فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قسمة الغنم

باب قِسْمَةِ الْغَنَمِ
( باب قسمة الغنم) أي بالعدد.


[ قــ :2383 ... غــ : 2488 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إِبِلاً وَغَنَمًا، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ ثُمَّ قَسَمَ، فَعَدَلَ عَشْرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا.
فَقَالَ جَدِّي: إِنَّا نَرْجُو -أَوْ نَخَافُ- الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ قَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ،.
وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ".
[الحديث 2488 - أطرافه في: 2507، 3075، 5498، 5503، 5506، 5509، 5543، 5544] .

وبه قال: ( حدّثنا عليّ بن الحكم) بفتحتين ابن ظبيان بفتح المعجمة وسكون الموحدة المروزي ( الأنصاري) المؤدب قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري ( عن سعيد بن مسروق) بن عدي والد سفيان الثوري ( عن عباية بن رفاعة) بفتح العين المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف مثناة تحتية مفتوحة ورفاعة بكسر الراء ( ابن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وآخره جيم ( عن جده) رافع بن خديج -رضي الله عنه- أنه ( قال كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذي الحليفة) زاد مسلم كالمؤلّف في باب من عدل عشرًا من الغنم بجزور من تهامة وهو يردّ على النووي حيث قال تبعًا للقابسي إنه المهل الذي
بقرب المدينة قال السفاقسي: وكان ذلك سنة ثمان من الهجرة في قضية حُنين ( فأصاب الناس جوع فأصابوا إبلاً وغنمًا) بكسر الهمزة والموحدة لا واحد له من لفظه بل واحده بعير ( قال) رافع ( وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أُخريات القوم) بضم الهمزة للرفق بهم وحمل النقطع ( فعجلوا) بكسر الجيم وفي الفرع بفتحها ولم يضبطها في اليونينية ( وذبحوا) مما أصابوه ( ونصبوا القدور) بعد أن وضعوا اللحم فيها للطبخ ( فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقدور) أن تكفأ ( فأكفئت) بضم الهمزة الأولى أي أميلت ليفرغ ما فيها يقال كفأت الإناء وأكفأته إذا أملته وإنما أكفئت لأنهم ذبحوا الغنم قبل أن تقسم ولم يكن لهم ذلك وقال النووي لأنهم كانوا قد انتهوا إلى دار الإسلام والمحل الذي لا يجوز الأكل فيه من مال الغنيمة المشتركة، فإن الأكل منها قبل القسمة إنما يباح في دار الحرب، والمأمور به من الإراقة إنما هو إتلاف المرق عقوبة لهم، وأما اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع وردّ إلى المغنم ولا يظن بأنه أتلف مال الغانمين لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن إضاعة المال.
نعم في سنن أبي داود بسند جيد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكفأ القدور بقوسه ثم جعل يزيل اللحم بالتراب ثم قال: "إن النهبة ليست بأحلّ من الميتة أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة" شك هناد أحد رواته وقد يجاب بأنه لا يلزم من تزبيله إتلافه لإمكان تداركه بالغسل لكنه بعيد، ويحتمل أن فعله ذلك لأنه أبلغ في الزجر ولو ردّها إلى المغنم لم يكن فيه كبير زجر إذا ما ينوب الواحد منهم في ذلك نزر يسير فكان إفسادها عليهم مع تعلق قلوبهم بها وغلبة شهواتهم أبلغ في الزجر.

( ثم قسم) عليه الصلاة والسلام ( فعدل) بتخفيف الدال ( عشرة) بإثبات تاء التأنيث في أصل أبي ذر والأصيلي وابن عساكر والأصل المسموع على أبي الوقت بقراءة الحافظ ابن السمعاني لكن قال ابن مالك لا يجوز إثباتها فالصواب فعدل عشرًا ( من الغنم ببعير) أي سواها به وهو محمول على أنه كان بحسب قيمتها يومئذ ولا يخالف هذا قاعدة الأضحية من إقامة بعير مقام سبع شياه لأنه الغالب في قيمة الشياه والإبل المعتدلة.

وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى ( فند) بفتح النون وتشديد الدال المهملة أي هرب وشرد ( منها بعير فطلبوه فأعياهم) أي أعجزهم ( وكان في القوم خيل يسيرة) أي قليلة ( فأهوى) أي مال وقصد ( رجل منهم) إليه ( بسهم) أي فرماه به ( فحبسه الله) أي بذلك السهم ( ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( إن لهذه البهائم) أي الإبل ( أوابد) جمع آبدة بالمد وكسر الموحدة المخففة أي نوافر وشوارد ( كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) أي ارموه بالسهم كالصيد.
قال عباية بن رفاعة ( فقال جدي) رافع بن خديج ( إنّا نرجو أو) قال ( نخاف العدوّ غدًا) والشك من الراوي والرجاء هنا بمعنى الخوف ( وليست مدى) ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي: وليست معنا مدى، وللحموي والمستملي: وليست لنا مدى وهو بضم الميم وبالدال المهملة مقصور منوّن جمع مدية مثلث الميم سكين أي استعملنا السيوف في الذبائح تكل وتعجز عند لقاء العدوّ عن المقاتلة بها ( أفنذبح بالقصب) ولمسلم فنذكي بالليط بكسر اللام وسكون المثناة التحتية وبالطاء المهملة قطع القصب أو قشوره ( قال)

عليه الصلاة والسلام: ( ما أنهر الدم) أي صبه بكثرة وهو مشبه بجري الماء في النهر وكلمة ما موصولة مبتدأ والخبر فكلوه أو شرطية والفاء جواب الشرط.
وقال البرماوي كالزركشي وروي بالزاي حكاه القاضي عياض وهو غريب.

قال في المصابيح وهذا تحريف في النقل، فإن القاضي قال في المشارق ووقع للأصيلي في كتاب الصيد أنهز بالزاي وليس بشيء والصواب ما لغيره أنهر أي بالراء كما في سائر المواضع، فالقاضي إنما حكى هذا عن الأصيلي في كتاب الصيد لا في المكان الذي نحن فيه وهو كتاب الشركة وكلام الزركشي ظاهر في روايته في هذا المحل الخاص وهو تحريف بلا شك انتهى.

( وذكر اسم الله عليه فكلوه) هذا تمسك به من اشترط التسمية عند الذبح وهم المالكية والحنفية فإنه علق الإذن في الأكل بمجموع أمرين والمعلق على شيئين ينتفي بانتفاء أحدهما.
وأجاب أصحابنا الشافعية بأن هذا معارض بحديث عائشة -رضي الله عنها- أن قومًا قالوا إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال "سموا أنتم وكلوا" فهو محمول على الاستحباب.

وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصيد والذبائح.

قال العلاّمة البدر الدماميني، فإن قلت: الضمير من قوله فكلوه لا يعود على ما لأنها عبارة عن آلة التذكية وهي لا تؤكل فعلى ماذا يعود؟ وأجاب: بأنه يعود على المذكّي المفهوم من الكلام لأن إنهار الآلة للدم يدل على شيء أنهر دمه ضرورة وهو المذكى ولكن لا بدّ من رابط يعود على ما من الجملة أو ملابسها فيقدر محذوف ملابس أي فكلوا مذبوحة أو يقدر ذلك مضافًا إلى ما ولكنه حذف فالتقدير مذبوح ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه.

فإن قلت: يلزم عدد الارتباط حينئذ.
وأجاب: بأن الربط حاصل.
قال: وذلك أنّا نقدّر التركيب هكذا ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه على مذكاه فكلوا فالضمير عائد على ملتبس فحصل الربط، وقد قال الكسائي وتبعه ابن مالك في قوله تعالى: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن} [البقرة: 234] إن الذين مبتدأ ويتربصن الخبر والأصل يتربص أزواجهم ثم جيء بالضمير مكان الأزواج لتقدّم ذكرهنّ فامتنع ذكر الضمير لأن النون لا تضاف لكونها ضميرًا وجعل الربط بالضمير القائم مقام الظاهر المضاف إلى الضمير وهذا مثل مسألتنا.

( ليس السن والظفر) قال الزركشي والبرماوي والكرماني واليني ليس هنا للاستثناء بمعنى إلا وما بعدها نصب على الاستثناء.
قال في المصابيح: الصحيح أنها ناسخة وأن اسمها ضمير راجع للبعض المفهوم مما تقدم واستتاره واجب فلا يليها في اللفظ إلا المنصوب ( وسأحدثكم عن ذلك) أي سأبيّن لكم علّته وحكمته لتتفقهوا في الدين ( أما السن فعظم) لا يقطع غالبًا وإنما يجرح ويدمي فتزهق النفس من غير تيقن الذكاة وهذا يدل على أن النهي عن الذكاة بالعظم كان متقدمًا فأحال بهذا القول على معلوم قد سبق.


قال ابن الصلاح ولم أجد بعد البحث أحدًا ذكر ذلك بمعنى يعقل قال وكأنه عندهم تعبدي، وكذا نقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه قال: للشرع علل تعبد بها كما أن له أحكامًا تعبد بها أي وهذا منها.
وقال النووي: المعنى لا تذبحوا بالعظام لأنها تنجس بالدم وقد نهيتم عن تنجيس العظام في الاستنجاء لكونها زاد إخوانكم من الجن انتهى.
قال في جمع العدة: وهو ظاهر.

( وأما الظفر فمدى الحبشة) ولا يجوز التشبه بهم ولا بشعارهم لأنهم كفار وهم يدمون المذبح بأظفارهم حتى تزهق النفس خنقًا وتعذيبًا ويحلّونها محل الذكاة فلذلك ضرب المثل بهم والألف واللام في الظفر للجنس فلذلك وصفها بالجمع ونظيره قولهم: أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر قال النووي: ويدخل فيه ظفر الآدمي وغيره متصلاً ومنفصلاً ظاهرًا أو نجسًا وكذا السن، وجوّزه أبو حنيفة وصاحباه بالمنفصلين.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الشركة والجهاد والذبائح، ومسلم في الأضاحي، وأبو داود في الذبائح، والترمذي في الصيد والأضاحي، وابن ماجة في الأضاحي والذبائح.