فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب كلام الخصوم بعضهم في بعض

باب كَلاَمِ الْخُصُومِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ
( باب كلام الخصوم بعضهم في بعض) أي فيما لا يوجب حدًّا ولا تعزيرًا.

2416، 2417 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ.
قَالَ فَقَالَ الأَشْعَثُ: فِيَّ وَاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ.
كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ:

فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِفْ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِي.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} إِلَى آخِرِ الآيَةِ".

وبه قال: ( حدّثنا محمد) هو ابن سلام كما ذكره أبو نعيم وخلف قال: ( أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي الضرير ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن شقيق) أبي وائل هو ابن سلمة الأسدي الكوفي ( عن عبد الله) بن مسعود ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( من حلف على يمين) أي محلوف يمين أو على شيء بيمين ( وهو فيها) أي والحال أنه فيها ( فاجر) كاذب ( ليقتطع بها) أي باليمين الفاجرة ( مال امرئ مسلم) أو ذمي والتقييد بالمسلم جرى على الغالب كما جرى على الغالب في تقييده بمال وإلا فلا فرق بين المسلم والذمي والمعاهد وغيرهم ولا بين المال وغيره في ذلك لأن الحقوق كلها في ذلك سواء ومعنى اقتطاعه المال أن يأخذه بغير حقه بل بمجرد يمينه المحكوم بها في ظاهر الشرع ( لقي الله) عز وجل يوم القيامة ( وهو عليه غضبان) جملة اسمية وقعت حالاً والغضب من المخلوقين شيء يداخل قلوبهم ولا يليق أن يوصف الباري تعالى بذلك فيؤول ذلك على ما يليق به تعالى فيحمل على آثاره ولوازمه، فيكون المراد أن يعامله معاملة المغضوب عليه فيعذبه بما شاء من أنواع العذاب ( قال: فقال الأشعث) بن قيس الكندي ( فيّ والله كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود) اسمه الجفشيش بالجيم المفتوحة والشينين المعجمتين
بينهما تحتية ساكنة على الأشهر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: كان بين رجل وبيني ( أرض) ولمسلم أرض باليمين وفي باب الخصومة في البئر كانت لي بئر في أرض ( فجحدني فقدّمته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألك بينة) أي تشهد لك باستحقاقك ما ادّعيته قال الأشعث ( قلت لا) بيّنة لي ( قال: فقال) عليه الصلاة والسلام ( لليهودي: احلف قال) الأشعث: ( قلت يا رسول الله إذًا يحلف) بالنصب بإذًا ( ويذهب بمالي) بنصب يذهب عطفًا على سابقه وهذا موضع الترجمة فإنه نسبه إلى الحلف الكاذب لأنه أخبر بما كان يعلمه منه ( فأنزل الله تعالى { إن الذين يشترون} ) أي يستبدلون ( { بعهد الله} ) بما عاهدوا الله عليه الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات ( { وأيمانهم} ) وبما حلفوا عليه ( { ثمنًا قليلاً} ) [آل عمران: 7] متاع الدنيا ( إلى آخر الآية) فى سورة آل عمران أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله أي بما يسرهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم، وقيل نزلت في أحبار حرّفوا التوراة وبدّلوا نعت محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحكم الأمانات وغيرهما وأخذوا على ذلك رشوة، وقيل نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد اشتراها بما لم يشتر به.

وقد سبق هذا الحديث في المساقاة.



[ قــ :2315 ... غــ : 2418 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: يَا كَعْبُ قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا -فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَىِ الشَّطْرَ- قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون قال: ( حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري وأصله من بخارى قال: ( أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا ( يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن عبد الله بن كعب بن مالك عن) أبيه ( كعب -رضي الله عنه- أنه تقاضى ابن أبي حدرد) بفتح الحاء وسكون الدال المهملتين ثم راء مفتوحة ثم دال مهملة قال الجوهري: ولم يأتِ من الأسماء على قعلع بتكرير العين غير حدرد واسمه عبد الله الأسلمي ( دينًا) وعند الطبراني أنه كان أوقيتين ( كان له عليه في المسجد) متعلق بتقاضى ( فارتفعت أصواتهما حتى سمعها) أي الأصوات ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته) بكسر السين المهملة وسكون الجيم وبالفاء أي سترها أو هو أحد طرفي الستر المفرج ( فنادى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يا كعب قال) كعب ( لبيك يا رسول الله قال) عليه الصلاة والسلام ( ضع من دينك هذا فأومأ) بالفاء أي أشار ولأبي ذر وأومأ ( إليه أي) ضع ( الشطر) أي ضع النصف ( قال) كعب ( لقد فعلت يا رسول الله) عبّر بالماضي مبالغة في امتثال الأمر ( قال) عليه الصلاة والسلام لابن أبي حدرد: ( قم فاقضه) الشطر الآخر.

ومطابقة الترجمة في قوله فارتفعت أصواتهما مع قوله في بعض طرق الحديث فتلاحيا فإن ذلك يدل على أنه وقع بينهما ما يقتضي ذلك.

وهذا الحديث قد سبق في باب التقاضي والملازمة في المسجد من كتاب الصلاة.




[ قــ :316 ... غــ : 419 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْرَأَنِيهَا، وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ لِي: أَرْسِلْهُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: اقْرَأْ فَقَرَأَ.
قَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ.
ثُمَّ قَالَ لِي: اقْرَأْ.
فَقَرَأْتُ.
فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ.
إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ".
[الحديث 419 - أطرافه في: 499، 5041، 6936، 7550] .


وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس الأصبحي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عروة بن الزبير) بن العوّام ( عن عبد الرحمن بن عبد) بالتنوين غير مضاف لشيء ( القاريّ) بتشديد التحتية نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة وليس منسوبًا إلى القراءة، وكان عبد الرحمن هذا من كبار التابعين وذكر في الصحابة لكونه أُتي به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو صغير كما أخرجه البغوي في معجم الصحابة بإسناد لا بأس به ( أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام) بالحاء المهملة والزاي الأسدي وله ولأبيه صحبة وأسلما يوم الفتح ( يقرأ سورة الفرقان) وغلط من قال سورة الأحزاب ( على غير ما أقرؤها وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقرأنيها وكدت أن أعجل عليه) بفتح الهمزة وسكون العين وفتح الجيم، ولأبي ذر في نسخة: أن أعجل عليه بضم الهمزة وفتح العين وتشديد الجيم المكسورة أي أن أخاصمه وأظهر بوادر غضبي عليه ( ثم أمهلته حتى انصرف) .
قال العيني كالكرماني: أي من القراءة انتهى.

وفيه نظر فإن في الفضائل في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف من رواية عقيل عن ابن شهاب فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فيكون المراد هنا حتى انصرف من الصلاة ( ثم لببته) بتشديد الموحدة الأولى وسكون الثانية ( بردائه) جعلته في عنقه وجررته به لئلا ينفلت وإنما فعل ذلك به اعتناء بالقرآن وذبًّا عنه ومحافظة على لفظه كما سمعه من غير عدول إلى ما تجوّزه العربية مع ما كان عليه من الشدة في الأمر بالمعروف، ( فجئت به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية عقيل عن ابن شهاب فانطلقت به أقوله إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقلت إني سمعت هذا يقرأ) زاد عقيل سورة الفرقان ( على غير ما أقرأتنيها فقال) عليه الصلاة والسلام ( لي) :
( أرسله) أي أطلق هشامًا لأنه كان ممسوكًا معه ( ثم قال) عليه الصلاة والسلام ( له) أي لهشام: ( اقرأ فقرأ) زاد عقيل القراءة التي سمعته يقرأ ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( هكذا أنزلت) قال عمر ( ثم قال) عليه الصلاة والسلام ( لي: اقرأ فقرأت) كما أقرأني ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( هكذا أنزلت) ثم قال عليه الصلاة والسلام تطييبًا لعمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين ( إن القرآن أنزل على سبعة أحرف) أي أوجه من الاختلاف وذلك إما في الحركات بلا تغيير في المعنى والصورة نحو البخل ويحسب بوجهين أو بتغيير في المعنى فقط نحو: { فتلقى آدم من ربه كلمات} [البقرة: 37] واذكر بعد أمة وأمه.

وإما في الحروف بتغيير المعنى لا الصورة نحو: تبلو ونبلو وننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك وننجيك أو عكس ذلك نحو: بسطة وبصطة والسراط والصراط أو بتغييرهما نحو: أشد منكم ومنهم ويأتل ويتأل، وفامضوا إلى ذكر الله، وإما في التقديم والتأخير نحو: فيقتلون ويقتلون وجاءت سكرة الحق بالموت أو في الزيادة والنقصان نحو: أوصى ووصى والذكر والأُنثى، فهذا ما يرجع إليه صحيح القراءات وشاذها وضعيفها ومنكرها لا يخرج عنه شيء، وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام مما يعبر عنه بالأصول فليس من الاختلاف الذي يتنوّع فيه اللفظ أو المعنى لأن هذه

الصفات المتنوّعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا ولئن فرض فيكون من الأول ويأتي إن شاء الله تعالى بعونه سبحانه مزيد لذلك في فضائل القرآن، وفي كتابي الذي جمعته في فنون القراءات الأربعة عشر من ذلك ما يكفي ويشفي ( فاقرؤوا منه) أي من المنزل بالسبعة ( ما تيسر) فيه إشارة إلى الحكمة في التعدد وأنه للتيسير على القارئ ولم يقع في شيء من الطرق فيما علمت تعيين الأحرف التي اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان.
نعم يأتي إن شاء الله تعالى ما اختلف في ذلك من دون الصحابة فمن بعدهم في هذه السورة في باب الفضائل، والغرض من الحديث هنا قوله ثم لببته بردائه ففيه مع إنكاره عليه بالقول إنكاره عليه بالفعل.

وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث في فضائل القرآن والتوحيد وفي استتابة المرتدين ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود وأخرجه الترمذي في القراءة والنسائي في الصلاة وفي فضائل القرآن.