فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب وكالة المرأة الإمام في النكاح

باب وَكَالَةِ الْمَرْأَةِ الإِمَامَ فِي النِّكَاحِ
( باب وكالة الامرأة) بهمزة مكسورة بعد اللام الساكنة فميم ساكنة فراء مفتوحة، ولأبي ذر: المرأة أي حكم توكيل المرأة ( الإمام) بالنصب على المفعولية ( في) عقد ( النكاح) .


[ قــ :2214 ... غــ : 2310 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِي.
فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا.
قَالَ: قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ".
[الحديث 2310 - أطرافه في: 5029، 5030، 5087، 5121، 5126، 5132، 5135، 5141، 5149، 5150، 5871، 7417] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج ( عن سهل بن سعد) بسكون الهاء في الأول والعين في الثاني ابن مالك الأنصاري الساعدي أنه ( قال: جاءت امرأة) لم تسمّ.
قال الحافظ ابن حجر: ووهم من زعم أنها أم شريك ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو في المسجد ( فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت لك من نفسي) بزيادة من للتوكيد.
واستشكل بأنهم اشترطوا للزيادة ثلاثة شروط.


أحدها: تقدم نفي أو نهي أو استفهام بهل نحو: { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} [الأنعام: 59] ونحو: إلا يقم من أحد ونحو { فارجع البصر هل ترى من فطور} [الملك: 3] .

الثاني: تنكير مجرورها.

الثالث: كونه فاعلاً أو مفعولاً به أو مبتدأ والشرطان الأولان مفقودان هنا.
وأجيب: بأن الأخفش لم يشترطهما مستدلاً بنحو { ولقد جاءك من نبأ المرسلين} [الأنعام: 34] { يغفر لكم من ذنوبكم} [نوح: 4] { يحلون فيها من أساور} [الكهف: 31] وكذا لم يشترط الكوفيون الأول.

وقال العيني كالكرماني: ويروى وهبت لك نفسي بدون كلمة من انتهى.
وفي الفرع علامة السقوط لأبوي ذر والوقت على قولها لك فالله أعلم.
وفي قولها: قد وهبت لك نفسي حذف مضاف تقديره أمر نفسي أو نحوه وإلاّ فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحرّ لا تملك فكأنها قالت: أتزوّجك من غير عوض، ( فقال رجل) : لم يسمّ نعم في رواية معمر والثوري عند الطبراني فقام رجل أحسبه من الأنصار وفي رواية زائدة عنده فقال رجل من الأنصار ( زوّجنيها) زاد في باب السلطان ولي من كتاب النكاح إن لم يكن لك بها حاجة قال: هل عندك من شيء تصدقها؟ قال: ما عندي إلا إزاري.
فقال: إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك.
قال فالتمس شيئًا قال: ما أجد شيئًا؟ فقال التمس ولو خاتمًا من حديد فلم يجد.
قال: أمعك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا السور سماها ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( قد زوّجناكها بما معك من القرآن) الباء للتعويض كهي في نحو بعتك العبد بألف فظاهره جواز كون الصداق تعليم القرآن وليست هي للسبب أي لأجل ما معك من القرآن، وفي رواية مسلم اذهب فعلمها من القرآن وفي أخرى له علّمها عشرين آية ويحتج به من يجيز في الصداق أن يكون منافع، ومنعه أبو حنيفة في الحر وأجازه في العبد، وذهب الطحاوي وغيره إلى أن الباء للسبب وأن ذلك جائز له دون غيره لأنه لما جازت له الموهوبة جاز له أن يهبها ولذلك ملكها له ولم يشاورها وهذا يحتاج إلى دليل.
ولئن سلمنا أنها للسبب فقد يكون الصداق مسكوتًا عنه لأنه أصدق عنه كما كفر عن الذي وطئ في رمضان إذ لم يكن عنده شيء أو أنكحه إياها نكاح تفويض وأبقى الصداق في ذمته حتى يكتسبه ويكون قوله بما معك من القرآن حضًّا له على تعلمه وتكرمه لأهله، وقد تعقب الداودي المصنف بأنه ليس في الحديث ما ترجم له فإنه لم يذكر فيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استأذنها ولا أنها وكّلته وإنما زوّجها للرجل بقول الله تعالى: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب: 6] انتهى.

قال في فتح الباري: وكأن المصنف أخذ ذلك من قولها قد وهبت نفسي لك ففوّضت أمرها إليه، وقال الذي خطبها زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فلم تنكر هي ذلك بل استمرّت على الرضا فكأنها فوّضت أمرها إليه بتزويجها أو يزوّجها لمن رأى.


وفي حديث أبي هريرة عند النسائي وأبي داود أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال للمرأة: "إني أريد أن أزوجك هذا إن رضيت" فقالت: ما رضيت ليس فقد رضيت.
ولم يرد أن الرجل قال بعد قوله عليه الصلاة والسلام: "زوّجتكها" قبلت نكاحها.

وأجاب المهلب بأن بساط الكلام في هذه القصة أغنى عن القبول لما تقدم من الطلب والمعاودة في ذلك فمن كان في مثل حال هذا الرجل الراغب لم يحتج إلى تصريح منه بالقبول لسبق العلم برغبته بخلاف غيره ممن لم تقم القرائن على رضاه انتهى فليتأمل.

ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في محالها بعون الله وقوّته.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد والنكاح، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي في النكاح وابن ماجه فيه وفي فضائل القرآن.