فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الشفاعة في وضع الدين

باب الشَّفَاعَةِ فِي وَضْعِ الدَّيْنِ
( باب الشفاعة في وضع) بعض ( الدين) لا إسقاطه كله.


[ قــ :2303 ... غــ : 2405 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا، فَطَلَبْتُ إِلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَنْ يَضَعُوا بَعْضًا مِنْ دَيْنِهِ فَأَبَوْا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَشْفَعْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا.
فَقَالَ: صَنِّفْ تَمْرَكَ كُلَّ شَىْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ عِذْقَ ابْنِ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَاللِّينَ عَلَى حِدَةٍ، وَالْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ أَحْضِرْهُمْ حَتَّى آتِيَكَ.
فَفَعَلْتُ.
ثُمَّ جَاءَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَعَدَ عَلَيْهِ، وَكَالَ لِكُلِّ رَجُلٍ حَتَّى اسْتَوْفَى، وَبَقِيَ التَّمْرُ كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ".

وبه قال: ( حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي البصري قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري ( عن مغيرة) بن مقسم بكسر الميم الضبي ( عن عامر) الشعبي ( عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري ( -رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه ( قال: أصيب) أبي ( عبد الله) هو ابن عمرو بن حرام يوم أحد أي قتل ( وترك عيالاً) بكسر العين سبع بنات أو تسعًا ( ودينًا) ثلاثين وسقًا كما مرّ مع غيره ( فطلبت إلى أصحاب الدين) أي انتهى طلبي إليهم ( أن يضعوا بعضًا من دينه) وسقط لأبي ذر قوله من دينه وفي روايته كن الحموي والمستملي بعضها بدل قوله بعضًا ( فأبوا) أن يضعوا ( فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاسثشفعت به عليهم فأبوا) أن يضعوا بعد أن سألهم عليه الصلاة والسلام في ذلك ( فقال) عليه الصلاة والسلام لي:
( صنّف تمرك) اجعله أصنافًا متميزة ( كل شيء منه على حدته) بكسر الحاء وتخفيف الدال على انفراده غير مختلط بغيره والهاء عوض من الواو مثل عدة ( عذق ابن زيد) بكسر العين المهملة وفي نسخة بفتحها وسكون الذال المعجمة والنصب بدلاً من السابق وهو علم على شخص نسب إليه هذا النوع الجيد من التمر، وقال الدمياطي: المشهور عذق زيد والعذق بالفتح النخلة وبالكسر الكباسة ( على حدة) ولأبي ذر: على حدته ( واللين) بكسر اللام وسكون التحتية اسم جنس جمعي واحده لينة

وهو من اللون فياؤه منقلبة عن واو لسكونها وانكسار ما قبلها نوع من التمر أيضًا أو هو رديئه وقيل إن أهل المدينة يسمون النخل كلها ما عدا الببرنيّ والعجوة اللون ( على حدة) ولأبي ذر: على حدته ( والعجوة) وهي من أجود التمر ( على حدة ثم أحضرهم) بكسر الضاد المعجمة والجزم فعل أمر أي أحضر الغرماء ( حتى آتيك) قال جابر: ( ففعلت) ما أمرني به عليه الصلاة والسلام من التصنيف وإحضار الغرماء ( ثم جاء عليه السلام) وفي نسخة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقعد عليه) أي على التمر ( وكال) من التمر ( لكل رجل) من أصحاب الدّيون حقه ( حتى استوفى) حقهم ( وبقي التمر كما هو) قال الكرماني كلمة ما موصولة مبتدأ خبره محذوف أو زائدة أي كمثله ( كأنه لم يمس) بضم التحتية وفتح الميم مبنيًّا للمفعول وقال جابر بالسند المذكور:



[ قــ :304 ... غــ : 406 ]
- "وَغَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَاضِحٍ لَنَا، فَأَزْحَفَ الْجَمَلُ فَتَخَلَّفَ عَلَىَّ فَوَكَزَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خَلْفِهِ.
قَالَ: بِعْنِيهِ وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ -فَلَمَّا دَنَوْنَا اسْتَأْذَنْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَمَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ: ثَيِّبًا، أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ وَتَرَكَ جَوَارِيَ صِغَارًا فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا تُعَلِّمُهُنَّ وَتُؤَدِّبُهُنَّ.
ثُمَّ قَالَ: ائْتِ أَهْلَكَ.
فَقَدِمْتُ فَأَخْبَرْتُ خَالِي بِبَيْعِ الْجَمَلِ فَلاَمَنِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِإِعْيَاءِ الْجَمَلِ، وَبِالَّذِي كَانَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَكْزِهِ إِيَّاهُ.
فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَوْتُ إِلَيْهِ بِالْجَمَلِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَ الْجَمَلِ وَالْجَمَلَ وَسَهْمِي مَعَ الْقَوْمِ".

(وغزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) غزوة ذات الرقاع كما قاله ابن إسحاق أو تبوك كما يأتي إن شاء الله تعالى في تعليق داود بن قيس في الشروط (على ناضح لنا) بالضاد المعجمة والحاء المهملة جمل يسقى عليه النخل (فأزحف) بهمزة مفتوحة فزاي فحاء مهملة ففاء أي كل وأعيا (الجمل) بالجيم وأصله أن البعير إذا تعب يجرّ رسنه فكأنهم كنوا بقولهم أزحف رسنه أي جرّه من الإعياء ثم حذفوا المفعول لكثرة الاستعمال (فتخلّف عليّ) أي عن القوم (فوكزه) بالواو بعد الفاء أي ضربه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالعصا (من خلفه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فوكزه بالراء بدل الواو أي ركز فيه العصا والمراد المبالغة في ضربه بها فسبق القوم (قال) عليه الصلاة والسلام:
(بعنيه) في رواية سبقت بوقية (ولك ظهره إلى المدينة) أي ركوبه وللنسائي وأعرتك ظهره إلى المدينة (فلما دنونا) قربنا من المدينة (استأذنت فقلت يا رسول الله إني حديث عهد بعرس قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فما تزوجت بكرًا أم) بالميم ولأبوي ذر والوقت: أو (ثيبًا)؟ بالمثلثة أوّله (قلت) تزوّجت (ثيبًا أصيب عبد الله) أبي (وترك جواري صغارًا فتزوجت ثيبًا تعلمهن وتؤدبهن ثم قال) عليه الصلاة والسلام (ائت أهلك فقدمت) عليهم (فأخبرت خالي) ثعلبة بن عنمة بفتح العين المهملة والنون ابن عدي بن سنان الأنصاري الخزرجي وله خال آخر اسمه عمرو بن عنمة وأختمها أنيسة بنت عنمة أم جابر بن عبد الله (ببيع الجمل فلامني) يحتمل أن يكون لومه لكونه محتاجًا إليه أو لكونه باعه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

ولم يهبه منه.
وعند ابن عساكر بإسناده إلى جابر أن اسم خاله الذي شهد به العقبة الجد بن قيس بالجيم والدال المهملة.

ورواه الطبراني وابن منده من طريق معاوية بن عمار عن أبيه عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: حملنى خالي جد بن قيس وما أقدر أن أرمي بحجر في السبعين راكبًا من الأنصار الذين وفدوا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث في بيعة العقبة وإسناده قوي ويقال: إنه كان منافقًا فروى أبو نعيم وابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه نزل فيهم، ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني فيحتمل أن الجد خال جابر من جهة مجازية وأن يكون هو الذي لامه على بيع الجمل لما اتهم به من النفاق بخلاف ثعلبة وعمرو، وقد ذكر أبو عمر في آخر ترجمة جد بن قيس أنه تاب وحسنت توبته (فأخبرته) أي خالي (بإعياء الجمل وبالذي كان من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووكزه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وركزه (إياه فلما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه بالجمل فأعطاني ثمن الجمل) وزادني (و) أعطاني (الجمل وسهمي) من الغنيمة بإسكان الهاء اسم مضاف إلى الياء مع نصبه عطفًا على المنصوب السابق وفي البرماوي كالكرماني ويروى وسهمني (مع القوم) بفتح الهاء والميم فعل اتصلت به نون الوقاية وضبطه في المصابيح كالتنقيح بتشديد الهاء، وهذا كما قال ابن الجزري من أحسن التكرم لأن من باع شيئًا فهو في الغالب محتاج لثمنه فإذا تعوّض الثمن بقي في قلبه من البيع أسف على فراقه فإذا ردّ عليه المبيع مع ثمنه ذهب أسفه وثبت فرجه وقضيت حاجته فكيف مع ما انضم إليه من الزيادة في الثمن.