فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الهبة المقبوضة وغير المقبوضة، والمقسومة وغير المقسومة

باب الْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ وَغَيْرِ الْمَقْبُوضَةِ، وَالْمَقْسُومَةِ وَغَيْرِ الْمَقْسُومَةِ
وَقَدْ وَهَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ لِهَوَازِنَ مَا غَنِمُوا مِنْهُمْ، وَهْوَ غَيْرُ مَقْسُومٍ.

( باب الهبة المقبوضة) السابق حكمها ( وغير المقبوضة) علم من حكم المقبوضة ( والمقسومة وغير المقسومة) أما المقسومة فحكمها ظاهر وأما غير المقسومة فهو المقصود بهذه الترجمة وهي مسألة هبة المشاع السابق تقريرها أوّل الباب السابق، ( وقد وهب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) -رضي الله عنهم- مما وصله بأتمّ منه في الباب التالي ( لهوازن ما غنموا منهم) قال: المؤلّف تفقهًا ( وهو) أي الذي غنموه ( غير مقسوم) وفي الفرع وأصله علامة السقوط على قوله لهوازن وإثباتها بعد قوله غير مقسوم لأبي ذر ويبقى النظر في قوله منهم على هذه الرواية فليتأمل.

واستدلّ المؤلّف بهذا التعليق على صحة هبة المشاع وتعقب بأن غير المقسوم يلزم منه أن يكون غير مقبوض فلا يتم له الاستدلال.
وأجيب بأن قبضهم إياه وقع تقديريًّا باعتبار حيازتهم له على الشيوع.


[ قــ :2490 ... غــ : 2603 ]
- وَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ مُحَارِبٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ فَقَضَانِي وَزَادَنِي".

وبه قال: ( حدّثنا ثابت بن محمد) أبو إسماعيل العابد الشيباني الكوفي وسقط ابن محمد لأبي ذر ولغير أبي ذر، ونسبه الحافظ ابن حجر لأبي زيد المروزي وقال ثابت بصورة التعليق وهو موصول عند الإسماعيلي وغيره وبالأول جزم أبو نعيم في المستخرج وفاقًا للأكثر قال: ( حدّثنا مسعر) بكسر الميم ابن كدام ( عن محارب) بكسر الراء ابن دثار ( عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري ( -رضي الله عنه-) عن أبيه أنه ( قال) : ( أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد) المدني ( فقضاني) أي على يد بلال ثمن الجمل الذي كان اشتراه مني بأوقية بطريق تبوك أو ذات الرقاع بعد أن أعيا ودعا له حتى سار سيرًا ليس يسير مثله ( وزادني) أي قيراطًا.

وهذا الحديث قد سبق بأتم من هذا في باب شراء الدواب والحمير من كتاب البيوع، وساقه هنا من طريق أخرى فقال بالسند إليه:



[ قــ :491 ... غــ : 604 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "بِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعِيرًا فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ: ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.
فَوَزَنَ".

قَالَ شُعْبَةُ: أُرَاهُ "فَوَزَنَ لِي فَأَرْجَحَ، فَمَا زَالَ مِنْهَا شَىْءٌ حَتَّى أَصَابَهَا أَهْلُ الشَّأْمِ يَوْمَ الْحَرَّةِ".


( حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة المشهور ببندار العبدي البصري قال: ( حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر الهذلي البصري قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن محارب) هو ابن دثار أنه قال: ( سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- يقول: بعت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعيرًا في سفر فلما أتينا المدينة قال) عليه الصلاة والسلام:
( ائت المسجد فصل) فيه ( ركعتين) وفي رواية وهب بن كيسان في البيوع قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة قبلي وقدمت بالغداة فجئت إلى المسجد فوجدته فقال: "الآن قدمت"؟ قلت: نعم قال: فدع الجمل وادخل فصلِّ ركعتين ( فوزن) أي ثمن الجمل.

( وقال شعبة) بن الحجاج ( أراه) بضم الهمزة أظنه قال ( فوزن لي فأرجح) وهو على سبيل المجاز لأن ذلك إنما كان بواسطة بلال كما في مسلم ولفظه: فلما قدمت المدينة قال لبلال أعطه أوقية من ذهب وزده.
قال: فأعطاني أوقية وزادني قيراطًا فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فما زال منها) وللكشميهني: فما زال معي منها ( شيء حتى أصابها أهل الشام يوم) وقعة ( الحرّة) أي التي كانت حوالي المدينة عند حرّتها بين عسكر الشام من جهة يزيد بن معاوية وبين أهل المدينة سنة ثلاث وستين.




[ قــ :49 ... غــ : 605 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِشَرَابٍ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟ فَقَالَ الْغُلاَمُ: لاَ وَاللَّهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا.
فَتَلَّهُ فِي يَدِهِ".

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة ( عن مالك) إمام دار الهجرة ( عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني القاصّ ( عن سهل بن سعد) الساعدي ( -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بشراب) لبن شيب بماء ( وعن يمينه غلام) ابن عباس ( وعن يساره أشياخ) منهم أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- ( فقال) عليه الصلاة والسلام ( للغلام) : ( أتاذن لي أن أعطي هؤلاء) الأشياخ القدح؟ ( فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك) زاد في رواية الباب السابق يا رسول الله ( أحدًا فتله) أي رمى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقدح ( في يده) أي في يد ابن عباس.




[ قــ :493 ... غــ : 606 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَيْنٌ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً.
.

     وَقَالَ : اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ، فَقَالُوا: إِنَّا لاَ نَجِدُ سِنًّا إِلاَّ سِنًّا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ سِنِّهِ.
قَالَ: فَاشْتَرُوهَا فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً».


وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة) بفتح الجيم والموحدة واللام الملقب عبدان قال:
أخبرني) بالإفراد (أبي) هو عثمان بن جبلة (عن شعبة) بن الحجاج (عن سلمة) بن كهيل أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان لرجل) أعرابي لم يسم (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دين) بغير كان اقترضه عليه الصلاة والسلام منه (فهمّ به أصحابه) أي عزموا أن يؤذوه بالقول أو الفعل، لكنهم تركوا ذلك أدبًا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك أغلظ في المطالبة على عادة الأعرابي في الجفاء والغلظة في الطلب (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً) أي صولة في الطلب (وقال) عليه الصلاة والسلام (اشتروا له سنًّا) مثل سنَّ بعيره (فأعطوها إياه) بهمزة قطع في فأعطوها وفي مسلم أن المخاطب بذلك أبو رافع مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا: إنّا لا نجد سنًّا إلا سنًّا هي أفضل من سنّه) في الثمن والحسن والسنّ (قال) عليه الصلاة والسلام (فاشتروها) بهمزة وصل (فأعطوها إياه فإن من خيركم أحسنكم قضاءً) بنصب أحسنكم اسم إن وخبرها والجار والمجرور، وفي بعض النسخ فإن من خيركم أحسنكم بالرفع على حذف اسم إن أي إن من خيركم أناسًا أحسنكم، ولأبي ذر: فإن خيركم بإسقاط حرف الجر والنصب، وأحسنكم بالرفع اسم إن وخبرها، وفي بعض الأصول: فإن من خيركم أو خيركم على الشك أي أو إن خيركم أحسنكم بالرفع خبر إن على ما لا يخفى، وفي النسخة المقروءة على الميدومي: فإن من أخيركم أو خيركم بالجر عطفًا على السابق وزيادة همزة في الأولى وسكون الخاء على هذا فالشك في إثبات الهمزة وحذفها أحسنكم بالنصب اسم إن لكن الألف مزيدة وجزمة الحاء وفتحة نون أحسنكم على كشط بغير خط كاتب الأصل ومداده كما هو الظاهر وفي الفرع علامة السقوط لهذا الحديث إسنادًا ومتنًا لأبي ذر.

وهذا الحديث قد مضى في الاستقراض.