فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك الله، وقال الوكيل: قد سمعت ما قلت

باب إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِوَكِيلِهِ: ضَعْهُ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ.

     وَقَالَ  الْوَكِيلُ: قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال الرجل لوكيله) الذي وكّله (ضعه) أي الشيء الموكل فيه (حيث أراك الله وقال الوكيل قد سمعت ما قلت) أي فوضعه حيث أراد جاز.


[ قــ :2221 ... غــ : 2318 ]
- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بِيْرُ حَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ.
فَلَمَّا نَزَلَتْ: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَىَّ بِيْرُ حَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ.
فَقَالَ: بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ.
.
قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَأَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ.
قَالَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ".

تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ.
.

     وَقَالَ  رَوْحٌ عَنْ مَالِكٍ "رَابِحٌ".

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن يحيى) بن بكر بن زياد التميمي الحنظلي (قال: قرأت على مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة (أنه سمع) عمه (أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كان أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (أكثر الأنصار) ولأبي ذر: أكثر أنصاريّ قال البرماوي كالكرماني وهو من التفضيل على التفصيل أي أكثر من كل واحد واحد من الأنصار ولذا لم يقل أكثر الأنصار (بالمدينة مالاً) نصب على التمييز أي من حيث المال (وكان أحب أمواله إليه بيرحاء) بكسر الموحدة وسكون التحتية وضم الراء وبعد الحاء المهملة همزة مفتوحة ممدودًا ولأبي ذر: بيرحا من غير همز وفيها وجوه أخرى ذكرتها في الزكاة.
(وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب) بالجر صفة لماء، (فلما نزلت) هذه الآية: ({ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} ) من الصدقة (قام أبو طلحة) منتهيًا (إلى

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إن الله تعالى يقول في كتابه: { لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] (وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء) بكسر الموحدة وضمُّ الراء مهموزًا مع الفتح والمد في الفرع لأبي ذر (وإنها صدقة لله أرجو برّها) خيرها (وذخرها) بالذال المضمومة والخاء الساكنة المعجمتين أي أقدمها فأذخرها لأجدها (عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت فقال) عليه الصلاة والسلام:
(بخ) بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة وبتنوينها وبالتخفيف والتشديد فيهما فهي أربعة كلمة تقال عند مدح الشيء والرضا به (ذلك مال رائح) بالهمز والخاء المهملة في الفرع وأصله (ذلك مال رائح) بالتكرار مرتين أي ذاهب فإذا ذهب في الخير فهو أولى (قد) بغير واو قبل القاف (سمعت ما قلت فيها وأرى أن تجعلها في الأقربيين قال) أبو طلحة (أفعل يا رسول الله) بهمزة قطع على أنه فعل مستقبل مرفوع (فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) من باب عطف الخاص على العامّ.

(تابعه) أي تابع يحيى بن يحيى (إسماعيل) بن أبي أويس (عن مالك) فيما وصله المؤلّف في تفسير سورة آل عمران.
(وقال روح) بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة ابن عبادة في روايته (عن مالك) أيضًا (رابح) بالموحدة فيما وصله الإمام أحمد عنه وفي غير الفرع وأصله من الأصول في رواية يحيى رابح بالموحدة أي يربح فيه صاحبه، وقال العيني: رائج بالجيم من الرواج فليتأمل.

وموضع الترجمة من الحديث قول أبي طلحة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنها صدقة الخ ... فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر عليه ذلك وإن كان ما وضعها بنفسه بل أمره أن يضعها في الأقربين، لكن الحجة فيه تقريره عليه الصلاة والسلام على ذلك.

وهذا الحديث قد سبق في باب الزكاة على الأقارب من كتاب الزكاة.