فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ضالة الإبل

باب ضَالَّةِ الإِبِلِ
( باب) حكم التقاط ( ضالة الأبل) هل يجوز التقاطها أم لا.


[ قــ :2324 ... غــ : 2427 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ رَبِيعَةَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا وَإِلاَّ فَاسْتَنْفِقْهَا.
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ.
قَالَ: ضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة وبعد الألف مهملة الباهلي البصري قال: ( حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن ربيعة) الرأي بسكون الهمزة أنه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( يزيد) من الزيادة ( مولى المنبعث) بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة المدني ( عن زيد بن خالد الجهني) المدني ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله عما يلتقطه) سواء كان ذهبًا أو فضةً أو لؤلؤًا أو غير ذلك مما عدا الحيوان، وقد زعم ابن بشكوال أن السائل بلال، وعورض بأنه لا يقال له أعرابي، ورجح الحافظ ابن حجر أنه سويد والد عقبة بن سويد الجهني لما في معجم البغوي بسند جيد أنه قال سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن اللقطة قال: وهو أولى ما فسر به المبهم الذي في الصحيح لكونه من رهط زيد بن خالد، وتعقبه العيني بأنه لا يلزم من كون سويد من رهط زيد أن يكون حديثهما واحدًا بحسب الصورة وإن كانا في المعنى من باب واحد، ( فقال) عليه الصلاة والسلام للسائل ولأبي الوقت: قال:
( عرفها سنة ثم احفظ) ولأبوي ذر والوقت: ثم اعرف ( عفاصها) بكسر العين المهملة وبعد الفاء المخففة ألف ثم صاد مهملة أي وعاءها الذي تكون فيه من العفص وهو الثني لأن الوعاء ينثني

على ما فيه ( ووكاءها) الخيط الذي يشدّ به رأس الصرّة أو الكيس ونحوهما ولم يقل في هذه وعددها فيقاس بمعرفة خارجها معرفة داخلها كالجنس هل هي ذهب أم غيره؟ والنوع أهروية أم غيرها؟ والقدر بوزن أو كيل أو عدد ( فإن جاء أحد يخبرك بها) أي باللقطة فأدّها إليه فحذف جواب الشرط للعلم به ( وإلا) بأن لم يجيء أحد ( فاستنفقها) أي بعد أن تعرفها سنة فإن جاء ربها فأدّها إليه.

( قال) أي السائل ( يا رسول الله فضالة الغنم) ؟ أي ما حكمها والأكثرون على أن الضالة مختصة بالحيوان وأما غيره فيقال فيه لقطة، وسوّى الطحاوي بين الضالة واللقطة، ولأبوي ذر والوقت: ضالة الغنم بغير فاء قبل الضاد ( قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي الوقت: فقال ( لك) إن أخذتها وعرفتها سنة ولم تجد صاحبها ( أو لأخيك) في الدين ملتقط آخر ( أو للذئب) إن تركتها ولم يأخذها غيرك لأنها لا تحمي نفسها، وهذا على سبيل السبر والتقسيم، وأشار إلى إبطال قسمين فتعين الثالث فكأنه قال: ينحصر الأمر في ثلاثة أقسام: أن تأخذها لنفسك، أو تتركها فيأخذها مثلك، أو يأكلها الذئب ولا سبيل إلى تركها للذئب فإنه إضاعة مال ولا معنى لتركها لملتقط آخر مثل الأول بحيث يكون الثاني أحق لأنهما استويا، وسبق الأول فلا معنى لترك السابق واستحقاق المسبوق، وإذا بطل هذان القسمان تعين الثالث وهو أن تكون لهذا الملتقط والتعبير بالذئب ليس بقيد فالمراد جنس ما يأكل الشاة ويفترسها من السباع.

( قال) السائل ولأبي الوقت: فقال ( ضالة الأبل) ؟ ما حكمها ( فتمعر) بتشديد العين المهملة أي تغير ( وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الغضب ( فقال) عليه الصلاة والسلام ( ما لك ولها) استفهام إنكاري ( معها حذاؤها) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة ممدودًا أخفافها فتقوى بها على السير وقطع البلاد الشاسعة وورود المياه النائية ( وسقاؤها) بكسر السين المهملة والمدّ جوفها أي حيث وردت الماء شربت ما يكفيها حتى ترد ماء آخر أو السقاء العنق أي ترد الماء وتشرب من غير ساق يسقيها.
قال ابن دقيق العيد: لما كانت مستغنية عن الحافظ والمتعهد وعن النفقة عليها بما ركب في طبعها من الجلادة على العطش والحفاء عبّر عن ذلك بالحذاء والسقاء مجازًا، وبالجملة فالمراد بهذا النهي عن التعرّض لها لأن الأخذ إنما هو للحفظ على صاحبها إما بحفظ العين أو بحفظ القيمة، وهذه لا تحتاج إلى حفظ لأنها محفوظة بما خلق الله فيها من القوّة والمنعة وما يسر لها من الأكل والشرب كما قال: ( ترد الماء وتأكل الشجر) ويلحق بالإبل ما يمتنع بقوّته من صغار السباع كالبقر والفرس، أو بعدوه كالأرنب والظبي، أو بطيرانه كالحمام.
فهذا ونحوه لا يحل التقاطه بمفازة لأنه مصون بالامتناع عن أكثر السباع مستغنٍ بالرعي إلى أن يجده مالكه إذا كان التقاطه له للتملك ويجوز للحفظ صيانة له من الخونة، أما إذا وجده في العمارة فيجوز له التقاطه للتملك ويجوز للحفظ صيانة له من الخونة، أما إذا وجده في العمارة فيجوز له التقاطه للتملك كما يجوز للحفظ، وقيل لا يجوز كالمفازة، وفرّق الأول بأنه في العمارة يضيع بامتداد الخائنة إليه بخلاف المفازة فإن طروّ الناس بها لا يعمّ، ولو وجد في زمن نهب جاز التقاطه للتملك والحفظ قطعًا في المفازة وغيرها، والمراد بالعمارة الشارع والمسجد ونحوهما لأنها

مع الموات محال اللقطة ولو التقط الممتنع من صغار السباع للتملك في مفازة آمنة ضمنه ولا يبرأ بردّه إلى مكانه فإن سلمه إلى الحاكم برئ كما في الغصب، وبالجملة فأخذ الجمهور بظاهر الحديث أن ضالة الإبل ونحوها لا تلتقط، وقال الحنفية: الأولى أن تلتقط.

وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في باب الغضب في الموعظة.