فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها

باب هِبَةِ الرَّجُلِ لاِمْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: جَائِزَةٌ.
.

     وَقَالَ  عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لاَ يَرْجِعَانِ.
وَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ.
.

     وَقَالَ  النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ».
.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيُّ -فِيمَنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ- هَبِي لِي بَعْضَ صَدَاقِكِ أَوْ كُلَّهُ.
ثُمَّ لَمْ يَمْكُثْ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى طَلَّقَهَا فَرَجَعَتْ فِيهِ قَالَ: يَرُدُّ إِلَيْهَا إِنْ كَانَ خَلَبَهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَعْطَتْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ لَيْسَ فِي شَىْءٍ مِنْ أَمْرِهِ خَدِيعَةٌ جَازَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ} [النساء: 4] .

( باب) حكم ( هبة الرجل لامرأته و) حكم هبة ( المرأة لزوجها.
قال إبراهيم)
بن يزيد النخعي فيما وصله عبد الرزاق: ( جائزة) أي الهبة من الرجل لامرأته ومنها له.
( وقال عمر بن عبد العزبز) فيما وصله عبد الرزاق: ( لا يرجعان) أي الزوج فيما وهبه لزوجته ولا هي فيما وهبته له.
( واستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما هو موصول في هذا الباب ( نساءه في أن يُمرّض في بيت عائشة) .

ووجه مطابقته للترجمة من حيث أن أمهات المُؤمنين وهبن له عليه الصلاة والسلام ما استحققن من الأيام ولم يكن لهن في ذلك رجوع فيما مضى وإن كان لهن الرجوع في المستقبل.

( وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : فيما يأتي إن شاء الله تعالى آخر الباب موصولاً ( العائد في هبته) زوجًا كان أو غيره ( كالكلب يعود في قيئه) ( وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب فيما وصله عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عنه ( فيمن قال لامرأته: هبي لي) أمر من وهب يهب وأصله أو هبي حذفت واوه تبعًا لفعله لأن أصل يهب يوهب فلما حذفت الواو استغنى عن الهمزة فحذفت فصار هبي على وزن علي ( بعض صداقك أو) قال هبي لي ( كله) فوهبته ( ثم لم يمكث إلا يسيرًا حتى طلّقها فرجعت فيه.
قال)
الزهري ( يرد) الزوج ( إليها) ما وهبته ( إن كان خلبها) بفتح الخاء المعجمة واللام والموحدة أي خدعها ( وإن كانت أعطته) وهبته ذلك ( عن طيب نفس) منها ( ليس في شيء من أمره خديعة) لها ( جاز) ذلك ولا يجب رده إليها.
( قال الله تعالى) في سورة النساء: { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا} [النساء: 4] قال البيضاوي الضمير للصداق حملاً على المعنى أو يجري مجرى اسم الإشارة.
قال الزمخشري: كأنه قيل عن شيء من ذلك وقيل للإيتاء ونفسًا تمييز لبيان الجنس ولذا وحّد، والمعنى: فإن وهبن لكم من الصداق شيئًا عن طيب نفس، لكن جعل العمدة طيب النفس للمبالغة وعدّاه بعن لتضمنه معنى التجافي والتجاوز وقال منه بعثًا لهنّ عن تقليل الموهوب، وزاد أبو ذر في روايته فكلوه أي فخذوه وأنفقوا هنيئًا أي حلالاً بلا تبعة وإلى التفصيل المذكور بين أن يكون خدعها فلها أن ترجع وإلاّ فلا ذهب المالكية إن أقامت البيّنة

على ذلك وقيل يقبل قولها في ذلك مطلقًا وإلى عدم الوجوب من الجانبين مطلقًا ذهب الجمهور وقال
الشافعي: لا يردّ الزوج شيئًا إذا خالعها ولو كان مضرًّا بها لقوله تعالى: { فلا جناح عليهما فيما
افتدت به}
[البقرة: 229] .


[ قــ :2476 ... غــ : 2588 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: "قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ الأَرْضَ، وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ.
فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَذَكَرْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) الفرّاء الرازي المعروف بالصغير قال: ( أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني اليماني ( عن معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول ابن عتبة بن مسعود ( قالت: عائشة -رضي الله عنها-) :
( لما ثقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في وجعه ( فاشتد وجعه) وكان في بيت ميمونة -رضي الله عنها- ( استأذن أزواجه أن يمرّض) بضم أوله وفتح الميم وتشديد الراء ( في بيتي) وكان المخاطب لأمهات المؤمنين في ذلك فاطمة كما عند ابن سعد بإسناد صحيح ( فأذن) بتشديد النون ( له) عليه الصلاة والسلام أن يمرض في بيت عائشة ( فخرج) عليه الصلاة والسلام ( بين رجلين تخطّ رجلاه الأرض) بضم الخاء المعجمة ورجلاه فاعل أي يؤثر برجليه في الأرض كأنه يخط خطًْا ( وكان بين العباس وبين رجل آخر فقال عبيد الله) بن عبد الله ( فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة) -رضي الله عنها- ( فقال لي: وهل تدري من الرجل الذي لم تسمّ عائشة؟ قلت: لا) أدري.
( قال: هو علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه-.

وهذا الحديث قد سبق في كتاب الطهارة وغيرها ويأتي إن شاء الله تعالى وبقية مباحثه في باب مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخر المغازي.




[ قــ :477 ... غــ : 589 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ».
[الحديث 589 - أطرافه في: 61، 6، 6975] .

وبه قال: ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء مصغرًا ابن خالد بن عجلان البصري قال: ( حدّثنا ابن طاوس) عبد الله ( عن أبيه) طاوس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :

( العائد) زوجًا أو غيره ( في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) وزاد أبو داود قال: ولا نعلم القيء إلا حرامًا، واحتجّ به الشافعي وأحمد على أنه ليس للواهب أن يرجع فيما وهبه إلا الذي ينحله الأب لابنه وعند مالك له أن يرجع في الأجنبي الذي قصد منه الثواب ولم يثبه وبه قال أحمد في رواية، وقال أبو حنيفة: للواهب الرجوع في هبته من الأجنبي ما دامت قائمة ولم يعوّض منها.

وأجاب عن الحديث بأنه عليه الصلاة والسلام جعل العائد في هبته كالعائد في قيئه فالتشبيه من حيث أنه ظاهر القبح مروءة وخلقًا لا شرعًا والكلب غير متعبد بالحرام والحلال فيكون العائد في هبته عائدًا في أمر قذر كالقذر الذي يعود فيه الكلب فلا يثبت بذلك منع الرجوع في الهبة ولكنه يوصف بالقبح.