فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من ملك من العرب رقيقا، فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية

باب مَنْ مَلَكَ مِنَ الْعَرَب رَقِيقًا فَوَهَبَ وَبَاعَ وَجَامَعَ وَفَدَى وَسَبَى الذُّرِّيَّة
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل: 75] .

( باب من ملك من العرب رقيقًا فوهب وباع وجامع وفدى) حذف مفعولات الأربعة للعلم بها ثم عطف على قوله ملك قوله ( وسبى الذرية) قال في الصحاح الذرية نسل الثقلين يقال: ذرأ الله الخلق أي خلقهم إلا أن العرب تركت همزها، والمراد الصبيان والعرب هم الجيل المعروف من الناس وهم سكان الأمصار أو عام والأعرابي منهم سكان البادية خاصة ولا واحد له من لفظه ويجمع على أعاريب.
قال في القاموس: والعربة محركة ناحية قرب المدينة وأقامت قريش بعربة فنسب العرب إليها هي باحة العرب وباحة دار أبي الفصاحة إسماعيل عليه الصلاة والسلام.

وقد ساق المؤلّف هنا أربعة أحاديث دالّة على ما ترجم به إلا البيع لكن في بعض حديث أبي هريرة ذكره كما سيأتي إن شاء الله تعالى ( وقوله تعالى) بالجرّ عطفًا على قوله.
من ملك ( { ضرب الله مثلاً عبدًا} ) ولأبي ذر وقول الله تعالى عبدًا ( { مملوكًا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منّا رزقًا حسنًا فهو ينفق منه سرًّا وجهرًا هل يستوون} ) قال العوفيّ عن ابن عباس هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن واختاره ابن جرير، فالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء مثل الكافر والمرزوق الرزق الحسن مثل المؤمن.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: هل مثل مضروب للوثن وللحق تعالى أي مثلكم في إشراككم بالله الأوثان مثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حرّ مالك قد رزقه الله مالاً فهو يتصرف فيه وينفق منه كيف يشاء وتقييد العبد بالمملوك للتمييز من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جميعًا فإنهما من عباد الله تعالى وسلب القدرة في قوله لا يقدر على شيء للتمييز عن المكاتب والمأذون له فإنهما يقدران على التصرف وجعله قسيمًا للمالك المتصرف يدل على أن المملوك لا يملك ومن في قوله ومن رزقناه موصوفة على الأظهر ليطابق عبدًا وجمع الضمير في يستوون لأنه للجنسين أي هل يستوي الأحرار والعبيد ( { الحمد لله} ) شكر على بيان الأمر بهذا المثال وعلى إذعان الخصم كأنه لما قال هل يستوون قال الخصم لا فقال الحمد لله ظهرت الحجة ( { بل أكثرهم لا يعلمون} ) [النحل: 75] أبدًا ولا يداخلهم إيمان.


ووجه مطابقة هذه الآية للترجمة من جهة أن الله تعالى أطلق القول في العبد المملوك ولم يقيده يكونه عجميًّا فدلّ على أن العبد يكون عجميًّا وعربيًّا قاله ابن المنير.

2539، 2540 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: ذَكَرَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وَإِمَّا السَّبْيَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ -وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ- فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا.
فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ.
فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا ذَلِكَ.
قَالَ: إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ.
فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ.
فَرَجَعَ النَّاسُ: فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ.
ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا.
فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ.
.

     وَقَالَ  أَنَسٌ قَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَفَادَيْتُ عَقِيلاً".

وبه قال: ( حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري ( قال: أخبرني) بالإفراد ولا ذر: أخبرنا ( الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين ابن خالد بن عقيل بالفتح وفي نسخة حدّثني بالإفراد عقيل ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: ذكر عروة) بن الزبير وفي الشروط أخبرني عروة ( أن مروان) بن الحكم ( والمسور بن مخرمة) بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة ( أخبراه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذه الرواية مرسلة لأن مروان لا صحبة له، وأما المسور فلم يحضر القصة لأنه إنما قدم مع أبيه وهو صغير بعد الفتح وكانت هذه القصة قبل ذلك بسنتين، وحينئذ فلم يصب من أخرجه من أصحاب الأطراف في مسند المسور أو مروان، ووقع في أوّل الشروط من طريق شيخ المؤلّف يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر قصة الحديبية ( قام حين جاءه وفد هوازن) زاد في الوكالة مسلمين ( فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال) لهم عليه الصلاة والسلام:
( إن معي من ترون وأحب الحديث إليّ أصدقه) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو أحب ( فاختاروا) أن أرد إليكم ( إحدى الطائفتين إما المال وإما السبي وقد كنت استأنيت بهم) أي أخرت قسم السبي ليحضروا.

( وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتظرهم) ليحضروا ( بضع عشرة ليلة) لم يقسم السبي وتركه بالجعرانة ( حين قفل) رجع ( من الطائف) إلى الجعرانة وقسم بها الغنائم ( فلما تبين لهم) أي للوفد ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير رادّ إليهم إلا إحدى الطائفتين) المال أو السبي ( قالوا فإنّا) وللحموي والمستملي: إنّا ( نختار سبينا) زاد في مغازي ابن عقبة ولا نتكلم في شاة ولا بعير ( فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال) :
( أما بعد: فإن إخوانكم جاؤونا) ولأبي ذر: قد جاؤونا حال كونهم ( تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الياء أي من أحب أن يطيب بدفع السبي إلى هوازن نفسه ( فليفعل) جواب من المتضمنة معنى الشرط فلذا دخلت عليه الفاء ( ومن أحب) أي منكم ( أن يكون على حظه) نصيبه من السبي ( حتى نعطيه إياه) أي عوضه ( من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) أي يرجع إلينا من أموال الكفار من غنيمة أو خراج أو غير ذلك ولم يرد الفيء الاصطلاحي وحده ويفيء بضم أوله من أفاء ( فقال الناس طيبنا ذلك) ولأبي ذر: طيبنا لك ذلك ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( إنّا لا ندري من أذن منكم) زاد في الوكالة في ذلك ( ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) أراد عليه الصلاة والسلام بذلك التقصّي عن أمرهم استطابة لنفوسهم ( فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم) في ذلك فطابت نفوسهم به ( ثم رجعوا) أي العرفاء ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنهم) أي الناس ( طيبوا) ذلك ( وأذنوا) له عليه الصلاة والسلام أن يرد السبي إليهم.
قال الزهري: ( فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن) وزاد في الهبة هذا آخر قول الزهري يعني فهذا الذي بلغنا انتهى.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله من ملك رقيقًا من العرب فوهب.

( وقال أنس) -رضي الله عنه- مما سبق موصولاً ونبّهت عليه قريبًا في باب: إذا أسر أخو الرجل ( قال عباس للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فاديت نفسي وفاديت عقيلاً) وأوله أُتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد وفيه فجاء العباس فقال: يا رسول الله أعطني فإني فاديت إلى آخره.


[ قــ :2430 ... غــ : 2541 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: "كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ فَكَتَبَ إِلَىَّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ.
حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ".

وبه قال: ( حدّثنا علي بن الحسن) بفتح الحاء ولأبي ذر زيادة ابن شقيق أبو عبد الرحمن العبدي مولاهم المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: ( أخبرنا ابن عون) بالنون عبد الله بن أرطبان البصري ( قال: كتبت) وفي نسخة كتب ( إلى نافع) مولى ابن عمر ( فكتب إليّ) بتشديد الياء أي نافع ( إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أغار) ولمسلم من طريق سليم بن أخضر عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء إلى الإسلام قبل القتال قال فكتب إليّ إنما كان ذلك في أوّل الإسلام قد أغار

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( على بني المصطلق) بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وبعد اللام المكسورة قاف بطن من خزاعة وهو المصطلق بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر ( وهم غارون) بالغين المعجمة وتشديد الراء جمع غار بالتشديد أي غافلون أي أخذهم على غرّة ( وأنعامهم تسقى) بضم الفوقية وفتح القاف ( على الماء فقتل مقاتلتهم) أي الطائفة الباغية ( وسبى ذراريهم) بتشديد الياء وقد تخفّف، وفي هذا جواز الإغارة على الكفار الذي بلغتهم الدعوة من غير إنذار بالإغارة، ولكن الصحيح استحباب الإنذار وبه قال الشافعي والليث وابن المنذر والجمهور، وقال مالك: يجب الإنذار مطلقًا وفيه جوازًا استرقاق العرب لأن بني المصطلق عرب من خزاعة كما مرّ، وهذا قول إمامنا الشافعي في الجديد وبه قال مالك وجمهور أصحابه وأبو حنيفة، وقال جماعة من العلماء: لا يسترقون لشرفهم وهو قول الشافعي في القديم ( وأصاب) عليه الصلاة والسلام ( يومئذ جويرية) بتخفيف المثناة التحتية الثانية وسكون الأولى بنت الحرث بن أبي ضرار بكسر المعجمة وتخفيف الراء ابن الحرث بن مالك بن المصطلق وكان أبوها سيد قومه وقيل وقعت في سهم ثابت بن قيس وكاتبته نفسها فقضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتابتها وتزوّجها فأرسل الناس ما في أيديهم من السبايا المصطلقية ببركة مصاهرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلا تعلم امرأة أكثر بركة على قومها منها.

قال نافع ( حدّثني) بالإفراد ( به) أي بالحديث ( عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وكان في ذلك الجيش) .




[ قــ :431 ... غــ : 54 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ: "رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ -رضي الله عنه- فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ فَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا؛ مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ وَهْيَ كَائِنَةٌ".

وبه قال ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) التميمي مولاهم المدني المعروف بربيعة الرأي ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة وبعد الألف نون ( عن ابن محيريز) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتسكين التحتيتين بينهما راء وآخره زاي وهو عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب الجمحي بضم الجيم وفتح الميم بعدها مهملة المكي أنه ( قال: رأيت أبا سعيد) الخدري ( -رضي الله عنه- فسألته) عن العزل ( فقال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيًا من سبي العرب فاشتهينا النساء فاشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل) أي نزع الذكر من الفرج بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج دفعًا لحصول الولد المانع من البيع والمرأة تتأذى بذلك ولأبي ذر وأحببنا الفداء ( فسألنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) :

( ما عليم أن لا تفعلوا) أي لا بأس عليكم أن تفعلوا فلا زائدة واختار إمامنا الشافعي جوازه عن الأمة مطلقًا وعن الحرة بإذنها نعم هو مكروه لأنه طريق إلى قطع النسل، ولذا ورد العزل الوأد الخفي وفي حديث جابر عند مسلم التصريح بالتجويز حيث قال اعزل عنها إن شئت، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في النكاح ( ما من نسمة) أي ما من نفس ( كائنة) في علم الله ( إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة) في الخارج لا بدّ من مجيئها من العدم إلى الوجود سواء عزلتم أم لا فلا فائدة في عزلكم فإنه إن كان الله تعالى قدّر خلقها سبقكم الماء فلا ينفعكم الحرص، وعند أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه من حديث أنس جاء رجل إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأل عن العزل فقال: لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها أو يخرج الله منها ولدًا وليخلقن الله نفسًا هو خالقها.




[ قــ :43 ... غــ : 543 ]
- حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لاَ أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ ... ".
وَحَدَّثَنِي ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ... وَعَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلاَثٍ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِيهِمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ.
قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا.
وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".
[الحديث 543 - طرفه في: 4366] .

وبه قال: ( حدّثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي والد أبي بكر بن أبي خيثمة ثقة روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن عمارة بن القعقاع) بضم العين وتخفيف الميم ( عن أبي زرعة) بضم الزاي وسكون الراء وفتح العين المهملة هرم بن جرير بن عبد الله البجلي ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: لا أزال أحب بني تميم) هو ابن مرة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر.

قال المؤلّف بالسند: ( وحدّثني) بالإفراد ( ابن سلام) محمد قال: ( أخبرنا جرير بن عبد الحميد) بن قرظ بضم القاف وسكون الراء وهو السابق قريبًا ( عن المغيرة) بن مقسم بكسر الميم وسكون القاف الضبي مولاهم أبي هشام الكوفي ( عن الحرث) بن زيد العكلي التميمي الكوفي ( عن أبي زرعة) هرم ( عن أبي هريرة وعن عمارة) بن القعقاع ( عن أبي زرعة عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال ما زلت أحب بني تميم منذ) بالنون ولأبي ذر: مذ ( ثلاث) أي ثلاث ليالٍ ( سمعت من رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول فيهم) أي في بني تميم ( سمعته يقول) :
( هم أشد أمتي على الدجال قال وجاءت صدقاتهم) أي صدقات بني تميم ( فقال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه صدقات قومنا)
لاجتماع نسبهم بنسبه الشريف عليه الصلاة والسلام في إلياس بن مضر.
( وكانت سبية منهم عند عائشة) بفتح السين وكسر الموحدة وتشديد التحتية لكن عند الإسماعيلي وكانت على عائشة نسمة من بني إسماعيل.
قال ابن حجر: لم أقف على اسمها، وعند أبي عوانة من رواية الشعبي وكان على عائشة محرر وبين الطبراني في الأوسط من رواية الشعبي المراد بالذي كان عليها وأنه كان نذرًا، وعنده في الكبير أنها قالت: يا نبي الله إني نذرت عتيقًا من ولد إسماعيل فقال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اصبري حتى يجيء فيء بني العنبر غدًا فجاء فيء بني العنبر فقال لها: خذي منهم أربعة فأخذت منهم رديحًا بمهملات مصغرًا وزبيبًا بالزاي والموحدتين مصغرًا أيضًا وهو ابن ثعلبة وزخيًا بالزاي والخاء المعجمتين مصغرًا أيضًا وسمرة أي ابن عمرو فمسح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رؤوسهم وبرك عليهم.
قال الحافظ ابن حجر: والذي تعين لعتق عائشة من هؤلاء الأربعة إما رديح وأما زخي ففي سنن أبي داود من حديث الزبيب بن ثعلبة ما يرشد إلى ذلك انتهى.

( فقال) عليه الصلاة والسلام لعائشة ( أعتقيها) أي النسمة ( فإنها من ولد إسماعيل) وفيه دليل على جواز استرقاق العرب وتملكهم كسائر فرق العجم إلا أن عتقهم أفضل، لكن قال ابن المنير تملك العرب لا بدّ عندي فيه من تفصيل وتخصيص للشرفاء فلو كان العربي مثلاً من ولد فاطمة -رضي الله عنها-، فلو فرضنا أن حسنيًا أو حسينيًّا تزوّج أمة بشرطه لاستبعدنا استرقاق ولده.
قال: وإذا أفاد كون المسبي من ولد إسماعيل يقتضي استحباب إعتاقه فالذي بالمثابة التي فرضناها يقتضي وجوب حريته حتمًا، وقد ساق المؤلّف حديث أبي هريرة هذا هنا عن شيخين له كلٌّ منهما حدّثه به عن جرير لكنه فرّقه لأن أحدهما زاد فيه عن جرير إسناد آخر، وساقه هنا على لفظ محمد بن سلام، ويأتي إن شاء الله تعالى في المغازي على لفظ زهير بن حرب، وقد أخرجه مسلم في الفضائل عن زهير والله أعلم.