فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما قيل في شهادة الزور

باب مَا قِيلَ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ
لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ}، وَكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.
تَلْوُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِالشَّهَادَةِ.

( باب ما قيل في شهادة الزور) أي من التغليظ والوعيد ( لقول الله) أي لأجل قول الله ولأبي ذر لقوله عز وجل: ( {والذين لا يشهدون الزور}) [الفرقان: 72] أي لا يقيمون الشهادة الباطلة أو لا يحضرون محاضر الكذب والفسق والكفر أو اللهو والغناء.
وقال ابن حجر: أشار أي المؤلّف إلى أن الآية سيقت في ذم متعاطي شهادة الزور وهو اختيار منه لأحد ما قيل في تفسيرها، وتعقبه العيني فقال: ما سيقت الآية إلا في مدح تاركي شهادة الزور وقوله: وهو اختيار لأحد ما قيل في تفسيرها لم يقل به أحد من المفسرين وحينئذ فإيراد المؤلّف للآية في معرض التعليل لما قيل في شهادة الزور من الوعيد لا وجه له لأنها ما سيقت إلا في مدح الذين لا يشهدون الزور انتهى.

وما قاله ابن حجر أقعد ليكون ما قاله المؤلّف مطابقًا لما استدلّ له ولعله وقف على ذلك من قول بعض المفسرين، وجزم العيني بأنه لم يقل به أحد من المفسرين ودعواه الحصر فيه نظر ولا يخفى، ونقل في الفتح عن الطبري أنه قال: وأولى الأقوال عندنا أن المراد به مدح من لا يشهد شيئًا من الباطل ( و) ما قيل في ( كتمان الشهادة) بكسر الكاف ( لقوله) تعالى ( {ولا تكتموا الشهادة}) أيها الشهود إذا دعيتم لتأديتها عند الحاكم ( {ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبه) أي يأثم قلبه وإسناد الأثم إلى القلب لأن الكتمان يتعلق به لأنه مضمر فيه ( {والله بما تعملون}) من كتمان الشهادة وإقامتها ( {عليم}) [البقرة: 283] فيجازي على كتمان الشهادة وأدائها وسقط لغير أبي ذر لقوله الثابتة قبل قوله: ( {ولا تكتموا الشهادة} وقوله تعالى في سورة النساء وأن ( {تلووا}) [النساء: 135] يعني {ألسنتكم بالشهادة) كذا فسره ابن عباس فيما روي عنه من طريق عليّ بن أبي طلحة كما عند الطبري وروي
عنه من طريق العوفي قال: تلوي لسانك بغير الحق وهي اللجلجلة فلا تقيم الشهادة على وجهها
واللّي هو التحريف وتعمد الكذب، وأتى المؤلّف -رحمه الله- بكلمة مفردة من التنزيل في معرض
الاحتجاج ولم يقل، وقوله ( وإن) ولم يفصل بين الكلمة القرآنية وتفسيرها.


[ قــ :2538 ... غــ : 2653 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ جَرِيرٍ وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْكَبَائِرِ قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ".
تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَأَبُو عَامِرٍ وَبَهْزٌ وَعَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ شُعْبَةَ.
[الحديث 2653 - طرفاه في: 5977، 6871] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون آخره راء أبو عبد الرحمن المروزي
الزاهد أنه ( سمع وهب بن جرير) هو ابن حازم الأزدي ( وعبد الملك بن إبراهيم) مولى بني
عبد الدار القرشي ( قالا: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس) بتصغير عبد
( عن) جده ( أنس) هو ابن مالك ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الكبائر) جمع كبيرة
واختلف فيها والأقرب أنها كل ذنب رتب الشارع عليه حدًّا أو صرّح بالوعيد فيه ( قال) عليه الصلاة
والسلام الكبائر:
( الإشراك بالله) رفع خبرًا عن المبتدأ المقدّر ( وعقوق الوالدين) بأن يفعل الولد ما يتأذى به تأذّيًا
ليس بالهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة ( وقتل النفس) أي بغير حق قال تعالى {ومن يقتل
مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها} [النساء: 93] الآية ( وشهادة الزور) الواو في الثلاثة
للعطف على السابق وليس المراد حصر الكبائر فيما ذكر بل اقتصر على أكبرها والشرك أعظمها.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب والدّيات ومسلم في الإيمان والترمذي في البيوع
والتفسير والنسائي في القضاء والقصاص والتفسير.

( تابعه) أي تابع وهب بن جرير في روايته عن شعبة ( غندر) وهو محمد بن جعفر ( وأبو عامر)
عبد الملك العقدي فيما وصله أبو سعيد النقاش في كتاب الشهود وابن مندة في كتاب الإيمان
( وبهز) بفتح الموحدة وبعد الهاء الساكنة زاي ابن أسد العميّ فيما وصله أحمد ( وعبد الصمد) بن
عبد الوارث فيما وصله المؤلّف في الدّيات الأربعة ( عن شعبة) أي ابن الحجاج المذكور.




[ قــ :539 ... غــ : 654 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ( ثَلاَثًا) ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ-: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ.
قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ".
.

     وَقَالَ  إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ... [الحديث 654 - أطرافه في: 5976، 673، 674، 6919] .

وبه قال: ( حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي بقاف ومعجمة البصري قال: ( حدّثنا الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى سعيد بن إياس الأزدي ( عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع بضم النون الثقفي ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لأبي ذر قال الأولى:
( ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه لتدل على تحقق ما بعدها ( أنبئكم) بالتشديد والذي في اليونينية بالتخفيف أي أخبركم ( بأكبر الكبائر) قال ذلك ( ثلاثًا) تأكيدًا لتنبيه السامع على إحضار فهمه ( قالوا: بلى يا رسول الله) أي أخبرنا ( قال) عليه الصلاة والسلام: أكبر الكبائر ( الإشراك بالله وعقوق الوالدين) وهذا يدل على انقسام الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر ويؤخذ منه ثبوت الصغائر لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها وأما ما وقع للأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني والقاضي أبي بكر الباقلاني والإمام وابن القشيري من أنس كل ذنب كبيرة ونفيهم الصغائر نظرًا إلى عظمة من عصى بالذنب، فقد قالوا كما صرّح به الزركشي إن الخلاف بينهم وبين الجمهور لفظي.
قال القرافي: وكأنهم كرهوا تسمية معصية الله صغيرة إجلالاً له عز وجل مع أنهم وافقوا في الجرح على أنه لا يكون بمطلق المعصية وأن من الذنوب ما يكون قادحًا في العدالة وما لا يقدح هذا مجمع عليه، وإنما الخلاف في التسمية والإطلاق والصحيح التغاير لورود القرآن والأحاديث به ولأن ما عظم مفسدته أحقّ باسم الكبيرة بل قوله تعالى: { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} [النساء: 31] صريح في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر، ولذا قال الغزالي: لا يليق إنكار الفرق بينهما وقد عرفا من مدارك الشرع انتهى.

ولا يلزم من كون هذه المذكورات أكبر الكبائر سواء رتبتها في نفسها كما إذا قلت زيد وعمرو أفضل من بكر فإنه لا يقتضي استواء زيد وعمرو في الفضيلة، بل يحتمل أن يكونا متفاوتين فيها وكذلك هنا فإن الإشراك أكبر الذنوب المذكورة ( وجلس وكان متكئًا) تأكيدًا للحرمة ( فقال) ( ألا وقول الزور) ولأبي ذر: وكان متكئًا ألا وقول الزور فأسقط فقال: وفصل بين المتعاطفين بحرف التنبيه والاستفتاح تعظيمًا لشأن الزور لما يترتب عليه من المفاسد وإضافة القول إلى الزور من إضافة الموصوف إلى صفته، وفي رواية خالد عن الجريري ألا وقول الزور وشهادة الزور.
قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون من الخاص بعد العام، لكن ينبغي أن يحمل على التأكيد فإنّا لو حملنا القول على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقًا كبيرة وليس كذلك ومراتب الكذب متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده.

( قال) أنس ( فما زال) عليه الصلاة والسلام ( يكررها حتى قلنا: ليته) عليه الصلاة والسلام ( سكت) قال في الفتح: أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه، وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمحبة له والشفقة عليه، وقال في جمع العمدة: هو تعظيم لما حصل لمرتكب هذا الذنب من غضب الله ورسوله ولما حصل للسامعين من الرعب والخوف من هذا المجلس.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في استتابة المرتدين والاستئذان والأدب ومسلم في الإيمان والترمذي في البر والشهادات والتفسير.

( وقال إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية وهي أمه مما وصله المؤلّف في كتاب استتابة المرتدّين ( حدّثنا الجريري) سعيد بن إياس الأزدي منسوب إلى جرير بن عبادة قال: ( حدّثنا عبد الرحمن) هو ابن أبي بكرة.