فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب بيع الحطب والكلإ

باب بَيْعِ الْحَطَبِ وَالْكَلإِ
( باب بيع الحطب) المحتطب من الأرض المباحة ( والكلأ) بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصورًا وهو العشب رطبه ويابسه.


[ قــ :2273 ... غــ : 2373 ]
- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلاً فَيَأْخُذَ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ فَيَبِيعَ فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهِ وَجْهَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أُعْطِيَ أَمْ مُنِعَ».

وبه قال: ( حدّثنا معلى بن أسد) العمي أبو الهيثم البصري قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن الزبير بن العوّام -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( لأن يأخذ أحدكم أحبلاً) بهمزة مفتوحة وحاء مهملة ساكنة وموحدة مضمومة جمع حبل ويجمع أيضًا على حبال قال أبو طالب:
أمن أجل حبل لا أباك ضربته ... بمنسأة قد جرّ حبلك أحبلا
واللام في قوله "لأن" ابتدائية أو جواب لقسم محذوف أي: والله لأن، ولأبي ذر عن الكشميهني: لأن يأخذ أحدكم حبلاً ( فيأخذ) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق ( حزمة) بضم الحاء المهملة وسكون الزاي والنصب على المفعولية ( من حطب) ولأبي الوقت: حزمة حطب بالإضافة وسقوط حرف الجر ( فيبيع فيكف الله به) أي فيمنع الله بثمن ما يبيعه ( وجهه) من أن يريق ماءه بالسؤال من الناس وقوله فيبيع فيكف بالنصب فيهما عطفًا على السابق ولأبي ذر: فيكف الله بها عن وجهه فأنّث الضمير باعتبار الحزمة ( خير) خبر مبتدأ محذوف أي هو خير له ( من أن يسأل الناس) أي إن لم يجد أحدكم إلا الاحتطاب من الحرف فهو مع ما فيه من امتهان المرء نفسه ومن المشقّة خير له من سؤال الناس ( أعطي أم منع) بضم الهمزة وكسر الطاء في الأول وضم الميم وكسر النون في الثاني مبنيين للمفعول.

وهذا الحديث سبق في باب الاستعفاف في المسالة من كتاب الزكاة، ومطابقته للترجمة هنا في قوله: "فيأخذ حزمة من حطب فيبيع".




[ قــ :74 ... غــ : 374 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ».


وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجدّه واسم أبيه عبد الله قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ( عن أبي عبيد) مصغرًا ( مولى عبد الرحمن بن عوف أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
والله ( لأن يحتطب أحدكم حزمة) أي من حطب بأرض مباحة ثم يحملها ( على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا) أن مصدرية أي من سؤال أحد ( فيعطيه أو يمنعه) بنصب الفعلين عطفًا على ما قبلهما وسقط قوله له في رواية أبوي الوقت وذر.




[ قــ :75 ... غــ : 375 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنهم- أَنَّهُ قَالَ: "أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَغْنَمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَارِفًا أُخْرَى، فَأَنَخْتُهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا لأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَعَهُ قَيْنَةٌ.
فَقَالَتْ: أَلاَ يَا حَمْزَ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ، فَثَارَ إِلَيْهِمَا حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا -قُلْتُ لاِبْنِ شِهَابٍ: وَمِنَ السَّنَامِ: قَالَ: قَدْ جَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا فَذَهَبَ بِهَا- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه-: فَنَظَرْتُ إِلَى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدٌ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَى حَمْزَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ.

     وَقَالَ : هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لآبَائِي! فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي المعروف بالصغير قال: ( أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني اليماني قاضيها ( أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي ( أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد ( ابن شهاب) الزهري ( عن عليّ بن حسين بن عليّ) سقط لأبي ذر: ابن عليّ ( عن أبيه حسين بن عليّ عن أبيه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم أنه قال: أصبت شارفًا) بشين معجمة وبعد الألف راء مكسورة ثم فاء المسنة من النوق قاله الجوهري وغيره وعن الأصمعي يقال للذكر شارف والأنثى شارفة ( مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مغنم يوم بدر) في السنة الثانية من الهجرة وفي نسخة في مغنم يوم بدر بإضافة مغنم ليوم ( قال: وأعطاني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شارفًا) مسنّة ( أخرى) من النوق قبل يوم بدر من الخمس من غنيمة عبد الله بن جحش ( فأنختهما يومًا عند باب رجل من الأنصار وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخزًا) بكسر الهمزة وسكون الدال وكسر الخاء المعجمتين نبت معروف طيب الرائحة يستعمله الصوّاغون واحدته إذخرة
( لأبيعه ومعي صائغ) بصاد مهملة وبعد الألف همزة وقد تسهل وآخره غين معجمة من الصياغة ولأبي ذر عن المستملي: طابع بطاء مهملة وموحدة مكسورة بعد الألف فعين مهملة، وله أيضًا عن الحموي: طالع باللام بدل الموحدة أي ومعه من يدله على الطريق قال الكرماني، وقد يقال إنه اسم الرجل ( من بني قينقاع) بفتح القافين وضم النون وفتحها في الفرع ويجوز الكسر غير منصرف على إرادة القبيلة أو منصرف على إرادة الحيّ وهم رهط من اليهود ( فأستعين به) أي بثمن الإذخر ( على وليمة فاطمة) بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقوله: فأستعين بالنصب عطفًا على قوله لأبيعه ( وحمزة بن عبد المطلب يشرب) خمرًا ( في ذلك البيت معه قينة) بفتح القاف وسكون التحتية وفتح النون ثم هاء تأنيث أي مغنية ( فقالت: ألا) للتنبيه ( يا حمز) منادى مرخم مفتوح الزاي على لغة من نوى وفي نسخة: يا حمز بضم الزاي على لغة من لم ينوِ ( للشرف) بضم الشين المعجمة والراء جمع شارف وهي المسنة من النوق ( النواء) بكسر النون وتخفيف الواو ممدودًا جمع ناوية وهي السمينة صفة للشرف وفي جمعهما وهما شارفان دليل على إطلاق الجمع على الاثنين والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره انهض تستدعيه أن ينحر شارفي عليّ المذكورين ليطعم أضيافه من لحمهما، وهذا مطلع قصيدة وبقيته:
وهن معقلات بالفناء
وبعده:
ضع السكين في اللبات منها ... وضرّجهن حمزة بالدماء
وعجل من أطايبها الشرب ... قديرًا من طبيخ أو شواء
وقوله: بالفناء بكسر الفاء المكان المتسع أمام الدار، واللبات جمع لبة وهي المنحر، وضرّجهنّ أمر من التضريج بالضاد المعجمة والجيم التدمية، وأطايب الجزور السنام والكبد، والشرب بفتح الشين المعجمة الجماعة يشربون الخمر، وقديرًا: منصوب على أنه مفعول لقوله عجل والقدير المطبوخ في القدر.

( فثار) بالمثلثة أي قام بنهضة ( إليهما) أي إلى الشارفين ( حمزة بالسيف) لما سمع مقالة القينة ( فجب) بالجيم والموحدة المشددة قطع ( أسنمتهما) جمع سنام فهو على حدّ { فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] إذ المراد قلبًا كما والسنام ما علا ظهر البعير ( وبقر) بالموحدة والقاف أي شق ( خواصرهما) أي خصريهما ( ثم أخذ من أكبادهما) لأن السنام والكبد أطايب الجزور عند العرب قال ابن جريج: ( قلت لابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( ومن السنام) بفتح السين أي أخذ منه ( قال قد جب) قطع ( أسنمتهما فذهب بها) جمع الضمير على لفظ الأسنمة، وهذه الجملة مدرجة من قول ابن جريج.

( قال ابن شهاب، قال عليّ) هو ابن أبي طالب ( -رضي الله عنه-: فنظرت إلى منظر) بفتح الميم والمعجمة ( أفظعني) بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الظاء المعجمة والعين المهملة أي خوّفني لتضرره بتأخر الابتناء بفاطمة -رضي الله عنها- بسبب فوات ما يستعين به قال: ( فأتيت نبيّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنده زيد بن حارثة) حبه عليه الصلاة والسلام ( فأخبرته الخبر فخرج) عليه الصلاة والسلام ( ومعه زيد) حبه ( فانطلقت معه فدخل على حمزة) البيت الذي هو فيه ( فتغيظ) أي أظهر عليه الصلاة والسلام الغيظ ( عليه فرفع حمزة بصره وقال: هل أنتم إلا عبيد لآبائي) ؟ أراد به التفاخر عليهم بأنه أقرب إلى عبد المطلب ومن فوقه لأن عبد الله أبا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا طالب عمه كانا كالعبدين لعبد المطلب في الخضوع لحرمته وجواز تصرفه في مالهما وقد قاله قبل تحريم الخمر فلم يؤاخذ به، ( فرجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( يقهقر) أي إلى ورائه.
زاد في آخر الجهاد: ووجهه لحمزة خشية أن يزداد عيبه في حال سكره فينتقل من القول إلى الفعل فأراد أن يكون ما يقع منه بمرأى منه ليدفعه إن وقع منه شيء.
وعند ابن أبي شيبة أنه أغرم حمزة ثمنها ومحل النهي عن القهقرى إن لم يكن عذر ( حتى خرج عنهم) أي عن حمزة ومن معه ( وذلك) أي المذكور من هذه القصة ( قبل تحريم الخمر) فلذلك عذره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما قال وفعل ولم يؤاخذه -رضي الله عنه-.

وموضع الترجمة منه قوله: وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخرًا لأبيعه فإنه دالّ على ما ترجم به من جواز الاحتطاب والاحتشاش، والحديث قد سبق بعضه في باب: ما قيل في الصواغ من كتاب البيوع، ويأتي إن شاء الله تعالى في المغازي واللباس والخمس، وقد أخرجه مسلم وأبو داود واستنبط منه فوائد كثيرة تأتي إن شاء الله تعالى في محالها والله الموفق والمعين.