فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من أحيا أرضا مواتا

باب مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا
وَرَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- فِي أَرْضِ الْخَرَابِ بِالْكُوفَةِ.

وَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهْيَ لَهُ.
وَيُرْوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَقَالَ فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ: وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ فِيهِ حَقٌّ.
وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( باب من أحيا أرضًا مواتًا) غير معمورة في الإسلام أو عمرت جاهلية ولا هي حريم لمعمور بالزرع أو الغرس أو السقي أو البناء فهي له وسميت مواتًا تشبيهًا لها بالميتة لغير المنتفع بها ولا

يشترط في نفي العمارة التحقق بل يكفي عدم تحققها بأن لا يرى أثرها ولا دليل عليها من أصول شجر ونهر وجدر وأوتاد ونحوها.

( ورأى ذلك) أي إحياء الموات ( عليّ) هو ابن أبي طالب ( -رضي الله عنه- في أرض الخراب بالكوفة) قال في الفتح: كذا وقع للأكثر، وفي رواية النسفيّ في أرض بالكوفة مواتًا والذي في اليونينية في أرض الخراب بالكوفة موات لكنه رقم على قوله في أرض علامة السقوط من غير عزو لأحد وعلى موات علامة السقوط أيضًا لأبي ذر وفي نسخة مقروءة على الميدومي بالخراب موات بالكوفة لكنه رقم على موات علامة السقوط من غير عزو لأحد.

( وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- فيما وصله مالك في الموطأ ( من أحيا أرضًا ميتة) بتشديد الياء ( فهي له) بمجرد الإحياء سواء أذن له الإمام أم لا اكتفاء بإذن الشارع عليه الصلاة والسلام وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف ومحمد نعم يستحب استئذانه خروجًا من خلاف أبي حنيفة حيث قال ليس له أن يحيي مواتًا مطلقًا إلا بإذنه.

( ويروى عن عمر) بضم العين أي ابن الخطاب ( وابن عوف) عمرو بن يزيد المزني الصحابي وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدري والواو في قوله وابن عوف عاطفة، وفي بعض النسخ المعتمدة وهي التي في الفرع وأصله عن عمرو بن عوف بفتح العين وسكون الميم وبالواو وإسقاط ألف ابن، وصحح هذه الكرماني وقال الحافظ ابن حجر: إن الأولى تصحيف، ويؤيده قول الترمذي في باب: ذكر من أحيا أرض الموات.

وفي الباب عن جابر وعمرو بن عوف المزني جد كثير وسمرة وقول الكرماني وابن عوف أي عبد الرحمن ليس بصحيح كما قاله العيني وغيره ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مثل حديث عمر هذا وهذا وصله ابن أبي شيبة في مسنده.

( وقال) أي عمرو بن عوف زاد على قوله من أحيا أرضًا ميتة قوله ( في غير حق مسلم) فإن كانت فيه حرم التعرض لها بالإحياء وغيره إلا بإذن شرعي لحديث الصحيحين: من أخذ شبرًا من أرض ظلمًا فإنه يطوّقه من سبع أرضين ولو كان بالأرض أثر عمارة جاهلية لم يعرف مالكها، فللمسلم تملكها بالإحياء وإن لم تكن مواتًا كالركاز، ولحديث عاديّ الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني أي أيها المسلمون رواه الشافعي -رضي الله عنه- ولو كان بها أثر عمارة إسلامية فأمرها إلى الإمام في حفظها أو بيعها وحفظ ثمنها إلى ظهور مالكها من مسلم أو ذمي كسائر الأموال الضائعة وإن أحيا ذمي أرضًا ميتة بدارنا ولو بإذن الإمام نزعت منه فلا يملكها لما فيه من الاستعلاء ولحديث الشافعي السابق ولا أجرة عليه لأن الأرض ليست ملك أحد وقال الحنفية والحنابلة: إذا أحيا مسلم أو ذمي أرضًا لا ينتفع بها وهي بعيدة إذا صاح من أقصى العامر لا يسمع بها صوته ملكها ( وليس

لعرق)
بكسر العين وسكون الراء والتنوين ( ظالم) نعت له أي من غرس غرسًا في أرض غيره بغير إذنه فليس له ( فيه حق) أي في الإبقاء فيها.

قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات واختار الإمامان الشافعي ومالك تنوين عرق وعبارة الشافعي العرق الظالم كل ما احتفر أو بني أو غرس ظلمًا في حق امرئ تعين خروجه منه، وقال مالك: كل ما احتفر أو غرس أو أخذ بغير حق، وقال الأزهري قال أبو عبيد العرق الظالم أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسًا وقال القاضي عياض أصله في الغرس يغرسه في الأرض غير ربها ليستوجبها به وكذلك ما أشبهه من بناء أو استنباط أو استخراج معدن سميت عروقًا لشبهها في الإحياء بعرق الغرس انتهى.

وقال في النهاية: وهو على حذف مضاف أي ليس لذي عرق ظالم فجعل العرق نفسه ظالمًا والحق لصاحبه أو يكون الظالم من صفة صاحب العرق، وقال ابن شعبان في الزاهي: العروق أربعة.
عرقان ظاهران وعرقان باطنان، فالظاهران البناء والغراس والباطنان الآبار والعيون، وفي بعض الأصول وليس لعرق ظالم بترك التنوين فقط على الإضافة وحينئذٍ فيكون الظالم صاحب العرق وهو الغارس وسمي ظالمًا لأنه تصرف في ملك الغير بلا استحقاق.

وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه فقال: حدّثنا أبو عامر العقدي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف حدّثني أبي أن أباه حدّثه أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من أحيا أرضًا مواتًا من غير أن تكون حق مسلم فهي له وليس لعرق ظالم حق" وكثير هذا ضعيف وليس لجدّه عمرو بن عوف في البخاري سوى هذا الحديث، وله شاهد قويّ أخرجه أبو داود من حديث سعيد بن زيد.

( ويروى فيه) أي في هذا الباب ( عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- مما أخرجه الترمذي، من وجه آخر عن هشام وصححه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظه "من أحيا أرضًا ميتة فهي له" وإنما عبر بلفظ يروى المفيد للتمريض لأنه اختلف فيه على هشام.


[ قــ :2238 ... غــ : 2335 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهْوَ أَحَقُّ».
قَالَ عُرْوَةُ: قَضَى بِهِ عُمَرُ -رضي الله عنه- فِي خِلاَفَتِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا وهو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري ونسبه إلى جده لشهرته به قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ( ابن أبي جعفر) يسار الأموي القرشي المصري ( عن محمد بن عبد الرحمن) أبي

الأسود يتيم عروة بن الزبير ( عن عروة) بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها-) عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ( قال) :
( من أعمر أرضًا) بفتح الهمزة والميم من الثلاثي المزيد قال عياض كذا رواه أصحاب البخاري والصواب من عمر من الثلاثي قال الله تعالى: { وعمروها أكثر مما عمروها} [الروم: 9] إلا أن يريد أنه جعل فيها عمارًا وقال ابن بطال: ويمكن أن يكون أصله من اعتمر أرضًا اتخذها وسقطت التاء من الأصل.
قال في المصابيح: وهذا رد لاتفاق الرواة بمجرد احتمال يجوز أن يكون وأن لا يكون وأكثر ما يعتمد هو وغيره على مثل هذا وأنا لا أرضى لأحد أن يقع فيه انتهى.

وأجيب: بأن صاحب العين ذكر أنه يقال أعمرت الأرض أي وجدتها عامرة ويقال أعمر الله بك منزلك وعمر الله بك منزلك وعورض بأن الجوهري بعد أن ذكر عمر الله بك منزلك وعمر بك ذكر أنه يقال أعمر الرجل منزله بالألف.
وقال الزركشي ضم الهمزة أجود من الفتح.
قال في المصابيح: يفتقر ذلك إلى ثبوت رواية فيه وظاهر كلام القاضي أن جميع رواة البخاري على الفتح انتهى.

وقد ثبت في الفرع وأصله عن أبي ذر أعمر بضم الهمزة وسكون العين وكسر الميم أي أعمره غيره وكأن المراد بالغير الإمام والمعنى من أعمر أرضًا ( ليست لأحد) بالإحياء ( فهو أحق) وحذف متعلق أحق للعلم به وعند الإسماعيلى فهو أحق بها أي من غيره.

( قال عروة) بن الزبير بن العوّام بالإسناد المذكور إليه: ( قضى به) أي بالحكم المذكور ( عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنه- في خلافته) وهذا مرسل لأن عروة ولد في خلافة عمر قاله خليفة وما سبق أول الباب عن عمر هو من قوله وهذا من فعله.

قال البيضاوي: مفهوم هذا الحديث أن مجرد التحجّر والإعلام لا يملك به بل لا بدّ من العمارة وهي تختلف باختلاف المقاصد انتهى.

فمن شرع في الإحياء لموات من حفر أساس وجمع تراب ونحوهما ولم يتمه أو نصب عليه علامة للإحياء كغرز خشبة فهو متحجر لا مالك لأن سبب الملك الإحياء ولم يوجد ولو تحجر فوق كفايته أو ما يعجز عن إحيائه فلغيره إحياء الزائد فإن تحجر ولم يعمر بلا عذر أمره الإمام بالإحياء أو يرفع يده عنه لأنه ضيق على الناس في حق مشترك فيمنع من ذلك وأمهله مدة قريبة يستعد فيها للعمارة بحسب ما يراه فإن مضت مدة المهلة ولم يعمر بطل حقه ولو بادر أجنبي فأحيا متحجر الآخر ملكه وإن لم يأذن له الإمام.
وقال الحنفية: من حجر أرضًا ولم يعمرها ثلاث سنين دفعت إلى غيره لقول عمر -رضي الله عنه- ليس لمتحجر بعد ثلاث سنين حق ولو أحياها غيره قبل انقضاء هذه المدة ملكها لأن الأول كان مستحقًا لها من جهة التعلق لا من جهة التملك كما في السوم على سوم غيره.


وهذا الحديث من أفراد المصنف ونصف إسناده الأول مصريون بالميم والثاني مدنيون.


باب
هذا ( باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من سابقه.


[ قــ :39 ... غــ : 336 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرِيَ وَهْوَ فِي مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ.
فَقَالَ مُوسَى: وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ بِالْمُنَاخِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُنِيخُ بِهِ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهْوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ".

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال ( حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المؤدب المديني ( عن موسى بن عقبة) الأسدي المديني ( عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُري) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي في المنام ( وهو في معرّسه) بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الراء المفتوحة وبالسين المهملة موضع التعريس وهو نزول المسافر آخر الليل للاستراحة وكان نزوله عليه الصلاة والسلام ( بذي الحليفة) وللكشميهني: من ذي الحليفة ( في بطن الوادي) أي وادي العقيق ( فقيل له: إنك ببطحاء مباركة، فقال موسى) بن عقبة ( وقد أناخ بنا سالم) هو ابن عبد الله بن عمر ( بالمناخ) بضم الميم آخره خاء معجمة أي المبرك ( الذي كان عبد الله) أبوه ( ينيخ) أي يبرك ( به) راحلته حال كونه ( يتحرى) بالحاء المهملة وتشديد الراء يقصد ( معرّس) بفتح الراء المشددة مكان تعريس ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي المكان ( أسفل) بالرفع ( من المسجد الذي) كان إذ ذاك ( ببطن الوادي بينه) أي بين المعرس ( وبين الطريق وسط من ذلك) بفتح السين أي متوسط بين بطن الوادي وبين الطريق.

وقد استشكل دخول هذا الحديث هنا.
وأجيب: بأنه أشار به إلى أن ذا الحليفة لا يملك بالإحياء لما في ذلك من منع الناس النزول به وأن الموات يجوز الانتفاع به وأنه غير مملوك لأحد وهذا كافٍ في وجه دخوله.




[ قــ :40 ... غــ : 337 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اللَّيْلَةَ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي وَهْوَ بِالْعَقِيقِ أَنْ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ».

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: ( أخبرنا شعيب بن إسحاق) الدمشقي ( عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( يحيى) بن أبي كثير ( عن عكرمة)

مولى ابن عباس ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( عن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( الليلة) بالنصب ( أتاني آتٍ من ربي) هو جبريل عليه السلام ( وهو بالعقيق أن صلّ) بفتح الهمزة ( في هذا الوادي المبارك) أي وادي العقيق ( وقل) هذه ( عُمرة في حجة) وللحموي والمستملي وقال بلفظ الماضي عمرة بالنصب.

وهذان الحديثان قد سبقا في الحج.