فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يجوز من شروط المكاتب، ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله

باب مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ، وَمَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِيهِ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( باب ما يجوز من شروط المكاتب) بفتح التاء ( ومن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله) عز وجل ( فيه) أي في الباب ( ابن عمر) بن الخطاب ولأبي ذر فيه عن ابن عمر بن الخطاب ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر الآتي إن شاء الله تعالى في الباب الثاني.


[ قــ :2449 ... غــ : 2561 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ: "أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا.
قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لَنَا.
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.
قَالَ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ".

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد أبو رجاء البغلاني قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام زاد في نسخة عن عقيل بضم العين ابن خالد بن عقيل بفتح العين ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عروة) بن الزبير ( أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته أن بريرة جاءت) إليها ( تستعينها في) مال ( كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا قالت لها عائشة ارجعي إلى أهلك) ساداتك ( فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك) وللكشميهني عن كتابتك ( ويكون) نصب عطفًا على المنصوب السابق ( ولاؤك لي) وجواب الشرط قوله: ( فعلت) وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا أدّت جميع مال الكتابة وليس

ذلك مرادًا وكيف تطلب ولاء من أعتقه غيرها، وقد أزال هذا الإشكال ما وقع في رواية أبي أسامة عن هشام حيث قال بعد قوله أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت فتبين أن غرضها أن تشتريها شراء صحيحًا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت اللك ( فذكرت ذلك) الذي قالته عائشة بريرة ( لأهلها فأبوا) فامتنعوا أن يكون الولاء لعائشة ( وقالوا: وإن شاءت) أي عائشة ( أن تحتسب) الأجر ( عليك) عند الله ( فلتفعل ويكون) نصب عطفًا على أن تحتسب ( ولاؤك لنا) لا لها ( فذكرت) بريرة ( ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي الشروط فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها فجاءت من عندهم ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرت عائشة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : وسقط لفظ لها في
رواية أبي ذر.

( ابتاعي) ها ( فاعتقي) ها بهمزة قطع ( فإنما الولاء لمن أعتق قال: ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله) قال ابن خزيمة: أي ليس في حكم الله جوازها أو وجوبها لا أن كل من شرط شرطًا لم ينطق به الكتاب باطل لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو نجومه ونحو ذلك فلا يبطل فالشروط المشروعة صحيحة وغيرها باطل ( من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله) عز وجل ( فليس له وإن شرط) ولأبي ذر وإن اشترط ( مائة مرة) ولأبي ذر عن المستملي مائة شرط توكيد لأن العموم في قوله من اشترط دال على بطلان جميع الشروط المذكورة فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فلو زادت عليها كان الحكم كذلك لما دلّت عليه الصيغة ( شرط الله أحق وأوثق) ليس أفعل التفضيل فيهما على بابه فالمراد أن شرط الله هو الحق والقوي وما سواه واهٍ كما مرّ.




[ قــ :450 ... غــ : 56 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَرَادَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكِ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة ( عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: أرادت عائشة أُم المؤمنين -رضي الله عنها-) وسقط لأبي ذر أُم المؤمنين ( أن تشتري جارية) هي بريرة ( لتعتقها) بضم التاء والنصب وفى نسخة رقم عليها في الفرع وأصله علامة السقوط تعتقها بضم أوّله مع إسقاط اللام والرفع ( فقال) ولأبي ذر: قال ( أهلها) نبيعكها ( على أن ولاءها لنا قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعائشة:
( لا يمنعك) ولأبي ذرة لا يمنعنك بنون التوكيد الثقيلة ( ذلك) الشرط الذي شرطوه من شرائها وعتقها ( فإنما الولاء لمن أعتق) وليس في حديثي الباب إلا ذكر شرط الولاء وجمع في الترجمة بين حكمين وكأنه فسر الأول بالثاني وإن ضابط الجواز ما كان في كتاب الله أي في حكمه من كتاب أو

سُنّة أو إجماع، وقد اشترط لصحة الكتابة شروط أن يكاتب السيد المختار المتأهل للتبرع جميع العبد فلا يصحّ كتابة بعضه لأنه حينئذٍ لا يستقل بالتردّد لاكتساب النجوم إلا أن يكون باقيه حرًّا أو يكاتبه مالكاه معًا ولو بوكالة إن اتفقت النجوم جنسًا وأجلاً وعددًا فتصح لأنها حينئذٍ تفيد الاستقلال وليس له في الثانية أن يدفع لأحد المالكين شيئًا لم يدفع مثله للآخر في حال دفعه إليه، فإن أذن أحدهما في دفع شيء للآخر ليختص به لم يصح القبض وتصح كتابة بعضه أيضًا في صور: منها إذا أوصى بكتابة عبد فلم يخرج من الثلث إلا بعضه ولم تجز الورثة وأن يقول مع لفظ الكتابة إذا أدّيت النجوم إليّ فأنت حر أو ينويه فلا يكفي لفظ الكتابة بلا تعليق ولا نيّة لأنه يقع على هذا العقد وعلى المخارجة فلابدّ من تمييزه بذلك وأن يقول المكاتب قبلت وبه تتم الصيغة، وأن تكون عوضًا معلومًا فلا تصح بمجهول وأن يكون العوض أقل من نجمين كما جرى عليه الصحابة فمن بعدهم فلا تجوز بعوض
حال، فإن كاتبه على دينار الآن وخدمة شهر لم يجز لعدم تنجيم الدينار أو على خدمة شهر من الآن ودينار عند تقضيه أو قبله أو بعده في زمن معلوم جاز لأن المنفعة مستحقة في الحال والمدة لتقديرها وللتوفية فيها والدينار إنما تستحق المطالبة به في وقت آخر، وإذا اختلف الاستحقاق حصل التنجيم ولا بأس بكون المنفعة حالّة لأن التأجيل إنما يشترط لحصول القدرة وهو قادر على الاشتغال بالخدمة في الحال فالتنجيم إنما هو شرط في غير المنفعة التي عليه الشروع فيها في الحال.