فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا قاص أو جازفه في الدين تمرا بتمر أو غيره

باب إِذَا قَاصَّ، أَوْ جَازَفَهُ فِي الدَّيْنِ تَمْرًا بِتَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ
( باب) بالتنوين ( إذا قاص) بتشديد الصاد المهملة ( أو جازفه) بالجيم والزاي من المجازفة وهي الحدس ( في الدين) متعلق بكلٍّ من المقاصة والمجازفة أي عند الأداء زاد في رواية أبوي ذر والوقت والأصلي هنا فهو جائز أي سواء كانت المقاصة والمجازفة ( تمرًا بتمر أو غيره) كبر ببرّ أو شعير بشعير والضمير في قاصّ يرجع إلى المديون وكذا الضمير المرفوع في جازفه وأما المنصوب فإلى صاحب الدين، وقد اعترض المهلب على المؤلّف بأنه يجوز أن يأخذ من له دين تمر من غريمه تمرًا مجازفة بدينه لما فيه من الجهل والغرر، وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة إذا علم الآخذ ذلك ورضي انتهى.


وأجيب: بأن مراد البخاري ما أثبته المعترض لا ما نفاه وغرضه بيان أنه يغتفر في القضاء من المعاوضة ما لا يغتفر ابتداء لأن بيع الرطب بالتمر لا يجوز في غير العرايا ويجوز في المعاوضة عند الوفاء.


[ قــ :2295 ... غــ : 2396 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: "أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلاَثِينَ وَسْقًا لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَاسْتَنْظَرَهُ جَابِرٌ، فَأَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ، فَكَلَّمَ جَابِرٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَشْفَعَ لَهُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ لِيَأْخُذَ ثَمَرَ نَخْلِهِ بِالَّذِي لَهُ فَأَبَى، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّخْلَ فَمَشَى فِيهَا، ثُمَّ قَالَ لِجَابِرٍ: جُدَّ لَهُ فَأَوْفِ لَهُ الَّذِي لَهُ، فَجَدَّهُ بَعْدَ مَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَوْفَاهُ ثَلاَثِينَ وَسْقًا، وَفَضَلَتْ لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَجَاءَ جَابِرٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُخْبِرَهُ بِالَّذِي كَانَ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُ بِالْفَضْلِ، فَقَالَ: أَخْبِرْ ذَلِكَ ابْنَ الْخَطَّابِ، فَذَهَبَ جَابِرٌ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ عَلِمْتُ حِينَ مَشَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُبَارَكَنَّ فِيهَا".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني ( إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله بن المنذر الحزامي بالزاي تكلم فيه أحمد من أجل القرآن ووثقه ابن معين وابن وضاح والنسائي وأبو حاتم والدارقطني واعتمده البخاري وانتقى من حديثه وروى له الترمذي والنسائي وغيرهما قال: ( حدّثنا أنس) هو ابن عياض أبو ضمرة ( عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير ( عن وهب بن كيسان) بفتح الكاف القرشي مولاهم أبي نعيم المدني ( عن جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- أنه أخبره أن أباه) عبد الله ( توفي وترك عليه ثلاثين وسقًا) من تمر دينًا ( لرجل من اليهود) هو أبو الشحم رواه الواقدي في المغازي في قصة دين جابر عن إسماعيل بن عطية بن عبد الله السلمي عن أبيه عن جابر، وكذا ذكره في المنتقى من تاريخ دمشق لابن عساكر، وفي رواية فراس عن الشعبي في الوصايا أن أباه استشهد يوم أُحُد وترك ست بنات وترك عليه دينًا ( فاستنظره جابر) طلب أن ينظره في الدين المذكور ( فأبى) امتنع ( أن ينظره) من إنظاره ( فكلم جابر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليشفع له إليه فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكلم) بالواو، ولأبي ذر: فكلم ( اليهودي ليأخذ ثمر نخله) بالمثلثة وفتح الميم ( بالذي له) من الدين، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: بالتي أي بالأوسق التي له ( فأبى) اليهودي ( فدخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النخل فمشى فيها) .

وفي الباب فطاف في النخل ودعا في ثمرتها بالبركة ( ثم قال لجابر) : ( جد) : أي اقطع ( له فأوفِ له الذي له) بفتح همزة فأوف ( فجده) أي قطعه جابر ( بعدما رجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأوفاه ثلاثين وسقًا) التي كانت له في ذمة أبيه ( وفضلت له سبعة عشر وسقًا) بالموحدة بعد السين المهملة وضاد فضلت مفتوحة في الفرع وبالكسر ضبطها البرماوي، وفي علامات النبوّة

فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم وجمع بينهما بالحمل على تعدّد الغرماء فكأن أصل الدين كان منه ليهودي ثلاثون وسقًا من صنف واحد فأوفاه وفضل من ذلك البيدر سبعة عشر وسقًا وكان منه لغير ذلك اليهودي أشياء أُخَر من أصناف أخرى فأوفاهم وفضل من المجموع قدر الذي أوفاه، ويؤيده قوله في رواية نبيح العنزي عن جابر عند الإمام أحمد فكِلت لهم من العجوة فأوفاهم الله وفضل لنا من التمر كذا وكذا ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في باب علامات النبوّة بعون الله وقوّته.

( فجاء جابر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليخبره بالذي كان) من البركة وفضل من التمر بعد قضاء الدين ( فوجده يصلّي العصر فلما انصرف أخبره بالفضل فقال) عليه الصلاة والسلام له: ( أخبر ذلك) الذي ذكرته من الفضل ( ابن الخطاب) عمر -رضي الله عنه- ولأبي ذر ذاك بإسقاط اللام ( فذهب جابر إلى عمر فأخبره) بذلك ( فقال له) أي لجابر ( عمر لقد علمت حين مشى فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليباركنّ فيها) بضم التحتية وفتح الراء مبنيًا للمفعول مؤكدًا بالنون الثقيلة، وقيل: وخصّ عمر بذلك لأنه كان مهتمًّا بقصة جابر.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الصلح وأبو داود في الوصايا وكذا النسائي وأخرجه ابن ماجة في الأحكام.