فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته

باب لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِِ
هذا ( باب) بالتنوين ( لا يحل لأحد أن يرجع في هبته) التي وهبها ( و) لا في ( صدقته) التي تصدق بها.


[ قــ :2506 ... غــ : 2621 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ قَالاَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي بالفاء أبو عمرو البصري قال: ( حدّثنا هشام) الدستوائي ( وشعبة) بن الحجاج ( قالا: حدّثنا قتادة) بن دعامة ( عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( العائد في هبته كالعائد في قيئه) زاد أبو داود في آخره قال: همام قال: قتادة ولا أعلم القيء إلا حرامًا.





[ قــ :507 ... غــ : 6 ]
- وحَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثني بالإفراد وواو العطف ( عبد الرحمن بن المبارك) ليس أخا عبد الله بن المبارك المشهور بل هو العيشي بتحتية ومعجمة البصري قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري بفتح المثناة وتشديد النون قال: ( حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري ( عن عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس لنا) وفي رواية: منّا.

( مثل السوء) بفتح السين ومثل بفتح الميم والمثلثة ( الذي يعود في هبته) أي العائد في هبته
( كالكلب يرجع في قيئه) زاد مسلم من رواية أبي جعفر محمد بن علي الباقر عنه فيأكله وله في رواية
بكير إنما مثل الذي يتصدق بصدقة ثم يعود في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يأكل قيأه، والمعنى
كما قال البيضاوي: لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتّصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخسّ الحيوانات
في أحوالها.
قال في الفتح: ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدلّ على التحريم مما لو قال: مثلاً
لا تعودوا في الهبة.
قال النووي: هذا المثل ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما
وهو محمول على هبة الأجنبي لا ما وهب لولده وولد ولده كما صرّح به في حديث النعمان، وهذا
مذهب الشافعي ومالك، وقال الحنفية: يكره الرجوع فيها لحديث الباب ولا يحرم لأن فعل الكلب
يوصف بالقبح لا بالحرمة فيجوز الرجوع فيما يهبه لأجنبي بتراضيهما أو بحكم حاكم لقوله عليه
الصلاة والسلام: "الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها" أي ما لم يعوض عنها.




[ قــ :508 ... غــ : 63 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لاَ تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ".

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي المكي قال: ( حدّثنا مالك) الإمام ( عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه ( قال: سمعت عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول، حملت على فرس) أي تصدقت به ووهبته بأن يقاتل عليه ( في سبيل الله) واسمه الورد وكان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه له تميم الداري فأعطاه عمر ( فأضاعه الذي كان عنده) بتقصيره في خدمته ومؤونته قال: عمر ( فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) :

( لا تشتره) نهي للتنزيه ( وإن أعطاكه بدرهم واحد) قال في الفتح: ويستفاد منه أنه لو وجده مثلاً يباع بأغلى من ثمنه ولم يتناوله النهي ( فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) الفاء في فإن العائد للتعليل أي كما يقبح أن يقيء ثم يأكل كذلك يقبح أن يتصدّق بشيء ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه.


باب
هذا ( باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو كالفصل من السابق.


[ قــ :509 ... غــ : 64 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: "أَنَّ بَنِي صُهَيْبٍ مَوْلَى بْنِ جُدْعَانَ ادَّعَوْا بَيْتَيْنِ وَحُجْرَةً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى ذَلِكَ صُهَيْبًا، فَقَالَ مَرْوَانُ مَنْ يَشْهَدُ لَكُمَا عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَرَ.
فَدَعَاهُ، فَشَهِدَ لأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صُهَيْبًا بَيْتَيْنِ وَحُجْرَةً، فَقَضَى مَرْوَانُ بِشَهَادَتِهِ لَهُمْ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) الفرّاء الرازي المعروف بالصغير قال: ( أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني اليمني قاضيها ( أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام وتصغير عبد الثاني المكي ( أن بني صهيب) بضم المهملة وفتح الهاء ابن سنان الرومي لأن الروم سبوه صغيرًا وبنوه هم حمزة وحبيب وسعد وصالح وصيفي وعباد وعثمان ومحمد ( مولى ابن جدعان) بضم الجيم وسكون المهملة عبد الله بن عمرو بن جدعان كان اشتراه بمكة من رجل من كلب وأعتقه، وقيل بل هرب من الروم فقدم مكة فحالف فيها ابن جدعان وللكشميهني في نسخة والحموي: بني جدعان ( ادعوا) أي بنو صهيب عند مروان ( بيتين) تثنية بيت ( وحجرة) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم الموضع المنفرد في الدار ( أنّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى ذلك) الذي ادعوه من البيتين والحجرة أباهم ( صهيبًا فقال مروان: من يشهد لكما على ذلك) الذي ادّعيتماه وعبر بالتثنية وفي البقية بالجمع فيحمل على أن الذي تولى الدعوى منهم اثنان برضا الباقين فخاطبهما مروان بالتثنية لأن الحاكم لا يخاطب إلاّ المدّعي وعند الإسماعيلي، فقال مروان: من يشهد لكم بصيغة الجمع ( قالوا) كلهم يشهد بذلك ( ابن عمر) عبد الله ( فدعاه) مروان ( فشهد لأعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح لام لأعطى.
قال الكرماني: كأنه جعل للشهادة حكم القسم أو يقدر قسم أي والله لأعطى عليه الصلاة والسلام ( صهيبًا بيتين وحجرة) وهي التي ادّعى بها ( فقضى مروان بشهادته لهم) أي بشهادة ابن عمر وحده لبني صهيب بالبيتين والحجرة.

فإن قيل: كيف قضى شهادته وحده؟ أجاب ابن بطال: بأنه إنما قضى لهم بشهادته ويمينهم،

وتعقب بأنه لم يذكر ذلك في الحديث، بل عبّر عن الخبر بالشهادة والخبر يؤكد بالقسم كثيرًا وإن كان السامع غير منكر ولو كانت شهادة حقيقة لاحتاج إلى شاهد آخر ولا يخفى ما في هذا فليتأمل.

والقاعدة المستمرة تنفي الحكم بشهادة الواحد فلا بدّ من اثنين أو شاهد ويمين فالحمل على هذا أولى من حمله على الخبر وكون الشهادة غير حقيقية، وهذا الحديث تفرّد به البخاري.

( بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لأبي ذر في اليونينية قال ابن حجر: وثبتت للأصيلي وكريمة قبل الباب.