فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا وجد تمرة في الطريق

باب إِذَا وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا وجد) شخص ( تمرة) بالمثناة الفوقية وسكون الميم أو غيرها من المحقرات ( في الطريق) جاز له أخذ ذلك كله.


[ قــ :2327 ... غــ : 2431 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن طلحة) بن مصرف ( عن أنس) هو ابن مالك ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتمرة) ملقاة ( في الطريق قال) ولأبوي ذر والوقت: فقال بالفاء قبل القاف.

( لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة) المحرمة عليّ ( لأكلتها) ظاهره أنه تركها تورعًا خشية أن تكون من الصدقة فلو لم يخش ذلك لأكلها ولم يذكر تعريفًا فدلّ على أن مثل ذلك من المحقرات يملك بالأخذ ولا يحتاج إلى تعريف، لكن هل يقال إنها لقطة رخص في ترك تعريفها أو ليست لقطة لأن اللقطة ما من شأنه أن يتملك دون ما لا قيمة له.




[ قــ :37 ... غــ : 43 ]
- وَقَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ.
.

     وَقَالَ  زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ.

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي، فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْفِيَهَا».

( وقال يحيى) بن سعيد القطان مما وصله مسدد في مسنده عنه وأخرجه الطحاوي من طريق مسدد: ( حدّثنا سفيان) الثوري قال: ( حدّثني) بالإفراد ( منصور) هو ابن المعتمر.

( وقال زائدة) هو ابن قدامة مما وصله مسلم من طريق أبي أسامة عن زائدة ( عن منصور) أيضًا ( عن طلحة) بن مصرف أنه قال ( حدّثنا أنس) .

قال المؤلّف: ( وحدّثنا) وفي بعض الأصول للتحويل، وحدّثنا ( محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن همام بن منبه)

بكسر الموحدة المشددة وتشديد ميم همام الصنعاني أخي وهب ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال: إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة) بسكون الميم وقال أجد بلفظ المضارع استحضارًا للصورة الماضية ( ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها) بالنصب ( ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها) بضم الهمزة وسكون اللام وكسر القاف والرفع قال الكرماني لا غير.
قال العيني: يعني لا يجوز نصب الياء لأنه معطوف على فأرفعها فإذا نصب فربما يظن أنه معطوف على قوله أن تكون فيفسد المعنى انتهى.

نعم في فروع اليونينية فألقيها بالنصب وكذا في كثير من الأصول التي وقفت عليها، وفي الفرع التنكزي فألفيها بالفاء بدل القاف والنصب وعليها علامة أبي ذر مصححًا عليها، وخرج بعض علماء العصر النصب على أنه عطف على تكون بمعنى ألقيها في جوفي أي أخشى أن أطرحها في جوفي، وأما رواية الفاء والنصب فعلى معنى ثم أخشى أن أجدها من الصدقة أي أن يظهر لي أنها من الصدقة اهـ فليتأمل.

ويحتمل تخريجه على نحو خذ اللص قبل يأخذك بالنصب على تقدير قبل أن يأخذك كقوله:
سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا
وقرئ شاذًّا فيدمغه بالأنبياء بالنصب.
قال في الكشاف: وهو في ضعف والذي في اليونينية فألفيها بالفاء وسكون الياء لا غير مصحّحًا عليها.


باب كَيْفَ تُعَرَّفُ لُقَطَةُ أَهْلِ مَكَّةَ؟
وَقَالَ طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهَا إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا».

وَقَالَ خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ».

هذا ( باب) بالتنوين ( كيف تعرف) بفتح العين والراء المشددة مبنيًّا للمفعول ( لقطة أهل مكة.
وقال طاوس)
اليماني فيما وصله المؤلّف في حديث في باب لا يحل القتال بمكة من الحج ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال: لا يلتقط لقطتها) أي مكة وحرمها ( إلا من عرفها) للحفظ لصاحبها.

( وقال خالد) الحذاء مما وصله في باب ما قيل في الصوّاغ من أوائل البيوع في حديث ( عن عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال ( لا تلتقط) بضم أوله وفتح ثالثه ( لقطتها) يعني مكة ( إلا لمعرف) يحفظها لمالكها، ولأبوي ذر والوقت: لا يلتقط بفتح أوّله وكسر ثالثه لقطتها بالنصب على المفعولية إلا معرّف.



[ قــ :37 ... غــ : 433 ]
- وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُعْضَدُ عِضَاهُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا.
فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ.
فَقَالَ: إِلاَّ الإِذْخِرَ».

( وقال أحمد بن سعد) بسكون العين مضببًا عليه ولأبوي ذر والوقت: سعيد بكسرها وهو فيما حكاه ابن طاهر الرباطي وفيما ذكره أبو نعيم الدارمي ( حدّثنا روح) بفتح الراء وسكون الواو ثم حاء مهملة هو ابن عبادة وقد وصله الإسماعيلي من طريق العباس بن عبد العظيم وأبو نعيم من طريق خلف بن سالم عن روح بن عبادة قال: ( حدّثنا زكريا) بن إسحاق المكي قال: ( حدّثنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : أي عن مكة.

( لا يعضد) بضم التحتية وفتح الضاد المعجمة والرفع في الفرع على النفي وجوّز الكرماني الجزم على النهي أي لا يقطع ( عضاهها) بكسر العين المهملة وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف هاءان مرفوع نائب عن الفاعل شجر أم غيلان أو كل شجر له شوك عظيم ( ولا ينفر صيدها) بالرفع ( ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) أي لمعرف على الدوام يحفظها وإلاّ فسائر البلاد كذلك فلا تظهر فائدة التخصيص فأما من يريد أن يعرفها ثم يتملكها فلا.
قال النووي في الروضة، قال أصحابنا: ويلزم الملتقط بها الإقامة للتعريف أو دفعها إلى الحاكم ولا يجيء الخلاف فيمن التقط للحفظ هل يلزمه التعرف بل يجزم هنا بوجوبه للحديث والله أعلم.

وإنما اختصت مكة بأن لقطتها لا تملك لإمكان إيصالها إلى ربها لأنها إن كانت للمكي فظاهر وإن كانت للآفاقي فلا تخلو غالبًا من وارد إليها فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها ولا تلحق لقطة المدينة الشريفة بلقطة مكة كما صرّح به الدارمي والروياني.

وقضية كلام صاحب الانتصار أن حرمها كحرم مكة كما في حرمة الصيد وجرى عليه البلقيني لما روى أبو داود بإسناد صحيح في حديث المدينة ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها وهو بالشين المعجمة ثم الدال المهملة أي رفع صوته.
وقال جمهور المالكية وبعض الشافعية: لقطة مكة كغيرها من البلاد، ووافق جمهور الشافعية من المالكية الباجي وابن العربي تمسكًا بحديث الباب، لكن قال ابن عرفة منتصر المشهور مذهب المالكية والانفصال عن التمسك به على قاعدة مالك في تقديمه العمل على الحديث الصحيح حسبما ذكره ابن يونس في كتاب الأقضية ودلَّ عليه استقراء المذهب.

وقال ابن المنير: مذهب مالك التمسك بظاهر الاستثناء لأنه نفى الحل واستثنى المنشد والاستثناء من النفي إثبات فيكون الحل ثابتًا للمنشد أي المعرف يريد بعد قيامه بوظيفة التعريف، وإنما يريد على هذا أن مكة وغيرها بهذا الاعتبار في تحريم اللقطة قبل التعريف وتحليلها بعد التعريف واحد، والسياق يقتضي اختصاصها عن غيرها.
والجواب أن الذي أشكل على غير مالك إنما هو

تعطيل المفهوم إذ مفهوم اختصاص مكة بحل اللقطة بعد التحريم وتحريمها قبله أن غير مكة ليس كذلك بل تحل لقطته مطلقًا أو تحرم مطلقًا وهذا لا قائل به فإذا آل الأمر إلى هذا فالخطب سهل يسير، وذلك أنّا اتفقنا على أن التخصيص إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، وكذلك نقول هنا الغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها لتفرق الخلق عنها إلى الآفاق البعيدة فربما داخله الطمع فيها من أوّل وهلة فاستحلها قبل التعريف فخصّها الشارع بالنهي عن استحلال لقطتها قبل التعريف لاختصاصها بما ذكرناه، فقد ظهر للتخصيص فائدة سوى المفهوم فسقط الاحتجاج به وانتظم الاختصاص حينئذٍ وتناسب السياق، وذلك أن المأيوس من معرفة صاحبه لا يعرف كالموجود بالسواحل لكن مكة تختص بأن تعرف لقطتها وقد نص بعضهم على أن لقطة العسكر بدار الحرب إذا تفرق العسكر لا تعرف سنة لأنها إما لكافر فهي مباحة واما لأهل العسكر فلا معنى لتعريفها في غيرهم فظهر حينئذٍ اختصاص مكة بالتعريف، وإن تفرق أهل الموسم مع أن الغالب كونها لهم وإنهم لا يرجعون لأجلها فكأنه عليه الصلاة والسلام قال: ولا تحل لقطتها إلا بعد الإنشاد والتعريف سنة بخلاف ما هو من جنسها كمجتمعات العساكر ونحوها، فإن تلك تحل بنفس افتراق العسكر، ويكون المذهب حينئذٍ أقعد بظاهر الحديث من مذهب المخالف لأنهم يحتاجون إلى تأويل اللام وإخراجها عن التمليك ويجعلون المراد ولا تحل لقطتها إلا لمنشد فيحل له إنشادها لا أخذها فيخالفون ظاهر اللام وظاهر الاستثناء، ويحقق ما قلناه من أن الغالب على مكة أن لقطتها لا يعود لها صاحبها أنا لم نسمع أحدًا ضاعت له نفيقة بمكة فرجع إليها ليطلبها ولا بعث في ذلك بل ييأس منها بنفس التفرق والله أعلم.

( ولا يختلى) بضم التحتية وسكون المعجمة مقصورًا أي لا يقطع ( خلاها) بفتح المعجمة مقصورًا كلؤها الرطب.
( فقال عباس) بدون أل عمه عليه الصلاة والسلام ( يا رسول الله إلا الإذخر) بكسر الهمزة وبالذال والخاء المكسورة المعجمتين نبت معروف طيب الرائحة ( فقال) عليه الصلاة والسلام ولأبي الوقت قال: ( إلا الإذخر) بالنصب على الاستثناء كالأوّل قال ابن مالك وهو المختار على الرفع إما لكون الاستثناء متراخيًا عن المستثنى منه فتفوت المشاكلة بالبدلية وإما لكون الاستثناء عرض في آخر الكلام ولم يكن مقصودًا أولاً.