفي رواية الإسماعيلي فرضي بك أي بالكاف انتهى.

والذي في الفرع وغيره من الأصول المعتمدة التي وقفت عليها بك لغير الكشميهني وبذلك له على أن في المتن الذي ساقه العيني بك بالكاف في الموضعين فالله أعلم.

( وإني جهدت) بفتح الجيم والهاء ( أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له) في ذمتي ( فلم أقدر) على تحصيلها ( وإني أستودعكها) بكسر الدال وضم العين ولأبوي ذر والوقت استودعتكها بفتح الدال وسكون العين وبعدها مثناة فوقية ( فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه) بتخفيف اللام أي دخلت في البحر ( ثم انصرف وهو) أي والحال أنه ( في ذلك يلتمس) أي يطلب ( مركبًا يخرج إلى بلده) أي إلى بلد الذي أسلفه ( فخرج الرجل الذي كان أسلفه) حال كونه ( ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله) الذي أسلفه للرجل ( فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله) يجعلها ( حطبًا) للإيقاد ( فلما نشرها) أي قطعها بالمنشار ( وجد المال) الذي له ( والصحيفة) التي كتبها الرجل إليه بذلك ( ثم قدم) الرجل ( الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار) ذكر ابن مالك فيه ثلاثة أوجه.

أحدها: أن يكون أراد بالألف ألف دينار على البدل وحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على حاله من الجر.
قال ابن الدماميني المضاف هنا مجرور فلِمَ لم يقل أن المضاف إليه أقيم مقام المضاف.

الثاني: أن يكون أصله بالألف الدينار ثم حذف من الخط لصيرورتها بالإدغام دالاً فكتبت على اللفظ.
قال في مصابيح الجامع: لكن الرواية بتنوين دينار ولو ثبت عدم تنوينه برواية معتبرة تعين هذا الوجه وكثيرًا ما يعتمد هو وغيره التوجيه باعتبار الخط ويلغون تحقيق الرواية.

الثالث: أن يكون الألف مضافًا إلى دينار والألف واللام زائدتان فلم يمنعا الإضافة ذكره أبو علي الفارسي.

( فقال) بالفاء ولأبي الوقت: وقال للذي أسلفه ( والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه قال) الذي أسلفه ( هل كنت بعثت إليّ بشيء) وللحموي والمستملي: إليّ شيئًا ( قال أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه) وللحموي والمستملي: جئت به ( قال فإن الله قد أدّى عنك) المال ( الذي) وللحموي والمستملي: التي أي الألف التي ( بعثت) بها أو به ( في الخشبة) ولأبوي الوقت وذر عن الكشميهني: بعثت والخشبة نصب على المفعولية ( فانصرف) بكسر الراء والجزم على الأمر ( بالألف الدينار) التي أتيت بها صحبتك حال كونك ( راشدًا) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم هذا الرجل لكن رأيت في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن الربيع الجيزي بإسناد له فيه مجهول عن عبد الله بن عمرو بن العاصي يرفعه أن رجلاً جاء إلى النجاشي فقال أسلفني ألف دينار إلى أجل فقال من الحميل بك قال الله

فأعطاه الألف دينار فضرب بها الرجل أي سافر بها في تجارة، فلما بلغ الأجل أراد الخروج إليه فحبسه الريح فعمل تابوتًا فذكر الحديث نحو حديث أبي هريرة فاستفدنا منه أن الذي أقرض هو النجاشي فيجوز أن تكون نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع لهم لا أنه من نسلهم انتهى.

وتعقبه العيني فقال هذا الكلام في البعد إلى حدّ السقوط لأن السائل والمسؤول منه كلاهما من بني إسرائيل على ما صرّح به ظاهر الكلام وبين الحبشة وبين بني إسرائيل بعد عظيم في النسبة وفي الأرض، ويبعد أن يكون ذلك الانتساب إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع وهذا يأباه من له نظر تام في تصرفه في وجوه معاني الكلام على أن الحديث المذكور ضعيف لا يعمل به انتهى.

وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن المراد بالاتباع الاتباع في الدين فيستوي بعيد الأرض وقريبها وبعيد النسب وقريبه وكان جمع من أهل اليمن دخلوا في دين بني إسرائيل وهي اليهودية ثم دخل من يقابل أهل اليمن من الحبشة في دين بني إسرائيل أيضًا وهي النصرانية وكان النجاشي ممن تحقق ذلك الدين ودان به قبل التبديل والملك لما بلغه دعوة الإسلام بادر إلى الإجابة لما عنده من العلم حتى قال لما سمع قوله تعالى: { إنما المسيح عيسى ابن مريم} [النساء: 171] الآية لا يزيد عيسى على هذا.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا مختصرًا في الاستقرار واللقطة والاستئذان والشروط وسبق في البيع والزكاة.