فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه

باب قِصَاصِ الْمَظْلُومِ إِذَا وَجَدَ مَالَ ظَالِمِهِ
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: يُقَاصُّهُ، وَقَرَأَ: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] .


( باب قصاص المظلوم) الذي أخذ ماله ( إذا وجد مال ظالمه) الذي ظلمه هل يأخذ منه بقدر الذي له ولو بغير حكم حاكم وهي مسألة الظفر والمفتى به عند المالكية أنه يأخذ بقدر حقه إن أمن فتنة أو نسبة إلى رذيلة وهذا في الأموال وأما في العقوبات البدنية فلا يقتصّ فيها لنفسه وإن أمكنه لكثرة الغوائل.
( وقال ابن سيرين) محمد مما وصله عبد بن حميد في تفسيره ( يقاصّه) بتشديد الصاد المهملة أي يأخذ مثل ماله، ( وقرأ) ابن سيرين ( { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} ) [النحل: 126] أي من غير زيادة ولا نقص.


[ قــ :2355 ... غــ : 2460 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَىَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ فَقَالَ: لاَ حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( عروة) بن الزبير بن العوّام ( أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة) أم معاوية أسلمت يوم الفتح وتوفيت في خلافة عمر -رضي الله عنه- ( فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان) صخر بن حرب زوجها والد معاوية ( رجل مسيك) بكسر الميم وتشديد السين المهملة في المشهور عند المحدثين، وفي كتب اللغة الفتح والتخفيف أي بخيل شديد المسك لما في يده ( فهل عليّ حرج) إثم ( أن أطعم) بضم الهمزة وكسر العين ( من الذي له عيالنا؟ فقال) عليه الصلاة والسلام:
( لا حرج) لا إثم ( عليك أن تطعميهم) أي بإطعامك إياهم ( بالمعروف) أي بقدر ما يتعارف أن يأكل العيال.

ومطابقة هذا الحديث للترجمة من جهة إذنه عليه الصلاة والسلام لهند بالأخذ من مال زوجها أبي سفيان إذ فيه دلالة على جواز أخذ صاحب الحق من مال من لم يوفه أو جحده قدر حقه.

وهذا الحديث قد مرّ ويأتي إن شاء الله تعالى في النفقات وفيه فوائد، وقوله في شرح السُّنَّة: إن من فوائده أن القاضي له أن يقضي بعلمه لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكلفها البيّنة فيه نظر لأنه إنما كان فتوى لا حكمًا، وكذا استدلال جماعة به على جواز القضاء على الغائب لأن أبا سفيان كان حاضرًا بالبلد.




[ قــ :356 ... غــ : 461 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «قُلْنَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لاَ يَقْرُونَا، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ لَنَا: إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ».
[الحديث 461 - طرفه في: 6137] .


وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( قال: حدّثني) بالإفراد ( يزيد) بن أبي حبيب ( عن أبي الخير) مرثد بالمثلثة ابن عبد الله اليزني ( عن عقبة بن عامر) الجهني أنه ( قال: قلنا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا) بفتح أوله وإسقاط نون الجمع للتخفيف، ولأبي ذر: لا يقروننا أي لا يضيفوننا ( فما ترى فيه؟ فقال) عليه الصلاة والسلام ( لنا) :
( إن نزلتم بقوم فأمر لكم) بضم الهمزة وكسر الميم ( بما ينبغي للضيف فاقبلوا) ذلك منهم ( فإن لم يفعلوا فخذوا منهم) وللكشميهني: فخذوا منه أي من مالهم ( حق الضيف) ظاهره الوجوب بحيث لو امتنعوا من فعله أخذ منهم قهرًا.
وحكي القول به عن الليث، وقال أحمد بالوجوب على أهل البادية دون القرى، ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي والجمهور أن ذلك سُنّة مؤكدة، وأجابوا عن حديث الباب بحمله على المضطرين فإن ضيافتهم واجبة تؤخذ من مال الممتنع بعوض عند الشافعي أو هذا كان في أول الإسلام حيث كانت المواساة واجبة، فلما اتسع الإسلام نسخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: "جائزته يوم وليلة" والجائزة تفضل وليست بواجبة، أو المراد العمال المبعوثون من جهة الإمام بدليل قوله: إنك تبعثنا فكان على المبعوث إليهم طعامهم ومركبهم وسكناهم يأخذونه على العمل الذي يتولونه لأنه لا مقام لهم إلا بإقامة هذه الحقوق.
واستدلّ به المؤلّف على مسألة الظفر وبها قال الشافعي فجزم بالأخذ فيما إذا لم يمكن تحصيل الحق بالقاضي بأن يكون منكرًا ولا بيّنة لصاحب الحق.
قال: ولا يأخذ غير الجنس مع ظفره بالجنس فإن لم يجد إلا غير الجنس جاز الأخذ وإن أمكن تحصيل الحق بالقاضي بأن كان مقرًّا مماطلاً أو منكرًا وعليه بيّنة أو كان يرجو إقراره لو حضر عند القاضي وعرض عليه اليمين فهل يستقل بالأخذ أم يجب الرفع إلى القاضي؟ فيه للشافعية وجهان أصحهما عند أكثرهم جواز الأخذ، واختلف المالكية والمفتى به عندهم أنه يأخذ بقدر حقه إن أمن فتنة أو نسبة إلى رذيلة، وقال أبو حنيفة: يأخذ من الذهب الذهب ومن الفضة الفضة ومن المكيل المكيل ومن الموزون الموزون ولا يأخذ غير ذلك.

وفي سنن أبي داود من حديث المقدام بن معد يكرب قال، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أيما رجل ضاف قومًا فأصبح الضيف محرومًا فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله".
ورواه ابن ماجة بلفظ "ليلة الضيف واجبة فمن أصبح بفنائه فهو دين عليه فإن شاء اقتضى إن شاء ترك" فظاهره أنه يقتضي ويطالب وينصره المسلمون ليصل إلى حقه لا أنه يأخذ ذلك بيده من غير علم أحد.