فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: أي الرقاب أفضل

باب أَىُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ
هذا ( باب) بالتنوين ( أي الرقاب أفضل) أي للعتق.


[ قــ :2409 ... غــ : 2518 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى مُرَاوِحٍ عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: "سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِى سَبِيلِهِ.
.

قُلْتُ فَأَىُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَغْلاَهَا ثَمَنًا.
وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا.
.

قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تُعِينُ ضَائِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ".

وبه قال: ( حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا ابن باذام العبسي الكوفي ( عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوّام ( عن أبيه عن أبي مراوح) بضم الميم وتخفيف الراء وكسر الواو آخره حاء مهملة الغفاري ويقال الليثي المدني من كبار التابعين وقيل له صحبة، وقال الحاكم أبو أحمد: أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره ولا يعرف اسمه وقيل اسمه سعد ولا يصح ( عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي العمل أفضل؟ قال) :
( أيمان بالله وجهاد في سبيله) قرنهما لأن الجهاد كان إذ ذاك أفضل الأعمال ( قلت: فأيّ الرقاب أفضل) ؟ أي للعتق ( قال: أغلاها) بالغين المعجمة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أعلاها ( ثمنًا) بالعين المهملة ومعناهما متقارب، ولمسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام أكثرها ثمنًا وهو يبين المراد.

قال النووي: محله والله أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة، أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلاً فأراد أن يشتري بها رقبة يعتقها فوجد رقبة نفيسة ورقبتين مفضولتين قال: فالاثنتان أفضل.
قال: وهذا بخلاف الأضحية فإذ الواحدة السمينة أفضل لأن المطلوب هنا ( فك الرقبة)
وهناك طيب اللحم انتهى.

قال في فتح الباري: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فربّ شخص واحد إذا عتق انتفع بالعتق وانتفع به أضعاف ما يحصل من النفع بعتق أكثر عددًا منه وربّ محتاج إلى كثرة اللحم ليفرقه على المحاويج الذين ينتفعون به أكثر مما ينتفع هو بطيب اللحم والضابط أن أيّهما كان أكثر نفعًا كان أفضل سواء قلّ أو كثر.

( وأنفسها عند أهلها) بفتح الفاء أي أكثرها رغبة عند أهلها لمحبتهم فيها لأن عتق مثل ذلك لا يقع إلا خالصًا.
( قلت: فإن لم أفعل) ؟ أي إن لم أقدر على العتق، وللدارقطني في الغرائب: فإن لم أستطع ( قال: تعين صانعًا) بالصاد المهملة والنون من الصنعة كذا في اليونينية المقابلة بالأصول كأصل

أبي ذر وأبي الوقت والأصيلي وغيرهم وكذا في جميع ما وقفت عليه من الأصول المعتمدة كالأصل المقروء على الشرف الميدومي وغيره، وضبطه الحافظ ابن حجر وغيره ضائعًا بالضاد المعجمة والهمزة تكتب ياء أي تعين ذا ضياع من فقر أو عيال أو حال قصر عن القيام بها، وكذا هو بالمعجمة في رواية مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي مراوح.

قال القاضي عياض مما نقله عنه النووي في شرح مسلم: روايتنا في هذا من طريق هشام فتعين ضائعًا بمعجمة قال: وكذا في الرواية الأخرى أي من صحيح مسلم وهي رواية الزهري عن حبيب مولى عروة بن الزبير عن عروة عن أبي مراوح فتعين الضائع بالمعجمة من جميع طرقنا عن مسلم في حديث هشام والزهري إلا من رواية أبي الفتح السمرقندي عن عبد الغافر الفارسي، فإن شيخنا أبا بحر حدّثنا عنه فيهما بالمهملة وهو صواب الكلام لمقابلته بالأخرق وإن كان المعنى من جهة الضائع صحيحًا، لكن صحّت الرواية عن هشام هنا بالصاد المهملة، وكذا رويناه في صحيح البخاري انتهى.

وجزم الحافظ ابن حجر بأنه بالمعجمة في جميع روايات البخاري قال: وقد خبط من قال من شراح البخاري إنه روي بالصاد المهملة والنون فإن هذه الرواية لم تقع في شيء من طرقه انتهى.

ويؤيده قول ابن الصلاح هو في رواية هشام بالمهملة والنون في أصل الحافظين أبي عامر العبدري وابن عساكر، ولكنه ليس من رواية هشام وإن كان صحيحًا في نفس الأمر ولكن روايته إنما هي بالمعجمة، وأما رواية الزهري فالمحفوظ عنه أنه بالمهملة وكان ينسب هشامًا إلى التصحيف قال: وذكر القاضي عياض أنه في رواية الزهري بالمعجمة إلا رواية السمرقندي وليس الأمر على ما حكاه في روايات أصولنا بكتاب مسلم فكلها مقيدة في رواية الزهري بالمهملة انتهى.

لكن قول الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن القاضي عياضًا جزم بأنه في البخاري بالمعجمة يردّه ما سبق عن القاضي من قوله صحّت الرواية عن هشام بالصاد المهملة، وكذا رويناه في صحيح البخاري فليتأمل.
وقال النووي يروى بهما فيهما والصحيح عند العلماء المهملة والأكثر في الرواية المعجمة انتهى.

وممن نسب هشامًا إلى التصحيف في هذه الدارقطني وحكاه ابن المديني وقد تقرر مما ذكرناه أن رواية هشام بالمعجمة لا بالمهملة وإن نسب إلى التصحيف ويبقى النظر في تطابق الأصول التي وقفت عليها مع توافق أهل هذا الشأن على الاعتماد على الأصول المعتمدة على ما لا يخفى.

( أو تصنع لأخرق) بفتح الهمزة والراء بينهما ساكنة وآخره قاف لا يحسن صنعة ولا يهتدي إليها ( قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع الناس من الشر) أي تكفّ عنهم شرك ( فإنها صدقة تصدّق بها على نفسك) بحذف إحدى التاءين والأصل تتصدق والضمير في قوله فإنها للمصدر الذي دل عليه الفعل وأنثه لتأنيث الخبر.


وهذا الحديث من أعلى حديث وقع عند المؤلّف وهو في حكم الثلاثيات، لأن هشام بن عروة شيخ من شيخه من التابعين وإن كان روى هنا عن تابعي آخر وهو أبوه عروة، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق واحد هشام وأبوه وأبو مراوح، وأخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في العتق والجهاد، وابن ماجة في الأحكام.