فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: كيف يستحلف

باب كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ، قَالَ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ}
وَقَوْل اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}.
يُقَالُ: بِاللَّهِ وَتَاللَّهِ وَوَاللَّهِ.

وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَرَجُلٌ حَلَفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا بَعْدَ الْعَصْرِ» وَلاَ يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ.

هذا ( باب) بالتنوين ( كيف يستحلف) بضم أوله مبنيًّا للمفعول أي كيف يستحلف الحاكم من تتوجه عليه اليمين ( قال تعالى) {يحلفون بالله لكم} [التوبة: 62] على معاذيرهم فيما قالوا، وسقط ( لكم) عند أبي ذر ( وقوله عز وجل) ولأبي ذر: وقول الله عز وجل: ( {ثم جاؤوك}) حين يصابون للاعتذار ( {يحلفون بالله}) حال ( {إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا) [النساء: 62] أي يحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك وتحاكمنا إلى من عداك إلاّ الإحسان والتوفيق أي المداراة والمصانعة اعتقادًا منّا صحة تلك الحكومة، وزاد في رواية أبي ذر عن الكشميهني قوله: {ويحلفون بالله أنهم لمنكم} [التوبة: 56] أي من جملة المسلمين وقوله: {يحلفون بالله لكم} ليرضوكم أي بحلفهم، وقوله: فيقسمان بالله لشهادتنا أحقّ من شهادتهما أي أصدق منها وأولى أن تقبل، وغرض المؤلّف من سياق هذه الآية كما قال في الفتح أنه لا يجب التغليظ بالقول.
وقال في العمدة: بل غرضها الإشارة إلى أن أصل اليمين أن تكون بالله ( يقال بالله) بالموحدة ( وتالله) بالمثناة الفوقية ( ووالله) بالواو.

( وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله عن أبي هريرة في باب اليمين بعد العصر بالمعنى ( ورجل حلف بالله كاذبًا بعد العصر) وهو أحد الثلاثة الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم ( ولا يحلف بغير الله) هذا من كلام المؤلّف على سبيل التكميل للترجمة ويحلف بفتح الياء وكسر اللام ويجوز ضمها وفتح اللام وكلاهما في الفرع والذي في الأصل هو الأول فقط.


[ قــ :2560 ... غــ : 2678 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ بن مالكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُهُ عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَصِيَامُ شهر رَمَضَانَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ.
قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزَّكَاةَ.
قَالَ: هَلْ عَلَىَّ غَيْرُه؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ.
قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهْوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ.
قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ".

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن عمه أبي سهيل) نافع ولأبوي ذر والوقت زيادة ابن مالك ( عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي
( أنه سمع طلحة بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عثمان التميمي أبا محمد المدني أحد العشرة استشهد يوم الجمل ( -رضي الله عنه- يقول: جاء رجل) هو ضمام بن ثعلبة أو غيره ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في باب الزكاة من الإسلام من كتاب الإيمان من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا ( فإذا هو يسأله) أي الرجل يسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عن الإسلام) أي عن أركانه وشرائعه ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
هو ( خمس صلوات في اليوم والليلة) ( فقال) الرجل: ( هل عليّ غيرها) بالرفع على الخبرية لهل الاستفهامية ولأبوي الوقت وذر عن المستملي غيره بتذكير الضمير أي غير المذكور ( قال) عليه الصلاة والسلام ( لا) شيء عليك غيرها أي الصلوات الخمس ( إلا أن تطوّع) أي لكن التطوع مستحب لك أو الاستثناء متصل فيستدل به على أن من شرع في تطوع يلزمه إتمامه ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( وصيام رمضان) ولأبي ذر شهر رمضان ( قال) أي الرجل ولأبي ذر فقال: ( هل عليّ غيره) أي صيام رمضان ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني غيرها بالتأنيث أي باعتبار الأيام المقدّرة في صيام رمضان ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( لا إلاّ أن تطوّع) لكن التطوع مستحب ولا يلزمك إتمامه أو إلا إذا تطوعت فيلزمك إتمامه ( قال) طلحة ( وذكر له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزكاة.
قال)
الرجل: ( هل عليّ غيرها) ولأبي ذر عن المستملي غيره أي غير ما ذكر من حكمها ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( لا إلا أن تطوع) ( قال) طلحة -رضي الله عنه-: ( فأدبر الرجل) ولّى ( وهو يقول والله لا أزيد) في التصديق والقبول ( على هذا ولا أنقص) أي منه ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( أفلح) أي فاز الرجل ( إن صدق) في قوله هذا زاد في الصيام فأخبره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشرائع الإسلام، ويدخل فيها جميع الواجبات والمنهيات والمندوبات ومطابقة الحديث لما ترجم به في قوله: والله لا أزيد لأنه يستفاد منه الاقتصار على الحلف بالله دون زيادة قاله في الفتح.
وقال: في العمدة: لأن فيه صورة الحلف بلفظ اسم الله وبالباء الموحدة والحديث سبق في كتاب الإيمان.




[ قــ :561 ... غــ : 679 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ قَالَ: ذَكَرَ نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ».
[الحديث 679 - أطرافه في: 3836، 6108، 6646، 6648] .

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري البصري قال: ( حدّثنا جويرية) بن أسماء ( قال: ذكر نافع) مولى ابن عمر ( عن عبد الله) أي ابن عمر بن الخطاب ( -رضي الله عنه-) وعن أبيه ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( من كان حالفًا) أي من أراد أن يحلف ( فليحلف بالله) أي باسم الله أو صفة من صفاته ( أو ليصمت) بضم الميم وزاد في التنقيح وكسرها.

قال في المصابيح: يعني أنه مضارع ثلاثي أو رباعي يقال صمت يصمت صمتًا وصموتًا وصماتًا سكت وأصمت مثله كذا في الصحاح، ولكن الشأن في الضبط من جهة الرواية اهـ.

ولم أره في الأصول التي وقفت عليها إلا بالضم أي أو ليسكت كما في بعض الروايات، والمعنى فلا يحلف أصلاً، وفيه أن الحلف المخلوق لا لسبق لسان مكروه كالنبي والكعبة وجبريل والصحابة، وفي الصحيحين: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، وعند النسائي وصححه ابن حبان: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا تحلفوا إلا بالله.
قال الإمام وقول الشافعي أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية محمول على المبالغة في التنفير من ذلك فلو حلف به لم ينعقد يمنًا كما صرّح به في الروضة، فإن اعتقد في المحلوف بغير الله ما يعتقده في الله كفر أما إذا سبق لسانه إليه بلا قصد فلا كراهة بل هو لغو يمين وعليه يحمل حديث الصحيحين في قصة الأعرابي الذي قال لا أزيد على هذا ولا أنقص أفلح وأبيه إن صدق أو هو على حذف مضاف أي وربّ أبيه أو هو قبل النهي وضعف لأنه يحتاج إلى تاريخ.

فإن قلت: قد أقسم الله تعالى ببعض مخلوقاته كالليل والشمس؟ أجيب: بأن الله تعالى له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيهًا على شرفها.
وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الأيمان والنذور.