فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: إذا زكى رجل رجلا كفاه

باب إِذَا زَكَّى رَجُلٌ رَجُلاً كَفَاهُ
وَقَالَ أَبُو جَمِيلَةَ: وَجَدْتُ مَنْبُوذًا فَلَمَّا رَآنِي عُمَرُ قَالَ: عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا، كَأَنَّهُ يَتَّهِمُنِي.
قَالَ عَرِيفِي: إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ.
قَالَ: كَذَاكَ، اذْهَبْ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ.

هذا ( باب) بالتنوين ( إذا زكّى رجل) واحد ( رجلاً كفاه) فلا يحتاج إلى آخر معه والذي ذهب إليه الشافعية والمالكية وهو قول محمد بن الحسن اشتراط اثنين.
( وقال أبو جميلة) بفتح الجيم وكسر الميم واسمه سنين بضم السين المهملة وفتح النون الأولى مصغرًا فيما رواه البخاري ( وجدت منبوذًا) بالذال المعجمة أي لقيطًا ولم يسم ( فلما رآني عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( قال: عسى الغوير) بضم الغين المعجمة تصغير غار ( أبؤسًا) بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها همزة مضمومة فسين
مهملة جمع بؤس وانتصب على أنه خبر ليكون محذوفة أي: عسى الغوير أن يكون أبؤسًا وهو مثل مشهور يقال فيما ظاهره السلامة ويخشى منه العطب، وأصله كما قال الأصمعي: أن ناسًا دخلوا يبيتون في غار فانهار عليهم فقتلهم، وقيل أول من تكلم به الزبّاء بفتح الزاي وتشديد الموحدة ممدودًا لما عدل قصير بالأحمال عن الطريق المألوفة وأخذ على الغوير أبؤسًا أي عساه أن يأتي بالبأس والشر، وأراد عمر بالمثل لعلك زنيت بأمه وادّعيته لقيطًا قاله ابن الأثير، وقد سقط قوله قال عسى الغوير أبؤسًا لغير الأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني ( كأنه يتهمني) أي كان عمر يتّهم أبا جميلة.
قال ابن بطال: أن يكون ولده أتى به ليفرض له في بيت المال ( قال عريفي) : القيّم بأمور القبيلة والجماعة من الناس يلي أمورهم ويعرّف الأمير أحوالهم واسمه سنان فيما ذكره الشيخ أبو حامد الإسفرايني في تعليقه ( أنه رجل صالح قال) عمر لعريفه ( كذاك) هو صالح مثل ما تقول؟ قال: نعم.
فقال: ( اذهب) به زاد مالك فهو حر ولك ولاؤه أي تربيته وحضانته ( وعلينا نفقته) أي في بيت المال بدليل رواية البيهقي ونفقته في بيت المال.

وهذا موضع الترجمة فإن عمر اكتفى بقول العريف على ما يفهمه قوله كذاك، ولذا قال: اذهب وعلينا نفقته.


[ قــ :2547 ... غــ : 2662 ]
- حَدَّثَنَي مُحَمَّدُ ابْنُ سَلاَمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ ( مِرَارًا) .
ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلاَنًا.
وَاللَّهُ حَسِيبُهُ.
وَلاَ أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا.
أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا.
إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ".
[الحديث 2662 - طرفاه في: 6061، 6162] .

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثني بالإفراد ( ابن سلام) بتخفيف اللام ولأبي ذر محمد بن سلام قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا ( عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري قال: ( حدّثنا خالد الحذاء) بالمهملة والمعجمة ممدودًا ابن مهران البصري ( عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحرث الثقفي أنه ( قال: أثنى رجل على رجل) لم يسميا ويحتمل كما قال في المقدمة والفتح أن يسمى المثني بمحجن ابن الأذرع والمثنى عليه بعبد الله ذي البجادين كما سيأتي في الأدب إن شاء الله تعالى ( عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) :
( ويلك) نصب بعامل مقدّر من غير لفظه ( قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك) مرتين وهو استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك قالها ( مرارًا ثم قال) عليه الصلاة والسلام ( من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة) بفتح الميم لا بدّ ( فليقل أحسب) بكسر عين الفعل وفتحه أي أظن ( فلانًا والله حسبه) أي كافيه فعيل بمعنى فاعل ( ولا أزكّي على الله أحدًا) أي لا أقطع
له على عاقبته ولا على ما في ضميره لأن ذلك مغيب عنّا ( أحسبه) أي أظنه ( كذا وكذا إن كان يعلم ذلك) أي يظنه ( منه) فلا يقطع بتزكيته لأنه لا يطلع على باطنه إلاّ الله تعالى.

ووجه المطابقة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتبر تزكي الرجل إذا اقتصد لأنه لم يعب عليه إلاّ الإسراف والتغالي في المدح.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب، ومسلم في آخر الكتاب، وأبو داود وابن ماجه في الأدب.