فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: هل تكسر الدنان التي فيها الخمر، أو تخرق الزقاق، فإن كسر صنما، أو صليبا، أو طنبورا، أو ما لا ينتفع بخشبه

باب هَلْ تُكْسَرُ الدِّنَانُ الَّتِي فِيهَا الْخَمْرُ، أَوْ تُخَرَّقُ الزِّقَاقُ؟
فَإِنْ كَسَرَ صَنَمًا أَوْ صَلِيبًا أَوْ طُنْبُورًا أَوْ مَا لاَ يُنْتَفَعُ بِخَشَبِهِ.
وَأُتِيَ شُرَيْحٌ فِي طُنْبُورٍ كُسِرَ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَىْء.

هذا ( باب) بالتنوين ( هل تكسر الدنان) بكسر الدال جمع دن الحب وهو الخابية فارسي معرّب ( التي فيها الخمر) صفة للدنان ولأبي ذر فيها خمر بالتنكير ( أو تخرق الزقاق) بضم التاء وفتح الخاء المعجمة والراء مبنيًّا للمفعول عطفًا على هل تكسر الدنان والزقاق بكسر الزاي جمع زق أي التي فيها الخمر أيضًا فيه تفصيل وإن كانت الأوعية بحيث تراق وإذا غسلت طهرت وينتفع بها لم يجز إتلافها وإلاّ جاز، وقال أبو يوسف وأحمد في رواية: إن كان الدن أو الزق لمسلم لم يضمن، وقال محمد بن

الحسن وأحمد في رواية يضمن لأن الإراقة بغير الكسر ممكنة وإن كان الدن لذمي، فقال الحنفية يضمن بلا خلاف لأنه مال متقوّم في حقهم، وقال الشافعي وأحمد: لا يضمن لأنه غير متقوّم في حق المسلم فكذا في حق الذمي وإن كان الدن لحربي فلا يضمن بلا خلاف، وعن مالك زق الخمر لا يطهره الماء لأن الخمر غاص فيه ( فإن كسر صنمًا) ما يتخذ إلهًا من دون الله ويكون من خشب وغيره حديد ونحاس وغيرهما ( أو) كسر ( صليبًا أو طنبورًا) بضم الطاء والموحدة بينهما نون ساكنة آلة مشهورة من آلات الملاهي ( أو) كسر ( ما لا ينتفع بخشبه) قبل الكسر كآلات اللاهي المتخذة من الخشب فهو تعميم بعد تخصيص وجزاء الشرط محذوف أي هل يضمن أو يجوز أو فما حكمه؟
( وأتي) بضم الهمزة ( شريح) هو ابن الحرث الكندي أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يلقه واستقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة أي أتاه اثنان ( في طنبور كسر) ادّعى أحدهما على الآخر أنه كسر طنبوره ( فلم يقضِ فيه بشيء) أي لم يحكم فيه بغرامة وهذا وصله ابن أبي شيبة.


[ قــ :2372 ... غــ : 2477 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى نِيرَانًا تُوقَدُ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالَ: عَلَى مَا تُوقَدُ هَذِهِ النِّيرَانُ؟ قَالُوا: عَلَى الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ.
قَالَ: اكْسِرُوهَا وَأَهْرِقُوهَا.
قَالُوا: أَلاَ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: اغْسِلُوا".

قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: كَانَ ابنُ أَبِي أُوَيسٍ يَقُولُ "الحمرِ الأنسيةِ" بنصبِ الألف والنون.
[الحديث 2477 - أطرافه في: 4196، 5497، 6148، 6331، 6891] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة النبيل البصري ( عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي بن الأكوع ( عن سلمة بن الأكوع) هو سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي أبو مسلم شهد بيعة الرضوان وتوفي سنة أربع وسبعين ( -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى نيرانًا توقد يوم) غزوة ( خيبر) سنة سبع ( قال) :
( على ما توقد هذه النيران) بإثبات ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها وهو قليل، والنيران بكسر النون الأولى جمع نار والياء منقلبة عن واو وللأصيلي قال علام بحذف ألف ما الاستفهامية، ولأبي ذر فقال: علام بفاء قبل القاف وحذف ألف ما ( قالوا) ولأبي ذر قال ( على الحمر) بضم المهملة والميم ( الإنسية) بكسر الهمزة وسكون النون نسبة إلى الإنس بني آدم وثبت قوله على لأبي ذر وسقطت لغيره ( قال) عليه الصلاة والسلام ( اكسروها) أي القدور ( وأهرقوها) بسكون الهاء ولأبي ذر وهريقوها بحذف الهمزة وزيادة مثناة تحتية قبل القاف والهاء مفتوحة أي صبوها ( قالوا) مستفهمين ( ألا نهريقها) بضم النون وفتح الهاء وبعد الراء المكسورة تحتية ساكنة أي من غير كسر ( ونغسلها قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيبًا لهم ( اغسلوا) بحذف الضمير المنصوب أي اغسلوها أي القدور وإنما قال ذلك عليه الصلاة والسلام لاحتمال تغير اجتهاده أو أوحي إليه بذلك.
وقال ابن الجوزي: أراد التغليظ عليهم في طبخهم ما نهي عن أكله فلما رأى إذعانهم اقتصر على غسل الأواني، وفيه رد على

من زعم أن دنّان الخمر لا سبيل إلى تطهيرها فإن الذي دخل القدور من الماء الذي طبخت به الحمر نظيره، وقد أذن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غسلها فدلّ على إمكان تطهيرها.

وهذا الحديث تاسع ثلاثيات البخاري، وقد أخرجه أيضًا في المغازي والأدب والذبائح والدعوات ومسلم في المغازي وبالذبائح ( قال أبو عبد الله) البخاري ( كان ابن أبي أويس) إسماعيل وهو شيخ المؤلّف وابن أخت الإمام مالك ( يقول: الحمر الأنسية بنصب الألف والنون) نسبة إلى الأنس بالفتح ضد الوحشة.
قال في فتح الباري: وتعبيره عن الهمزة بالألف وعن الفتح بالنصب جائز عند المتقدمين وإن كان الاصطلاح أخيرًا قد استقرّ على خلافه فلا يبادر إلى إنكاره انتهى.

وتعقبه العيني فقال: ليس هذا بمصطلح عند النحاة المتقدمين والمتأخرين إنهم يعبّرون عن الهمزة بالألف وعن الفتح بالنصب فمن ادّعى خلاف ذلك فعليه البيان بالهمزة ذات حركة والألف مادة هوائية لا تقبل الحركة والفتح من ألقاب البناء والنصب من ألقاب الإعراب وهذا مما لا يخفى على أحد.




[ قــ :373 ... غــ : 478 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ وَحَوْلَ البيتِ ثَلاَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: { جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} الآيَةَ".
[الحديث 478 - طرفاه في: 487، 470] .

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المدني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة عبد الله بن يسار بالتحتية والسين المهملة المخففة ( عن مجاهد) هو ابن جبر ( عن أبي معمر) بفتح الميمين وسكون المهملة بينهما عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي ( عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه ( قال دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة) في غزوة الفتح في رمضان سنة ثمان ( وحول البيت) وفي نسخة وهي التي في الفرع وأصله الكعبة ( ثلاثمائة وستون نصبًا) بضم النون والصاد المهملة وبالموحدة حجرًا كانوا ينصبونه في الجاهلية ويتخذونه صنمًا يعبدونه والجمع أنصاب والواو في قوله وحول البيت للحال ( فجعل) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يطعنها) بضم العين في الفرع ويجوز فتحها أي يطعن الأصنام ( بعود في يده) صفة لعود وفيه إذلال للأصنام وعابديها وإظهار أنها لا تضر ولا تنفع ولا تدفع عن أنفسها ( وجع) عليه الصلاة والسلام ( يقول) :
( جاء الحق وزهق الباطل) أي هلك واضمحل ( الآية) إلى آخرها.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والتفسير ومسلم في المغازي والترمذي في التفسير وكذا النسائي.





[ قــ :374 ... غــ : 479 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّهَا كَانَتِ اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْرًا فِيهِ تَمَاثِيلُ.
فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاتَّخَذَتْ مِنْهُ نُمْرُقَتَيْنِ، فَكَانَتَا فِي الْبَيْتِ يَجْلِسُ عَلَيْهِمَا".

[الحديث 479 - أطرافه في: 5954، 5955، 6109] .

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني ( إبراهيم بن المنذر) الحزامي الأسدي قال: ( حدّثنا أنس بن عياض) الليثي أبو ضمرة المدني ( عن عبيد الله) بالتصغير العمري ولأبي ذر زيادة ابن عمر ( عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- ( عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت اتخذت على سهوة لها) بفتح السين المهملة كالصفة تكون بين يدي البيت أو الطاق يوضع فيه الشيء أو خزانة أو رف ( سترًا فيه تماثيل) جمع تمثال وهو ما صوّر من الحيوانات ( فهتكه) أي نزعه أو خرقه ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاتخذت) عائشة -رضي الله عنها- ( منه) أي من الستر ( نمرقتين) تثنية نمرقة بضم النون والراء وسادة صغيرة وقد تطلق على الطنفسة ( فكانتا) يعني النمرقتين ( في البيت يجلس عليهما) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

فإن قلت: ما وجه دخول هذا الحديث في المظالم؟ أجيب: بأن هتك الستر الذي فيه التماثيل من إزالة الظلم لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه.

وهذا الحديث من أفراده.