فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من أمر بإنجاز الوعد

باب مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ.
وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} .
وَقَضَى ابْنُ الأَشْوَعِ بِالْوَعْدِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بن جندب.

وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ فَقَالَ: وَعَدَنِي فَوَفَى لِي».

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَشْوَعَ.

( باب من أمر بإنجاز الوعد) أي الوفاء به.
( وفعله) أي إنجاز الوعد ( الحسن) البصري ( وذكر) الله عز وجل ( إسماعيل) في كتابه فقال: ( { إنه كان صادق الوعد} ) [مريم: 54] ولغير النسفيّ: { واذكر في الكتاب} إلخ.
وهذا ثناء من الله تعالى عليه.
قال ابن جريج فيما نقله عنه ابن كثير وغيره: لم يعد ربه عدة إلا أنجزها.
وعند ابن جريج أنه وعد رجلاً مكانًا أن يأتيه فجاء ونسي الرجل فظل به إسماعيل وبات حتى جاء الرجل من الغد فقال ما برحت من هاهنا.
قال: لا.
قال: إني نسيت.
قال: لم أكن لأبرح حتى تأتيني فلذلك كان صادق الوعد، وقال سفيان الثوري: بلغني أنه أقام في ذلك المكان ينتظره حولاً حتى جاءه، وقال ابن شوذب: بلغني أنه اتخذ ذلك الموضع مسكنًا فصدق الوعد من الصفات الحميدة كما أن خلفه من الصفات الذميمة.

( وقضى ابن الأشوع) بهمزة مفتوحة فشين معجمة ساكنة فواو مفتوحة فعين مهملة غير منصرف وهو سعيد بن عمرو بن الأشوع الهمداني الكوفي قاضيها في زمان إمارة خالد القسري على العراق بعد المائة ولأبوي ذر والوقت ابن أشوع ( بالوعد) أي بإنجازه.
( وذكر) ابن أشوع ( ذلك عن سمرة) ولأبوي ذر والوقت زيادة ابن جندب، وقد وقع ذلك في تفسير إسحاق بن راهويه.

( وقال المسور بن مخرمة) -رضي الله عنه- ( سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر صهرًا له) يعني أبا العاص بن الربيع زوج زينب بنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قال) ولأبي ذر فقال: ( وعدني فوفى لي) بتخفيف الفاء الثانية ولأبوي ذر والوقت فوعدني فوفاني ولأبي الوقت وحده فأوفاني، وكان أبو العاص مصافيًا لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسأله المشركون أن يطلق زينب فأبى فشكر له عليه الصلاة والسلام ذلك، ولما أطلقه من الأسر شرط عليه أن يرسل زينب إلى المدينة فعاد إلى مكة وأرسلها، فلذا قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حدّثني فصدقني ووعدني فوفى لي" ( قال أبو عبد الله) البخاري ( ورأيت إسحاق بن إبراهيم) أي ابن راهويه وسقطت الواو من قوله ورأيت عند أبي ذر ( يحتج بحديث ابن أشوع) الذي ذكره عن سمرة بن جندب في وجوب إنجاز
الوعد، وفي حاشية الفرع كأصله ما نصه عند أبي ذر مخطوط على قال أبو عبد الله رأيت إسحاق إلى
ابن أشوع بحاء هكذا حـ فيعلم بذلك أنه ثابت عند أبي ذر عن الحموي وحده.


[ قــ :2563 ... غــ : 2681 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: "سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يأَمُرُ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي المعجمة أبو إسحاق الزبيري المدني قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي ( عن صالح) هو ابن كيسان ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول ابن عتبة بن مسعود ( أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أخبره قال: أخبرني أبو سفيان) صخر بن حرب ( أن هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف ملك الروم ( قال له) أي لأبي سفيان ( سألتك ماذا يأمركم) عليه الصلاة والسلام به ( فزعمت أنه أمركم) ولأبي ذر يأمر ( بالصلاة) المعهودة ( والصدق) وهو القول المطابق للواقع ( والعفاف) أي الكف عن المحارم وخوارم المروءة ( والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال) أي هرقل: ( وهذه صفة نبي) وقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صادق الوعد لا يعد أحدًا شيئًا إلا وفى له به.

هذا ( باب) بالتنوينَ وسقط من غير الفرع كأصله.




[ قــ :564 ... غــ : 68 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا ائتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخَلَفَ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البغلاني قال: ( حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الزرقي الأنصاري أبو إسحاق ( عن أبي سهيل) بضم السين مصغرًا ( نافع بن مالك بن أبي عامر) الأصبحي التميمي المدني ( عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( آية المنافق) أي علامته ( ثلاث) اسم جمع ولفظه مفرد والتقدير آية المنافق معدودة بالثلاث ( إذا حدّث كذب) بتخفيف الذال المعجمة أي أخبر عن الشيء على خلاف ما هو به ( وإذا ائتمن) بضم التاء ( خان) في أمانته بأن تصرف فيها على خلاف الشرع ( وإذا وعد) أحدًا خيرًا ( أحلف) فلم يفِ لكن لو كان عازمًا على الوفاء فعرض له مانع فلا إثم عليه ولو وجدت الثلاثة في مسلم فهل يكون منافقًا.
قال الخطابي: هذا القول إنما خرج على سبيل الإنذار للمسلم والتحذير له أن يعتاد هذه الخصال فيفضي به إلى النفاق لا أن من ندرت منه أو فعل شيئًا منها من غير اعتياد أنه منافق.

وقد سبق هذا الحديث في باب علامات المنافق من كتاب الإيمان.




[ قــ :565 ... غــ : 683 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم قَالَ: "لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلاَءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَيْنٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا: قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ وَعَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُعْطِيَنِي هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا -فَبَسَطَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ- قَالَ جَابِرٌ: فَعَدَّ فِي يَدِي خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ خَمْسَمِائَةٍ".

وبه قال: ( حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفرّاء أبو إسحاق الرازي المعروف بالصغير قال:
( أخبرنا هشام) هو ابن يوسف أبو عبد الرحمن اليماني قاضيها ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه ( قال أخبرني) بالإفراد ( عمرو بن دينار عن محمد بن عليّ) أي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهم-) أنه ( قال: لما مات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- ( مال من قبل العلاء بن الحضرمي) بكسر القاف وفتح الموحدة وكان عاملاً لرسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على البحرين وأقرّه الشيخان عليها إلى أن مات سنة أربع عشرة ( فقال أبو بكر) رضي الله عنه: ( من كان له على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دين أو كانت له قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة جهته ( عدة) بتخفيف الدال أي وعد ( فليأتينا) نَفِ له بذلك ( قال جابر فقلت) له بعد أن أتيته ( وعدني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا فبسط يديه) بالتثنية ( ثلاث مرات قال جابر فعدّ) أبو بكر -رضي الله عنه- ( في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة) ثلاثًا كما وعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثًا ولما كان من خلقه الوفاء بالوعد نفذه أبو بكر بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وقد سبق هذا الحديث في باب من تكفل عن الميت دينًا من الكفالة ويأتي إن شاء الله تعالى في فرض الخمس بعون الله وقوّته.




[ قــ :566 ... غــ : 684 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ: أَىَّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لاَ أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ.
فَقَدِمْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَالَ فَعَلَ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثني بالإفراد ( محمد بن عبد الرحيم) أبو يحيى صاعقة قال: ( أخبرنا سعيد بن سليمان) بكسر العين سعدويه البغدادي قال: ( حدّثنا مروان بن شجاع) مولى مروان بن محمد بن الحكم القرشي الأموي الجزري ( عن سالم الأفطس) بن عجلان ( عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي أنه ( قال: سألني يهودي من أهل الحيرة) بكسر الحاء المهملة بلد معروف بالعراق.
قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم اليهودي ( أي الأجلين قضى
موسى)
أطولهما أو أقصرهما لما قال له صهره إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني أي أن تأجر نفسك مني ثماني حجج أي سنين فإن أتممت عشرًا فمن عندك أي فإتمامه من عندك تفضلاً لا من عندي إلزامًا عليك فتحصل البراءة من العهدة بفعل الأقل، ولذا قال: أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ أي فلا حرج عليّ قال سعيد بن جبير: ( قلت) لليهودي: ( لا أدري حتى أقدم) أي مكة ( على حبر العرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة ابن عباس، وعند أبي نعيم من حديث ابن عباس مرفوعًا: أن جبريل سمّاه بذلك ( فاسأله) عن ذلك ( فقدمت) مكة ( فسألت ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( فقال قضى أكثرهما وأطيبهما) في نفس شعيب ( إن رسول الله) موسى ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أو من اتّصف بالرسالة ولم يرد نبيًّا بعينه ( إذا قال فعل) لأن محاسن الأخلاق النبوية مقتضية لذلك، وهذا رواه سعيد موقوفًا وهو في الحكم مرفوع لأن ابن عباس كان لا يعتمد على أهل الكتاب، وقد صرّح برفعه عكرمة عن ابن عباس كما عند ابن جرير عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "سألت جبريل أيّ الأجلين قضي موسى"؟ قال: أتمهما وأكملهما.
وعند ابن أبي حاتم من مرسل يوسف بن مرح أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: لا علم لي فسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل فقال: لا علم لي، فسأل جبريل ملكًا فوقه فقال لا علم لي فسأل ذلك الملك ربه فقال الرب عز وجل: أبرّهما وأتقاهما أو قال أرجاهما.
وزاد الإسماعيلي من الطريق التي أخرجها البخاري قال سعيد: فلقيني اليهودي فأعلمته ذلك فقال: صاحبك والله عالم.