فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان

باب الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَان
وَكَانَ عَطَاءٌ لاَ يَرَى بِهِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الْخُيُوطُ وَالْحِبَالُ.
وَسُؤْرِ الْكِلاَبِ وَمَمَرِّهَا فِي الْمَسْجِدِ.
.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيُّ: إِذَا وَلَغَ فِي إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ.
.

     وَقَالَ  سُفْيَانُ: هَذَا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وَهَذَا مَاءٌ.
وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَىْءٌ، يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ.

هذا (باب) حكم (الماء الذي يغسل به شعر الإنسان) هل هو طاهر أم لا؟ (وكان عطاء) هو
ابن أبي رباح فيما وصله محمد بن إسحاق الفاكهي فى أخبار مكة بسند صحيح (لا يرى به) أي
بالشعر (بأسًا) وفي رواية ابن عساكر لا يرى بأسًا (أن يتخذ منها) أي من الشعور، وفي رواية ابن
عساكر منه أي من الشعر (الخيوط والحبال) جمع خيط وحبل ويفرق بينهما بالرقة والغلظ.
(و) باب
(سؤر الكلاب) بالهمزة أي بقية ما في الإناء بعد شربها (وممرها في المسجد) وفي رواية هنا زيادة
وأكلها أي حكم أكلها وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل، وظاهر صنيع المؤلف القول بالطهارة.


(وقال) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري) فيما رواه الوليد بن مسلم في مصنفه عن الأوزاعي وغيره عنه، ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريقه بسند صحيح (إذا ولغ الكلب في إناء) فيه ماء بأن أدخل لسانه فيه فحركه فيه تحريكًا قليلاً أو كثيرًا، وفي رواية أبي ذر في الإناء أي والحال أنه (ليس له) أي لمريد الوضوء (وضوء) بفتح الواو ما يتوضأ به (غيره) أي غير ما ولغ الكلب فيه ويجوز في غير النصب والرفع (يتوضأ به) أي بالماء الباقي وهو جواب الشرط في إذا، وفي رواية أبي ذر حتى يتوضأ بها أي بالبقية وفي أخرى منه.

(وقال سفيان) الثوري (هذا) أي الحكم بالتوضؤ به (الفقه بعينه) أي المستفاد من القرآن (يقول الله تعالى) وفي رواية أبي الوقت لقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] .
وفي رواية القابسي عن أبي زيد المروزي يقول الله "فإن لم تجدوا" وهو مخالف للتلاوة، والظاهر أن الثوري رواه بالمعنى، ولعله كان يرى جواز ذلك، وقد تتبعت كثيرًا من القراءات فلم أر أحدًا قرأ بها، ووجه الدلالة من الآية أن قوله تعالى: (ماء) نكرة في سياق النفي ولا تخص إلا بدليل، كما قال (وهذا) أي المذكور (ماء) وفي رواية الأصيلي: فهذا ماء وتنجيسه بولوغ الكلب فيه غير متفق عليه بين أهل العلم، (وفي النفس منه شيء) لعدم ظهور دلالته أو لوجود معارض له من القرآن أو غيره، وحينئذ

(يتوضأ به) أي بالماء المذكور وفي رواية منه (ويتيمم) لأن الماء الذي يشك فيه لأجل اختلاف العلماء رضي الله عنهم كالعدم فيحتاط للعبادة.


[ قــ :167 ... غــ : 170 ]
- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ:.

قُلْتُ لِعَبِيدَةَ.
عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ -أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ- فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.

وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن غسان النهدي الحافظ الحجة العابد المتوفى سنة عشر ومائتين (قال: حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن إسحاق السبيعي الهمداني أبو يوسف الكوفي الثقة المتكلم فيه بلا حجة من الطبقة السابعة المتوفى سنة ستين أو بعدها ومائة (عن عاصم) أي ابن سليمان الأحول البصري الثقة، المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائة (عن ابن سيرين) محمد أنه (قال):
(قلت لعبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة آخرها هاء ابن عمرو أو ابن قيس بن عمرو السلماني بفتح السين وسكون اللام الكوفي أحد كبار التابعين المخضرمين أسلم قبل وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره، المتوفى سنة اثنتين وسبعين ومقول قول ابن سيرين لعبيدة (عندنا) شيء (من شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصبناه) أي حصل لنا (من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة (أنس أو من قبل أهل أنس) هو ابن مالك، ووجه حصوله لابن سيرين أن سيرين والد محمد كان مولى لأنس بن مالك، وكان أنس بن مالك ربيبًا لأبي طلحة وهو-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه لأبي طلحة رضي الله عنه كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الآتي (فقال) عبيدة: (لأن تكون عندي شعرة) واحدة (منه أحب إليّ من الدنيا وما فيها) من متاعها.
وفي رواية الإسماعيلي: أحبّ إليّ من كل صفراء وبيضاء، ولام لأن تكون لام الابتداء للتأكيد وأن مصدرية أي كون شعرة، وأحب خبر لأن تكون وتكون ناقصة، ويحتمل أن تكون تامة.

فإن قلت: ما وجه الدلالة من الحديث على الترجمة؟ أجيب: بأن ذلك من حفظ أنس لشعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتمنى عبيدة أن يكون عنده شعرة واحدة منه لطهارته وشرفه، فدلّ ذلك على أن مطلق الشعر طاهر، وإذا كان طاهرًا فالماء الذي يغسل به طاهر، وتعقب بأن شعره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكرم لا يقاس عليه غيره.
وأجيب: بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، والأصل عدمها وعورض بما يطول فالله أعلم.
وهذا الحديث خماسي ورواته ما بين بصري وكوفي وفيه تابعي عن تابعي والتحديث والعنعنة والقول.




[ قــ :168 ... غــ : 171 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ.


وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة البغدادي ( قال: أخبرنا) وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي حدّثنا ( سعيد بن سليمان) الضبي البزار أبو عثمان سعدويه الحافظ الواسطي، المتوفى سنة خمس وثمانين عن مائة سنة.
( قال: حدّثنا عباد) بتشديد الموحدة ابن العوام الواسطي أبو سهل، المتوفى سنة خمس وثمانين ومائة.
( عن ابن عون) بفتح العين المهملة وآخره نون واسمه عبد الله تابعي سيد قراء زمانه ( عن ابن سيرين) محمد ( عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك.

( أن رسول الله) وفي رواية أبي ذر أن النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما حلق رأسه) في حجة الوداع أي أمر الحلاق فحلقه فأضاف الفعل إليه مجازًا، واختلف في الذي حلق فالصحيح أنه معمر بن عبد الله كما ذكره البخاري رحمه الله، وقيل: هو خراش بن أمية بمعجمتين والصحيح أن خراشًا كان الحالق بالحديبية ( كان أبو طلحة) زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري النجاري زوج أم سليم والدة أنس شهد الشاهد كلها، المتوفى سنة سبعين كأبي هريرة ( أول من أخذ من شعره) عليه الصلاة والسلام.

وهذا الحديث من الخماسيات، ورواته ما بين تنيسي ومدني وكلهم أئمة أجلاء وفيه الإخبار والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي: حسن صحيح.


باب إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا
هذا ( باب) بالتنوين ( إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا) .


[ قــ :169 ... غــ : 17 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا».

( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( عن مالك) وللأربعة أخبرنا مالك الإمام ( عن أبي الزناد) بكسر الزاي عبد الله بن ذكوان القرشي المدني ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) أنه ( قال) : ( إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لفظ قال لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: ( قال: إذا شرب الكلب) أي إذا ولغ الكلب ولو مأذونًا في اتخاذه بطرف لسانه ( في) وفي رواية من ( إناء أحدكم فليغسله سبعًا) أي سبع مرات لنجاسته المغلظة واستدلال بعضهم بقوله في إناء أحدكم على عدم تنجس الماء المستنقع إذا ولغ فيه ولو كان قليلاً شاذ فإن ذلك إنما خرج مخرج الغالب لا للقيد وخرج بقوله: ولغ.
وكذا شرب ما إذا كان جامدًا لأن الواجب حينئذ إلقاء ما أصابه الكلب بفمه ولا يجب غسل

الإناء حينئذ إلا إذا أصابه فم الكلب مع الرطوبة فيجب غسل ما أصابه فقط سبعًا، لأنه إذا كان ما فيه جامدًا لا يسمى أخذ الكلب منه شربًا ولا ولوغًا كما لا يخفى ولم يقع في رواية مالك الترتيب، ولا ثبت في شيء من الروايات عن أبي هريرة إلا عن ابن سيرين، والإضافة التي في إناء أحدكم ملغى اعتبارها لأن الطهارة لا تتوقف على ملكه، ومفهوم الشرط في قوله: إذا ولغ يقتضي قصر الحكم على ذلك، لكن إذا قلنا إن الأمر بالغسل يتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلاً ويكون ذكر الولوغ للمغالب، وأما إلحاق باقي أعضائه كيده ورِجله فالمذهب المنصوص أنه كذلك لأنه فمه أشرفها فيكون غيره من باب أولى.

وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى.
وفي رواية ابن عساكر كما في الفرع كأصله قبل هذا الحديث باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا.
حدّثنا عبد الله بن يوسف، وهو الذي شرح عليه الحافظ ابن حجر، لكن يليه عنده حديث إسحاق بن منصور الكوسج أن رجلاً.

وفي رواية بهامش اليونينية بعد حديث عبد الله بن يوسف إذا شرب الكلب، وسقطت الترجمة والباب في بعض النسخ لأبي ذر والأصيلي.




[ قــ :170 ... غــ : 173 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّ رَجُلاً رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ».
[الحديث 173 - أطرافه في: 363، 466، 6009] .

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق) بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي الثقة الثبت، المتوفى سنه إحدى وخمسين ومائتين وليس هو إسحاق بن إبراهيم الحمصي كما جزم به أبو نعيم في المستخرج ( قال: أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث ( قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) المدني العدوي وتكلم فيه لكنه صدوق ولم ينفرد بهذا ( قال) :

( سمعت أبي) عبد الله بن دينار التابعي مولى ابن عمر رضي الله عنهما ( عن أبي صالح) ذكوان الزيات ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رجلاً) من بني إسرائيل ( رأى) أي أبصر ( كلبًا يأكل الثرى) بالمثلثة المفتوحة وبالراء المقصورة التراب الندي أي يلعقه ( من العطش) أي بسببه ( فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه) أي جعله ريان، وفي رواية: بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه الحرّ فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان نزل بي فنزل البئر فملأ خفّه ماء ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب ( فشكر الله له) أي أثنى عليه أو جازاه ( فادخله الجنة) من باب عطف الخاص على العام أو الفاء تفسيرية على حدّ قوله تعالى: { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}

[البقرة: 54] على ما فسر أن القتل كان نفس توبتهم، وفي الرواية الأخرى فشكر الله له فغفر له.
قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجْرًا؟ فقال: "إن في كل كبد رطبة أجْرًا".
وقد استدل بعض المالكية للقول بطهارة الكلب بإيراد المؤلف هذا الحديث في هذه الترجمة من كون الرجل سقى الكلب في خفّه، واستباح لبسه في الصلاة دون غسله إذ لم يذكر الغسل في الحديث، وأجيب باحتمال أن يكون صب في شيء فسقاه أو لم يلبسه، ولئن سلمنا سقيه فيه فلا يلزمنا لأنه وإن كان شرع غيرنا فهو منسوخ في شرعنا.

وهذا الحديث من السداسيات، ورواته ما بين مروزي وبصري ومدني وفيه تابعيان وهما: عبد الله بن دينار وأبو صالح والتحديث والإخبار والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الشرب والمظالم والأدب وذكر بني إسرائيل، ومسلم في الحيوان، وأبو داود في الجهاد.




[ قــ :171 ... غــ : 174 ]
- وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتِ الْكِلاَبُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

( وقال أحمد بن شبيب) بفتح المعجمة وكسر الموحدة ابن سعيد أبو عبد الله التيمي الحنظلي البصري، المتوفى بعد المائتين وهو من شيوخ المؤلف ( حدّثنا أبي) شبيب ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه ( قال: حدّثي) بالإفراد ( حمزة) بالحاء المهملة والزاي ( ابن عبد الله) بن عمر بن الخطاب أبو عمارة القرشي العدوي المدني التابعي الثقة الجليل ( عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه ( قال) :
( كانت الكلاب تقبل وتدبر) حال كونها ( في المسجد) النبوي المدني، وفي غير رواية الأربعة تبول وتقبل وتدبر في السجد ( في زمان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يرشون) وفي رواية ابن عساكر فلم يكن، وفي رواية أبي ذر وابن عساكر في نسخة فلم يكونوا يرشون ( شيئًا من ذلك) بالماء وفي ذكر الكون مبالغة ليست في حذفه كما في قوله تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم} [الأنفال: 33] حيث لم يقل وما يعذبهم، وكذا في لفظ الرش حيث اختاره على لفظ الغسل لأن الرش ليس فيه جريان الماء بخلاف الغسل فإنه يشترط فيه الجريان، فنفي الرش أبلغ من نفي الغسل، ولفظ شيئًا أيضًا عامّ لأنه نكرة في سياق النفي، وهذا كله للمبالغة في طهارة سؤره إذ في مثل هذه الصورة الغالب أن لعابه يصل إلى بعض أجزاء المسجد.
وأجيب: بأن طهارة المسجد متيقنة وما ذكره مشكوك فيه واليقين لا يرتفع بالشك.
ثم إن دلالته لا تعارض دلالة منطوق الحديث الوارد بالغسل من ولوغه، وقد زاد أبو نعيم والبيهقي في روايتهما لهذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب الذكور موصولاً بصريح التحديث قبل قوله: تقبل تبول وبعدها واو العطف وذلك ثابت في فرع اليونينية، لكنه علم عليه علامة

سقوط ذلك في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، وذكره الأصيلي في رواية عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد شيخ شبيب بن سعيد المذكور، وحينئذ فلا حجة فيه لمن استدل به على طهارة الكلاب للاتفاق على نجاسة بولها قاله ابن المنير، لكن يقدح في نقل الاتفاق القول بأنها تؤكل حيث صح عمن نقل عنه وأن بول ما يؤكل لحمه طاهر.


وقال ابن المنذر: كانت تبول خارج المسجد في مواطنها ثم تقبل وتدبر في المسجد، ويبعد أن تترك الكلاب تنتاب في المسجد حتى تمتهنه بالبول فيه، والأقرب أن يكون ذلك في ابتداء الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها، وبهذا الحديث استدل الحنفية على طهارة الأرض إذا أصابتها نجاسة وجفّت بالشمس أو الهواء وذهب أثرها، وعليه بوّب أبو داود حيث قال: باب طهور الأرض إذا يبست، ورجاله الستّ ما بين بصري وأيلي ومدني وفيه تابعي عن تابعي والقول والتحديث والعنعنة، وأخرجه أبو داود والإسماعيلي وأبو نعيم.




[ قــ :17 ... غــ : 175 ]
- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ».
قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ3 قَالَ: «فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ».
[الحديث 175 - أطرافه في: 054، 5475، 5476، 5477، 5483، 5484، 5485، 5486، 5487، 7397] .

وبه قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث بن سخبرة بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة النمري الأزدي البصري أبو عمر الحوضي ثقة ثبت عيب بأخذ الأجرة على الحديث من كبار العاشرة، توفي سنة خمس وعشرين ومائتين ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن ابن أبي السفر) بفتح السين والفاء عبد الله سعيد بن محمد أو أحمد الهمذاني الكوفي ( عن الشعبي) بفتح الشين المعجمة واسمه عامر ( عن عدي بن حاتم) أي ابن عبد الله بن سعيد بن الحشرج بفتح المهملة وسكون المعجمة آخره جيم الصحابي الشهير الطائي، المتوفى بالكوفة زمن المختار سنة ثمان وستين، وقيل: إنه عاش مائة وثمانين سنة له في البخاري سبعة أحاديث ( قال) :
( سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن حكم صيد الكلاب كما صرّح به المؤلف في كتاب الصيد ( فقال) وفي رواية الأربعة قال: ( إذا أرسلت كلبك المعلم) بفتح اللام المشدّدة وهو الذي يسترسل بإرسال صاحبه أي يهيج بإغرائه وينزجر بانزجاره في ابتداء الأمر وبعد شدة العدو ويمسك الصيد ليأخذه الصائد ولا يأكل منه.
( فقتل) الصيد ( فكل وإذا أكل) الكلب الصيد ( فلا تأكل) منه وعلل بقوله ( فإنما
أمسكه على نفسه)
قال عدي بن حاتم ( قلت) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أرسل كلبي) المعلم ( فأجد معه كلبًا آخر قال) عليه الصلاة والسلام ( فلا تأكل) منه ( فإنما سميت) أي ذكرت اسم الله ( على كلبك) عند إرساله ( ولم تسمّ على كلب آخر) ظاهره وجوب التسمية حتى لو تركها سهوًا أو عمدًا لا يحل وهو قول أهل الظاهر، وقال الحنفية والمالكية: يجوز تركها سهوًا لا عمدًا، واحتجوا مع أحديث بقوله تعالى: { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 11] وقال الشافعية: سُنّة فلو تركها عمدًا أو سهوًا يحل.
قيل: وهذا الحديث حجة عليهم.
وأجيب بحديث عائشة رضي الله عنها عند المصنف رحمه الله.
قلت: يا رسول الله إن قومًا حديثو عهد بجاهلية أتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لم يذكروا أنأكل منه أم لا؟ فقال: "اذكروا اسم الله عليه وكلوا".
فلو كان واجبًا لما جاز الأكل مع الشك، وأما الآية ففسر الفسق فيها بما أهلّ لغير الله تعالى وتوجيهه: أن قوله.
{ وإنه لفسق} ليس معطوفًا لأن الجملة الأولى فعلية إنشائية، والثانية خبرية.
ولا يجوز أن تكون جوابًا لمكان الواو فتعين كونها حالية فتقيد النهي بحال كون الذبح فسقًا، والفسق مفسر في القرآن بما أهلّ به لغير الله تعالى فيكون دليلاً لنا علينا وهذا نوع من القلب.
وقال تعالى: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وهم لا يسمون وقد قام الإجماع على أن من أكل متروك التسمية ليس بفاسق.

ومطابقة هذا الحديث للترجمة من قوله فيها وسؤر الكلاب لأن في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام أذن في أكل ما صاده الكلاب ولم يقيد ذلك بغسل موضع فمه، ولذا قال مالك: كيف يؤكل صيده ولكون لعابه نجسًا؟ وأجيب بأن الشارع وكله إلى ما تقرر عنده من غسل ما يماسه فمه.

وهذا الحديث من الخماسيات، ررواته كلهم أئمة أجلاّء ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في البيوع والصيد والذبائح ومسلم وابن ماجة كلاهما فيه أيضًا.