فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الإشهاد في الهبة

باب الإِشْهَادِ فِي الْهِبَةِ
( باب الإشهاد في الهبة) .



[ قــ :2475 ... غــ : 2587 ]
- حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: "سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ.
قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ".

وبه قال: ( حدّثنا حامد بن عمر) بن حفص بن عبيد الله الثقفي قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري ( عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي ( عن عامر) الشعبي أنه ( قال: سمعت النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- وهو على المنبر) بالكوفة كما عن ابن حبان والطبراني ( ويقول: أعطاني أبي) بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بضم الجيم وتخفيف اللام وضبطه الدارقطني بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام الأنصاري الخزرجي ( عطية) كانت العطية غلامًا سألت أم النعمان أباه أن يعطيه إياه من ماله كما في مسلم ( فقالت عمرة) : بفتح العين وسكون الميم ( بنت رواحة) بفتح الراء وبالحاء المهملة الأنصارية أم النعمان لأبيه ( لا أرضى حتى تشهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنك أعطيته ذلك على سبيل الهبة وغرضها بذلك تثبيت العطية ( فأتى) بشير ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني أعطيت ابني) النعمان ( من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله) على ذلك ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( أعطيت سائر ولدك مثل هذا) ؟ الذي أعطيته النعمان ( قال: لا) وعند ابن حبان والطبراني عن الشعبي: لا أشهد على جور، وتمسك به الإمام أحمد في وجوب العدل في عطية الأولاد أن تفضيل أحدهم حرام وظلم.

وأجيب: بأن الجور هو الميل عن الاعتدال والمكروه أيضًا جور، وقد زاد مسلم: أشهد على هذا غيري وهو إذن بالإشهاد على ذلك، وحينئذ فامتناعه عليه الصلاة والسلام من الشهادة على وجه التنزّه.
واستضعف هذا ابن دقيق العيد بأن الصيغة وإن كان ظاهرها الإذن بهذا إلا أنها مُشعِرة بالتنفير الشديد عن ذلك الفعل حيث امتنع عليه الصلاة والسلام من مباشرة هذه الشهادة معلّلاً بإنها جور فتخرج الصيغة عن ظاهر الإذن بهذه القرائن وقد استعملوا مثل هذا اللفظ في مقصود التنفير.

( قال) : ( فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ( قال: فرجع) بشير من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فردّ عطيته) التي أعطاها للنعمان.
وفي الحديث كراهة تحمل الشهادة فيما ليس بمباح وإن الإشهاد في الهبة مشروع وليس بواجب: وأن للإمام الأعظم أن يتحمل الشهادة وتظهر فائدتها إما ليحكم في ذلك بعلمه عند من يجيزه أو يؤدّيها عند بعض نوّابه.
وقول ابن المنير: إن فيه إشارة إلى سوء عاقبة الحرص والتنطع لأن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولده ما رجع فيه لما اشتد حرصها في تثبيت ذلك

أفضى إلى بطلانه، تعقبه في المصابيح بأن إبطالها ارتفع به جور وقع في القضية فليس ذلك من سوء العاقبة في شيء.