فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إثم من ظلم شيئا من الأرض

باب إِثْمِ مَنْ ظَلَمَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ
( باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض) .


[ قــ :2347 ... غــ : 2452 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».
[الحديث 2452 - طرفه في: 3198] .


وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: حدّثني) بالإفراد ( طلحة بن عبد الله) بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف ( أن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل) القرشي وقيل الأنصاري المدني، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث ( أخبره أن سعيد بن زيد) القرشي أحد العشرة المبشرة بالجنة ( -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( من ظلم من الأرض شيئًا) قليلاً أو كثيرًا وفي رواية عروة في بدء الخلق: من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، ولأحمد من حديث أبي هريرة: من أخذ من الأرض شبرًا بغير حقه ( طوّقه) بضم الطاء المهملة وكسر الواو المشددة وبالقاف مبنيًّا للمفعول ( من سبع أرضين) بفتح الراء وقد تسكن أي يوم القيامة قيل أراد طوق التكليف وهو أن يطوّق حملها يوم القيامة.
ولأحمد والطبراني من حديث يعلى بن مرّة مرفوعًا: "من أخذ أرضًا بغير حقها كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر" وفي رواية للطبراني في الكبير "من ظلم من الأرض شبرًا كلف أن يحفره حتى يبلغ به الماء ثم يحمله إلى المحشر" وقيل إنه أراد أنه يخسف به الأرض فتصير الأرض المغصوبة في عنقه كالطوق ويعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما جاء في غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه.
قال البغوي: وهذا أصح، ويؤيده حديث ابن عمر المسوق في هذا الباب ولفظه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين.

وفي حديث ابن مسعود عند أحمد بإسناد حسن والطبراني في الكبير قلت: يا رسول الله أيّ الظلم أظلم؟ فقال: "ذراع من الأرض ينتقصها المرء المسلم من حق أخيه فليس حصاة من الأرض يأخذها إلا طوّقها يوم القيامة إلى قعر الأرض ولا يعلم قعرها إلاّ الله الذي خلقها" أو المراد بالتطوّق الإثم فيكون الظلم لازمًا في عنقه لزوم الإثم عنقه، ومنه قوله تعالى: { ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13] وفي هذا تهديد عظيم للغاصب خصوصًا ما يفعله بعضهم من بناء المدارس والربط ونحوهما مما يظنون به القرب والذكر الجميل من غصب الأرض لذلك وغصب الآلات واستعمال العمال ظلمًا وعلى تقدير أن يعطى فإنما يعطى من المال الحرام الذي اكتسبه ظلمًا الذي لم يقل أحد بجواز أخذه ولا الكفّار على اختلاف مِللهم فيزداد هذا الظالم بإرادته الخير على زعمه من الله بعدًا أما سمع هذا الظالم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من ظلم من الأرض شيئًا طوّقه من سبع أرضين" وقوله عليه الصلاة والسلام فيما يروي عن ربه: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي العهد ثم غدر، ورجل باع حرًّا وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه عمله ولم يعطه أجره" رواه البخاري.




[ قــ :348 ... غــ : 453 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ، فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».
[الحديث 453 - طرفه في: 3195] .


وبه قال: ( حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو بن الحجاج المقعد البصري قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: ( حدّثنا حسين) المعلم ( عن يحيى بن أبي كثير) الطائي اليمامي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( محمد بن إبراهيم) التيمي ( أن أبا سلمة) عبد الله أو إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف ( حدّثه أنه كانت بينه وبين أناس خصومة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على أسمائهم، ووقع لمسلم من طريق حرب بن شداد عن يحيى وكان بينه وبين قومه خصومة في أرض ففيه نوع تعيين للخصوم وتعيين التخاصم فيه ( فذكر لعائشة -رضي الله عنها-) أي ذلك كما في بدء الخلق ( فقالت له: يا أبا سلمة اجتنب الأرض) فلا تغصب منها شيئًا ( فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) وفي رواية يقول:
( من ظلم قيد شبر) بكسر القاف وسكون المثناة التحتية أي قدر شبر ( من الأرض طوّقه من سبع أرضين) أي يوم القيامة.

وفي حديث أبي مالك الأشعري عند ابن أبي شيبة بإسناد حسن "أعظم الغلول عند الله يوم القيامة ذراع أرض يسرقه رجل فيطوّقه من سبع أرضين".

وعند ابن حبّان من حديث يعلى بن مرة مرفوعًا "أيما رجل ظلم شبرًا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين ثم يطوّقه يوم القيامة حتى يقضي بين الناس".

وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في بدء الخلق ومسلم في البيوع.




[ قــ :349 ... غــ : 454 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ».
قَالَ الفربري: قال أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي حَاتَم: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِخُرَاسَانَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، أَمْلاَهُ عَلَيْهِمْ بِالْبَصْرَةِ.
[الحديث 454 - طرفه في: 3196] .

وبه قال: ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: ( حدّثنا عبد الله بن المبارك) المروزي قال: ( حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي ( عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر ( رضي الله عنه) وعن أبيه أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( من أخذ من الأرض شيئًا) قلّ أو أكثر ( بغير حقه خسف به) أي بالآخذ غصبًا تلك الأرض المغصوبة ( يوم القيامة إلى سبع أرضين) فتصير له كالطوق في عنقه بعد أن يطوّله الله تعالى أو أن هذه الصفات تتنوّع لصاحب هذه الجناية على حسب قوّة الفسدة وضعفها فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا.
وفي الحديث إمكان غصب الأرض خلافًا لأبي حنيفة وأبي يوسف حيث قالا: الغصب لا يتحقق إلا فيما ينقل ويجوّل لأن إزالة اليد بالنقل ولا نقل في العقار وإذا غصب عقارًا فهلك في يده لم يضمنه.
وقال محمد: يضمنه وهو قول أبي يوسف الأول وبه قال الشافعي لتحقق إثبات اليد،

ومن ضرورته زوال يد المالك لاستحالة اجتماع اليدين على محل واحد في حالة واحدة فيتحقق الوصفان وهو الغصب فصار كالمنقول وجحود الوديعة، ولهما يعني لأبي حنيفة وأبي يوسف أن الغصب إثبات اليد بإزالة يد المالك بفعل في العين وهذا لا يتصوّر في العقار لأن يد المالك لا تزول إلا بإخراجه عنها وهو فعل فيه لا في العقار قاله في الهداية.

واستدلّ لهما في الاختيار شرح المختار بحديث الباب "من ظلم من الأرض شيئًا طوّقه من سبع أرضين" لأنه عليه الصلاة والسلام ذكر الجزاء في غصب العقار ولم يذكر الضمان ولو وجب لذكره وصوّر المسألة بما إذا سكن دار غيره بغير إذنه ثم خرجت أما إذا هدم البناء وحفر الأرض فيضمن لأنه وجد منه النقل والتحويل فإنه إتلاف ويضمن بالإتلاف ما لا يضمن بالغصب، والعقار يضمن بالإتلاف وإن لم يضمن بالغصب ولأنه تصرف في العين انتهى.

ومن فوائد حديث الباب ما قاله ابن المنير أن فيه دليلاً على أن الحكم إذا تعلق بظاهر الأرض تعلق بباطنها إلى التخوم فمن ملك ظاهر الأرض ملك باطنها من حجارة وأبنية ومعادن، ومن حبس أرضًا مسجدًا أو غيره يتعلق التحبيس بباطنه حتى لو أراد إمام المسجد أن يحتفر تحت أرض المسجد ويبني مطامير تكون أبوابها إلى جانب المسجد تحت مصطبة له أو نحوها أو جعل المطامير حوانيت ومخازن لم يكن له ذلك لأن باطن الأرض تعلق به الحبس كظاهرها، فكما لا يجوز اتخاذ قطعة من المسجد حانوتًا كذلك لا يجوز ذلك في باطنه.

( قال الفربري: قال أبو جعفر بن أبي حاتم) واسمه محمد البخاري ورّاق المؤلّف ( قال أبو عبد الله) البخاري: ( هذا حديث) أي حديث الباب ( ليس بخراسان في كتاب ابن المبارك) ولأبي ذر في كتب ابن المبارك التي صنف بها ( أملاه) أي الحديث، وللمستملي والحموي: إنما أملى بزيادة إنما وضم الهمزة وحذف الضمير المنصوب ( عليهم بالبصرة) لكن نعيم بن حماد المروزي ممن حمل عنه بخراسان وقد حدّث عنه بهذا الحديث فيحتمل أن يكون حدّث به بخراسان والله أعلم.

وهذا الفائدة التي ذكرها الفربري ثابتة في رواية أبي ذر ساقطة لغيره.