فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه

باب مَنْ رَأَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ
( باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه) من غيره.


[ قــ :2265 ... غــ : 2366 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَدَحٍ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الأَشْيَاخَ؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ".

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا عبد العزيز عن) أبيه ( أبي حازم) سلمة بن دينار المدني ( عن سهل بن سعد) الساعدي الأنصاري الخزرجي المتوفى سنة ثمان وثمانين أو بعدها وقد جاوز المائة ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال أُتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( بقدح) فيه ماء ( فشرب) زاد في باب الشرب: منه ( وعن يمينه غلام هو) ولأبي ذر: وهو ( أحدث القوم) سنًّا وكان مولده قبل الهجرة بثلاث سنين -رضي الله عنه- ( والأشياخ عن يساره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان فيهم خالد بن الوليد ( قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي الوقت فقال أي لابن عباس:
( يا غلام أتأذن لي أن أعطي الأشياخ) القدح ليشربوا ( فقال) ابن عباس: ( ما كنت لأُوثر بنصيبي منك أحدًا يا رسول الله فأعطاه) عليه الصلاة والسلام ( إياه) .

قال المهلب: لا مناسبة بين الحديث والترجمة إذ لا دلالة فيه على أن صاحب الماء أحق به وإنما فيه أن الأيمن أحق.

وأجاب ابن المنير بأن استدلال البخاري ألطف من ذلك لأنه إذا استحقه الأيمن بالجلوس واختص به فكيف لا يختص به صاحب اليد المتسبب في تحصيله؟ وتعقبه العيني فقال: فيه نظر لأن الفرق ظاهر بين الاستحقاقين فاستحقاق الأيمن غير لازم حتى إذا منع ليس له الطلب الشرعي بخلاف صاحب اليد.

وأجاب في فتح الباري: بأن مناسبته من حيث إلحاق الحوض والقربة بالقدح فكان صاحب القدح أحق بالتصرف فيه شربًا وسقيًا، وتعقبه في عمدة القاري فقال: إن كان مراده القياس عليه فغير صحيح لما تقدم، وإن كان مراده من الإلحاق أن صاحب القدح مثل صاحب القربة في الحكم فليس كذلك على ما لا يخفى قال وقوله فكان صاحب القدح أحق بالتصرف فيه شربًا وسقيًا لا يخلو أن يقرأ قوله: فكأن بكاف التشبيه دخلت على أن بفتح الهمزة أو كان بلفظ الماضي من الأفعال

الناقصة وأيًّا ما كان ففساده ظاهر يعرف بالتأمل، لكن قد يقال: إن صاحب الحوض مثل صاحب القدح في مجرد الاستحقاق مع قطع النظر عن اللزوم وعدمه انتهى.

وهذا الحديث قد مرّ في باب الشرب.




[ قــ :66 ... غــ : 367 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَذُودَنَّ رِجَالاً عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الإِبِلِ عَنِ الْحَوْضِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد الشين المعجمة أبو بكر بندار قال: ( حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر البصري ربيب شعبة قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن محمد بن زياد) القرشي الجمحي المدني أنه قال: ( سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( و) الله ( الذي نفسي بيده) بقدرته ( لأذودن) بهمزة مفتوحة فذال معجمة مضمومة ثم واو ساكنة ثم دال مهملة أي لأطردن ( رجالاً عن حوضي) المستمد من نهر الكوثر ( كما تذاد) تطرد الناقة ( الغريبة من الإبل عن الحوض) إذا أرادت الشرب والحكمة في الذود المذكور أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد أن يرشد كل أحد إلى حوض نبيه على ما سيجيء إن شاء الله تعالى في ذكر الحوض من كتاب الرقاق: إن لكل نبي حوضًا أو أن المذودين هم المنافقون أو المبتدعون أو المرتدون الذين بدلوا.

ومناسبته للترجمة في قوله حوضي فإنه يدل على أنه أحق بحوضه وبما فيه.

وهذا الحديث ذكره المؤلّف معلقًا، وأخرجه مسلم موصولاً في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.




[ قــ :67 ... غــ : 368 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ -أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ عَيْنًا مَعِينًا.
وَأَقْبَلَ جُرْهُمُ فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ.
قَالُوا نَعَمْ".
[الحديث 368 - أطرافه في: 36، 3363، 3364، 3365] .

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني ( عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون قال: ( أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: ( أخبرنا معمر) بفتح الميمين وسكون العين ابن راشد ( عن أيوب) السختياني ( وكثير بن كثير) بالمثلثة فيهما ابن المطلب بن أبي وداعة السهمي الكوفي ( يزيد أحدهما على الآخر) قال صاحب الكواكب: كلٌّ منهما مزيد ومزيد عليه باعتبارين ( عن سعيد بن جبير) أنه ( قال: قال ابن عباس -رضي الله عنهما- قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( يرحم الله أُم إسماعيل) هاجر ( لو تركت زمزم) لما ضرب جبريل موضعها بعقبه حتى ظهر ماؤها ولم تحوضه ( أو قال) عليه الصلاة والسلام ( لو لم تغرف من الماء) إلى القربة والشك من الراوي ( لكانت عينًا معينًا) بفتح الميم أي ظاهرًا جاريًا على وجه الأرض لأن ظهورها نعمة من لله محضة بغير عمل عامل فلما خالطها تحويض هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك ( وأقبل جرهم) بضم الجيم وسكون الراء حيّ من اليمن وهو ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ( فقالوا) لأُم إسماعيل ( أتأذنين) لنا ( أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولا حق لكم في الماء.
قالوا: نعم)
بفتح العين وفي لغة كنانة وهذيل كسرها وهي حرف تصديق ووعد وإعلام، فالأول بعد الخبر كقام زيد أو ما قام زيد، والثاني بعد أفعل ولا تفعل وما في معناهما نحو هلاّ تفعل وهلاّ لم تفعل وبعد الاستفهام في نحو: هل تعطيني، والثالث المتعين بعد الاستفهام في نحو: هل جاءك زيد، ونحو: { فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا} [الأعراف: 144] ولم يذكر سيبويه معنى الإعلام البتّة بل قال: وأما نعم فعدة وتصديق، وأما بلى فيوجب بها بعد النفي وكأنه رأى أنه إذا قيل هل قام زيد؟ فقيل: نعم فهي لتصديق ما بعد الاستفهام والأولى ما ذكرناه من أنها للإعلام إذ لا يصح أن يقال لقائل ذلك صدقت لأنه إنشاء لا خبر، وليعلم أنه إذا قيل: قام زيد فتصديقه نعم وتكذيبه لا ويمتنع دخول بلى لعدم النفي، وإذا قيل ما قام زيد فتصديقه نعم وتكذيبه بلى، ومنه: { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى} [التغابن: 7] ويمتنع دخول لا لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي، وإذا قيل أقام زيد فهو مثل قام زيد أعني إنك إذا أثبت القيام نعم، وإذا نفيته لا.
ويمتنع دخول بلى.
وإذا قيل: ألم يقم زيد فهو مثل لم يقم زيد فتقول إن أثبت القيام بلى ويمتنع دخول لا وإن نفيته قلت نعم.
قال تعالى: { ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 17] .

وعن ابن عباس أنه لو قيل: نعم في جواب { ألست بربكم} كان كفرًا، والحاصل أن بلى لا تأتي إلا بعد نفي وأن لا لا تأتي إلا بعد إيجاب وأن نعم تأتي بعدها، وإنما جاز { بلى وقد جاءتك آياتي} [الزمر: 59] مع أنه لم تتقدم أداة نفي لأن: { لو أن الله هداني} [الزمر: 57] يدل على نفي هدايته ومعنى الجواب حينئذٍ بلى قد هديتك بمجيء الآيات أي قد أرشدتك بذلك.

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في أحاديث الأنبياء والنسائي في المناقب.




[ قــ :68 ... غــ : 369 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ».

قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -غَيْرَ مَرَّةٍ- عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.


وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني ( عبد الله بن محمد) البخاري المسندي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) هو ابن دينار ( عن أبي صالح) ذكوان ( السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( ثلاثة) من الناس ( لا يكلمهم الله يوم القيامة) عبارة عن غضبه عليهم وتعريض بحرمانهم حال مقابلتهم في الكرامة والزلفى من الله، وقيل: لا يكلمهم بما يحبون ولكن بنحو قوله: { اخسؤوا فيها ولا تكلمون} [المؤمنون: 108] ( ولا ينظر إليهم) نظر رحمة أولهم ( رجل حلف على سلعة) ولأبي ذر: على سلعته ( لقد أعطى) بفتح الهمزة والطاء لمن اشتراها منه ( بها) أي بسببها ولأبي ذر: أعطي بضم الهمزة وكسر الطاء مبنيًّا للمفعول أي أعطاه من يريد شراءها ( أكثر مما أعطى) بفتح الهمزة والطاء أي دفع له أكثر مما أعطى زيد الذي استامه ( وهو كاذب) جملة حالية ( و) الثاني ( رجل حلف على يمين كاذبة) أي محلوف فسمى يمينًا مجازًا للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلاّ فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة ( بعد العصر) قال الخطابي: خصّ وقت العصر بتعظيم الإثم فيه وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة كل وقت لأن الله عظّم هذا الوقت، وقد روي أن الملائكة تجتمع فيه وهو ختام الأعمال والأمور بخواتيمها فغلظت العقوبة فيه لئلا يقدم عليها ( ليقتطع بها مال رجل مسلم) أي ليأخذ قطعة من ماله ( و) الثالث ( رجل منع فضل ماء) زائد عما يحتاج إليه ولأبي ذر فضل مائه ( فيقول الله اليوم أمنعك فضلي) بضم العين ( كما منعت فضل ما لم تعمل يداك) .

( قال عليّ) هو ابن المديني: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( غير مرة عن عمرو) هو ابن دينار أنه ( سمع أبا صالح) ذكوان السمان ( يبلغ به النبي) أي يرفع أبو صالح الحديث إلى النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه إشارة إلى أن سفيان كان يرسل هذا الحديث كثيرًا ولكنه صحح الموصول لكونه سمعه من الحفاظ موصولاً، وقد أخرجه أيضًا عمرو الناقد فيما أخرجه عنه عن سفيان.

ومناسبة الحديث للترجمة من حيث أن المعاقبة وقعت على منع الفضل فدلّ على أنه أحق بالأصل، وقد مضى هذا الحديث في باب: إثم من منع ابن السبيل من الماء.