فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يمنع فضل الماء»

باب مَنْ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَرْوَى، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ
( باب من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى) بفتح أوله وثالثه من الري ( لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الآتي إن شاء الله تعالى موصولاً ( لا يمنع) بضم أوله مبنيًّا للمفعول مرفوعًا نفي بمعنى النهي ولأبي ذر ولا يمنع بالجزم على النهي ( فضل الماء) بالرفع نائب عن الفاعل لأن مفهومه أنه أحق بمائه عند عدم الفضل.


[ قــ :2254 ... غــ : 2353 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلأُ».
[الحديث 2353 - طرفاه في: 2354، 6962] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :

( لا يمنع) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول ( فضل الماء ليمنع) مبني للمفعول أيضًا ( به الكلأ) بفتح الكاف والرفع العشب يابسه ورطبه واللام في ليمنع لام العاقبة كهي في قوله تعالى: { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًّا وحزنًا} [القصص: 8] ومعنى الحديث أن من شقّ ماء بفلاة وكان حول ذلك الماء كلأ ليس حوله ماء غيره ولا يوصل إلى رعيه إلا إذا كانت المواشي ترد ذلك فنهى صاحب الماء أن يمنع فضل مائه لأنه إذا منعه منع رعي ذلك الكلأ والكلأ لا يمنع لما في منعه من الإضرار بالناس، ويلتحق به الرعاء إذا احتاجوا إلى الشرب لأنهم إذا منعوا من الشرب امتنعوا من الرعي هناك، والصحيح عند الشافعية وبه قال الحنفية الاختصاص بالماشية، وفرق الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزروع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع، وهذا محمول عند أكثر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم على ماء البئر المحفورة في الملك أو في الموات بقصد التملك أو الارتفاق خاصة فالأولى وهي التي في ملكه أو في موات بقصد التملك ماؤها مملوك على الصحيح عند أصحابنا.
ونص عليه الشافعي في القديم والثانية وهي المحفورة في موات الارتفاق لا يملك الحافر ماءها.
نعم هو أولى به إلى أن يرتحل فإذا ارتحل صار كغيره ولو عاد بعد ذلك وفي كلا الحالين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته والمراد بحاجته نفسه وعياله وماشيته وزرعه، لكن قال إمام الحرمين: وفي الزرع احتمال على بعد أما البئر المحفورة للمارة فماؤها مشترك بينهم والحافر كأحدهم ويجوز الاستقاء منها للشرب وسقي الزرع فإن ضاق عنهما فالشرب أولى وكذا المحفورة بلا قصد على أصح الوجهين عند أصحابنا، وأما المحرز في إناء فلا يجب بذل فضله على الصحيح لغير المضطر ويملك بالإحراز هذا كلام الشافعية، وكلام الحنفية والحنابلة في ذلك متقارب في الأصل والمدرك وإن اختلفت تفاصيلهم، وجعل المالكية هذا الحكم في البئر المحفورة في الموات وقالوا في المحفورة في الملك لا يجب عليه بذل فضلها وقالوا في المحفورة في الموات لا تباع وصاحبها وورثته أحق بكفايتهم، وهذا النهي للتحريم عند مالك والشافعي والأوزاعي والليث وقال غيرهم هو من باب المعروف.

ومطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث إن فضل الماء يدل على أن صاحب الماء أحق به عند عدم الفضل، وأخرجه المؤلّف أيضًا في ترك الحيل ومسلم في البيوع والنسائي في إحياء الموات وأبو داود والترمذي وابن ماجة.




[ قــ :55 ... غــ : 354 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الْكَلإِ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير قال: ( حدّثنا الليث) ابن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن

ابن المسيب)
سعيد ( وأبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني اسمه عبد الله أو إسماعيل كلاهما ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل كلأ) والمنهي عنه منع الفضل لا منع الأصل، وهي يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره الصحيح عند الشافعية، وبه قال الحنفية لا يجب.
وقال المالكية: يجب عليه إذا خشي عليه الهلاك ولم يضر ذلك بصاحب الماء.
قال الأبي أبو عبد الله: والحديث حجة لنا في القول بسد الذرائع لأنه إنما نهى عن منع فضل الماء لما يؤدّي إليه من منع الكلأ انتهى.

وقد ورد التصريح في بعض طرق الحديث بالنهي عن منع الكلأ صححه ابن حبان من رواية أبي سعيد مولى بني غفار عن أبي هريرة ولفظه "لا تمنعوا فضل الماء ولا تمنعوا الكلأ فيهزل المال ويجوع العيال" وهو محمول على غير المملوك وهو الكلأ النابت في الموات فمنعه مجرد ظلم إذ الناس فيه سواء، أما الكلأ النابت في أرضه المملوكة له بالإحياء فمذهب الشافعية جواز بيعه، وفيه خلاف عند المالكية صحح ابن العربي الجواز.